طهران ـ مهدي موسوي
أصبحت بلدة بعاج العراقية مهجورة، وشوارعها محاطة بالسيارات المنقلبة رأسًا على عقب، كما أغلقت فيها المحلات التجارية، فيما تظهر على جدران ساحاتها وبيوتها شعارات رفعتها ميليشيات "الحشد الشعبي" العراقية الشيعية المؤيدة لإيران والتي تسيطر على المدينة التي تعتبر نقطة ارتكازٍ في خطة إيران لتأمين جذورٍ ثابتةٍ لها عبر العراق وسورية وصولاً الى لبنان، مُعزِّزَةً نفوذها على الأراضي التي احتلها وكلاؤها.
وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية في تقرير لها من مدينة "بعاج" إنه في خضم الحطام، هناك إحدى الرسائل المكتوبة على الجدران في ميدان المدينة تقول: "من الموصل إلى البعاج شكراً لك يا سليماني"، كتحيةٍ لقائد "فيلق القدس" التابع للحرس "الثوري الإيراني"، قاسم سليماني، الذي ساعد في قيادة قوات "الحشد الشعبي" في اجتياحها للأراضي الواقعة بين البعاج وبين الحدود السورية. ورفرفت راياتٌ للميليشيات الشيعية المختلفة.
أبو مهدي المهندس وهو قائد مشارك مع قوات الحشد يحيي قواته المنتصرة، والتي شقَّت خلال الأسابيع القليلة الماضية منطقةَ نفوذٍ جديدةٍ من الموصل إلى الحدود السورية. يقول في لقاءٍ نادرٍ أثناء اجتماعٍ للعشائر أداره رجاله: " كانت هذه آخر قلاع داعش في المنطقة"، مضيفاً أن المدينة كانت نقطة العبور لـ"الإرهابيين" منذ 2013 و2014، الذين كانوا يدخلون البعاج وتلعفر، إنها منطقةٌ استراتيجييةٌ لقادتهم".
وعلى طول الطريق السريع من قيارة إلى جنوب الموصل، تصطف الحفارات وآلات الطرق والجرافات. بعضهم سينضمون إلى الوحدات التي يهيمن عليها الشيعة في المعركة وهم يدفعون صفوف داعش المتقهقرة إلى سورية. وقال احد كبار قوات الحشد "اننا لن نغادر بعاج". واضاف " ستكون قاعدتنا الرئيسية في المنطقة".
وبعد ظهر ذلك اليوم، اجتازت شبه مقطورات تحمل حوائط تعمل كمصدات للمتفجرات عبر البلدة باتجاه مبنى حكومي في المركز. وبعيدا عن ذلك، أقامت حركة النخبة، وهي ميليشيا عراقية تقود الحرب ضد قوات في سورية معارضة للرئيس بشار الأسد قاعدة عسكرية، ومن ثم يتمكن كل من عناصر الميليشيات من محاربة داعش داخل العراق. وبذلك يجري تحويل البعاج من ملاذٍ آمنٍ لقادة داعش خارج الحدود، إلى نقطةٍ محوريةٍ للجهود الإيرانية لتغيير ديناميكية المنطقة، بسرعةٍ كبيرةٍ، حتى قبل تأمين مئات المنازل المُفخَّخَة.
وتعد السيطرة على مدينة البعاج مكسباً حيوياً لإيران، إذ ذكر قياديون في قوات "الحشد الشعبي" في شهر مايو/أيار الماضي، أنهم قد أبلغوا ضباطهم بأنه اُعيد توجيه محورٍ سيمنح إيران خط إمداداتٍ عبر الأراضي العراقية والسورية، وصولاً إلى لبنان، ليمر جنوبيَّ جبل سنجار، الذي يقع على بعد 25 ميلا شمال البعاج. ويُفتَرَض أن تكون البعاج النقطة المركزية الأولى، ومن هناك، يُفتَرَض أن يمتد الطريق ليعبر سورية عبر مدينتي دير الزور والميادين، واللتين ما زالتا تحت سيطرة تنظيم "داعش".
ومنذ ذلك الحين تحتشد القوات المدعومة من إيران، بقيادة السليماني، على جانبي الحدود، قرب طريق بغداد دمشق السريع، وهو ما أدى إلى أن التحالف الدولي شن 3 غارات على قوافل عسكرية لمقاتلين موالين للرئيس الأسد ومدعومين من إيران، حاولوا الاقتراب من معبر التنف الحدودي الذي تسيطر عليه قوات أميركية تدعم مقاتلين من المعارضة.
ويعتبر الطريق البري محورياً في تأمين الجهود الهادفة إلى حماية الجذور الحيوية للجبهة، لكن ضباطاً كباراً في قوات "الحشد الشعبي" يقولون أن ممراتٍ أخرى محتملةٍ تُدرَس حالياً، خصوصاً مع التغيُّر الذي يحدثه انهيار قوات "داعش" في أرض المعركة. ويقولون إن المسار المُفضَّل حتى الآن هو المسار عبر دير الزور، والميادين، وتدمُر، ثم دمشق. واصبحت القوات في المنطقة الحدودية "كحجار الشطرنج" التي يتحكم بها العديد من اللاعبين، فالميليشيات المدعومة من إيران تقود الجيش السوري نحو العراق من الغرب، ونفس القيادة تقود الجيش العراقي نحوهم من الشرق.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع التقيا القوتان عند الحدود العراقية السورية قرب قاعدة التنف، وهذا الالتقاء يحقق جزئياً خطط إيران في تأمين قوس نفوذها. وكان من آثار ذلك أيضاً عرقلة نوايا الولايات المتحدة في التحرك شمالاً من الميادين لمحاربة "داعش" في آخر معاقله، والذي يُرجَّح أن يكون غربيَّ دير الزور. وتشير الأراضي المقفرة جنوبيَّ البعاج من القرى والمدن التي أُخلَيت على عجلٍ إلى أن تنظيم "داعش" إن عاد إلى هنا فلن يكون في أي وقتٍ قريبٍ.
وأضاف المهندس: "يتمركز تنظيم داعش الآن في حوض الفرات في سورية والعراق، وهم يحاولون البقاء هناك، ونحن نريد القيام بعملياتٍ عسكريةٍ هناك، لكن ذلك لن يستغرق أقل من سنة، وربما أكثر". وتابع: "لقد هُزِمَ تنظيم القاعدة، ثم عاد في صورة داعش. لذا، إذا لم نُدمِّر كل شيءٍ هناك، ستصبح كل تلك المنطقة داعش مرةً أخرى، إنما باسمٍ مختلفٍ ".
وكان المهندس أكثر حذرا بقوله "اذا استمر التهديد من سورية او منطقة اخرى فان اي دولة موقرة يجب ان تذهب الى مكان وجود الارهابيين. اذا كنا بحاجة الى اجراء اتصالات بين الحكومتين العراقية والسورية سننجح في ذلك، ولكن يجب ان يأتي الأمر من جانب الحكومة العراقية ".
وتشير الأراضي المقفرة جنوبيَّ البعاج من القرى والمدن التي أُخلَيت على عجلٍ إلى أن تنظيم "داعش" إن عاد إلى هنا فلن يكون في أي وقتٍ قريبٍ. وذكر عضو كبير في جبهة الحشد الشعبي "إن المعارك قد عبرت الافق". واضاف إن "تأمين سورية سيحقق الاستقرار في المنطقة، وسنرى ذلك من خلاله".