واشنطن ـ يوسف مكي
تشن البحرية الأميركية عمليات قصف ضد تنظيم داعش بغرض تدمير قدراتهم القتالية في العراق وسورية، وشوهدت طواقم البحرية وبخاصة الطيار المخضرم جي تي أندرسون يطلق القذائف ضد داعش من خلال حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور، ويقود أندرسون وطيارون آخرون منذ وصوله إلى الخليج الفارسي لأكثر من ثلاثة أشهر القتال من أجل سحق التنظيم الإسلامي المتطرف، ويستهدف الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة المقاتلين المتطرفين ومعسكرات التدريب الجهادية والمعدات العسكرية عبر الجو، وفي حين تصدرت الهجمات الإرهابية بواسطة مؤيدي داعش في أوروبا عناوين الصحف إلا أن الجيش الأميركي يقوم ببطء وفاعلية بتدمير معاقل داعش في سورية والعراق
وتمكنت جريدة ديلي ميل من الوصول حصريا إلى الطيارين وأفراد الطاقم على متن أيزنهاور مع اقتراب نهاية العمليات القتالية التي استغرقت 3 أشهر في الخليج الفارسي، وأفاد القادة أنه تم تنفيذ ما يقرب من ألف مهمة قتالية جوا منذ يوليو/ تموز ضد مقاتلي داعش لتدمير قدراتهم القتالية مع دعم القوات البرية السورية والعراقية التي تقاتل لتدمير خلافة التنظيم المزعومة، وأفاد الأميرال جيمس مالوي قائد المجموعة القتالية لحاملة الطائرات أيزنهاور أن الولايات المتحدة وقوات التحالف حققت نجاجا كبيرا لهزيمة داعش، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية ستدخل في المرحلة الثانية عندما سيتم تفكيك القدرة القتالية لداعش، وأضاف مالوي " رأينا بوضوح كيف يهاجمون ونشهد الآن كيف يتراجعون وسيكون من المهم أن نشهد كيف سيموتون، نحن الآن في المرحلة الثانية من حملة هزيمة داعش وهي مرحلة تفكيك قدراتهم حيث ندمر قدرتهم وقيادتهم ونسمح ببطء للقوات على الأرض لاستعادة السيطرة على أراضيهم وبلدانهم، أثق في أننا سندمرهم لكنهم عدو يتطور، ويجب علينا كتحالف أن نستعد لما يمكن أن يصبحوا عليه حتى يمكننا التصدي لهم".
وأشار مالوي الذي تولى قيادة المجموعة القتالية قبل 3 أسابيع إلى أنه " القضاء على داعش أمر حيوي، إنه تهديد يجب أن نتصدى له حتى لا يضطر أطفالنا إلى التعامل معهم"، وأوضح مالوي أن التحالف مكون من 60 دولة أخرى تشارك في المعركة مع 19 دولة تدعم القوات الجوية بما في ذلك بريطانيا وفرنسا، وتابع مالوي " فضلا عن زعزعة الاستقرار في المنطقة يتمثل التهديد في محاولة تصدير داعش إلى مناطق مثل ليبيا وأفغانستان وجنوب شرق آسيا، إنهم يرغبون في تصدير الأرهاب للولايات المتحدة وشركاء التحالف، لقد شاهدنا ذلك في أوروبا خلال الأشهر الثمانية الماضية".
وتقع مهمة تدمير مقاتلي داعش ومعداتهم العسكرية على عاتق الطيارين والجناح الجوي، وتأتي هذه المهمة باسم رسمي "عملية الحل الجذري" وتهدف للقضاء على داعش في العراق وسوريا الطيار المخضرم شارك في عملية تحرير العراق في 2003 على الناقلة الجوية3، ويعرف بين أفراد الطاقم باسم (CAG)، وتتمثل وظيفته في الإشراف على كافة المهمات الجوية التي يقوم بها الطيارون في تسعة أسراب جوية تستقر على الناقلة التي تعد واحدة من أقدم الناقلات في الأسطول الأميركي، وتأتي الناقلة أيزنهاور مجهزة بثلاث أنواع من المقاتلات هي F/A-18E Super Hornet و E/1-18G Growler و F/A-18C/D Hornet، ولا يمكن للطيارين التحدث عن أهدافهم أو المناطق التي يستهدفوها باعتبارها معلومات سرية.
ولخّص أندرسون مهمته قائلا " أولويتي إعادة الجميع إلى وطنهم وقتل أكبر عدد ممكن من الأشرار وتفجير معاقلهم، الناس الذين نحاربهم وحشيين حقا ويجب علينا أن ندرك خطرهم ليس فقط على شعب سوريا والعراق ولكن على الصعيد العالمي والولايات المتحدة، ولذلك نقوم بمهمات مركزة لأننا ندرك مدى أهميتها"، وأوضح أندرسون أنه يدرك تماما أن طياريه ربما يواجهون الموت المحقق إذا أصبحوا أسرى لدى داعش ، ومنذ بدء الحرب مع داعش توفى الطيار ليوتننت موث الكساسبة من سلاح الجو الملكي الأردني ، والذي أعدمه التنظيم بالحرق حيا في قفص عام 2015، ونشر التنظيم المتطرف الفيديو الخاص بإعدامه ما أثار غضب العالم فضلا عن فيديو لقطع رؤوس عمال الإغاثة ما أظهر للعالم مدى عمق فساد وتطرف هذا التنظيم.
وأردف أندرسون " أفكر في الأمر كثيرا عندما يخرج رجالي في مهمات جوية وأشعر بالقلق على حياتهم، فعندما تكون مسوؤلا عن حياة أشخاص تصبح عليك مسؤولية كبيرة، لكني لست بهذا القلق بشأن إطلاق داعش النار علينا لأننا نتدرب على مواجهة التهديدات المفروضة ونحاول تقليل هذه المخاطر، وحققت الأسراب الجوية نجاحا كبيرا في استهداف مقاتلي داعش، نحن هنا لهزيمة داعش وقدرتها على تمويل عملياتها وجهود التجنيد لديهم، لقد تدربنا على نطاق واسع لهذا الغرض، وقمنا بتنفيذ نحو ألف مهمة جوية بأمان وهذا هو مقياس النجاح".
ويشارك الطيار المقاتل الذي طلب الإشارة إليه باسم جوليوس (26 عاما) في عمليات قتال داعش ولا يشك في أهمية عمله ليس فقط لشعب العراق وسوريا ولكن لمن هم بمنأى عن همجية داعش في أمريكا، وأضاف جوليوس " إنهم أشرار ليس لديهم مكان على وجه الأرض طالما نحن هنا، نحن في بعثة هامة للحد من نشاط الإرهابيين في جميع أنحاء العالم، بوجودنا هنا فنحن نحمي أرواح الأميركيين والناس في سوريا والعراق، الناس بحاجة إلى الحماية من النشاط الإرهابي"، ونجح جوليوس في الطيران بعشر مهمات قتالية جوية وعاد بسلام إلى حاملة الطائرات التي زعم بأنها تكريم للرئيس السابق والقائد الأعلى للحرب العالمية الثانية، وتوقع جوليوس تنفيذ مزيد من المهام قبل إنتهاء العمليات الجوية وعودة ناقلة الطائرات إلى مينائها في فيرجينيا.
وحرص القادة على التأكيد على أن هذه العمليات تأتي نتاج جهد جماعي يشمل 5100 شخصا من أفراد الطاقم على متن ناقلة الطائرات أيزنهاور، واتضح ذلك عندما اطلعت ديلي ميل على الجزء السفلي من الناقلة خلال إطلاق إحدى العمليات القتالية فهناك نحو 200 شخصا يعملون مرجل الحرارة والضوضاء لعشرات الطائرات بينما تستعد للإقلاع، وفي شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ أب تم تسجيل درجة حرارة تصل إلى 145 على سطح السفينة، ومع الحرارة الناتجة من عمل المحركات كان الأمر أشبه بالعمل داخل فرن، وبسبب الضجيج الشديد لا تقال كلمة بين الطاقم الأرضي الذي يمكن تمييزه من خلال لون الملابس، ويتواصل أفراد الطاقم معا بحركات اليد وكل إشارة لها معنى معين للشخص الذي يتولى الإطلاق ويرتدي ملابس صفراء طويلة الأكمام مشيرا إلى نهاية المدرج عند استعداد الطائرة للإطلاق، وتأتي الإشارة الأخيرة من طيار F-18 Hornet عندما يقدم التحية لأفراد طاقم المقصورة ليظهر أنه مستعد، ويمسك الطيار بمقبض قمرة القيادة وهو على وشك الإقلاع من على سطح السفينة بقوة 180 ميل/الساعة بواسطة البخار الذي يدفعه منجنيق، وتصل الطائرة من سرعة صفر إلى 200 ميل/ الساعة في ثانيتين فقط، وتكون الطائرات المقاتلة محملة بأحمال ثقيلة فضلا عن الوقود الذي تستخدمه الطائرة للعودة إلى السفينة مرة أخرى وفي الهواء.
وتنطلق الطائرة من سطح السفينة محدثة اهتزاز وأصداء في السفينة بالكامل، وقبل أن يختفي بخار الطائرة يعود أفراد الطاقم مرة أخرى إلى أماكنهم للإستعداد لإطلاق الطائرة الأخرى، وبعد الإنتهاء من عمليات إقلاع الطائرات يتم تجهيز سطح السفينة لعمليات الهبوط، حيث تستعد الكابلات المعدنية السميكة إلى الإمساك بمعلاق يتدلى من بطن الطائرة، ويشار إلى من يفشلون في الهبوط للمرة الأولى باسم bolters، ويضطر الطيار كوسيلة للعقاب في ذلك الحين إلى الجلوس مع وجود مزلاج معدني يتدلى من مقعده كعلامة بين زملائه ما يساعد في تجنب الخطأ لتجنب الإحراج في المستقبل، ويعد الهبوط عملية صعبة للطيارين المنهكين بعد العودة من مهمة استغرقت 8 ساعات، ويصبح الأمر أكثر صعوبة في الليل عندما تتأرجح الناقلة في البحر المتحرك.
وتبدو الناقلة أيزنهاور التي يبلغ طولها 1092 قدما ما يعادل تقريبا 3 ملاعب كرة قدم كمساحة ضخمة، ولكن عندما يتواجد على متنها 50 طائرة ومروحية يتم احتساب كل بوصة بدقة ولا يوجد مجال للخطأ، وليس من الصعب أن يوصف مدرج الطائرات بالمكان الأخطر على وجه الأرض حيث يعمل افراد الطاقم تحت محركات النفاثة، ويحيطهم الخطر في كافة أنحاء سطح السفينة الناقلة مع وجود سلاسل ومركبات تتحرك، ويجب أن يكون أفراد الطاقم في حالة تأهب كل دقيقة وإلا فربما يتم ركلهم من على متن السفينة، ويزحف آخرون تحت الطائرات ويجب عليهم التأكد من توصيل المنجنيق بشكل صحيح وأنه لا توجد عوائق للإطلاق، أضف لذلك رفوف من القنابل والصواريخ المكدسة على جانب الجزيرة وهي الجزء المركزي والأطول من السفينة بارتفاع ستة طوابق.
ويوجد أكثر من 3 آلاف من البحارة على متن الناقلة أيزنهاور ويهدفون في الأساس إلى خدمة الجناح الجوي الذي يضم أسراب تحمل أسماء مستعارة مثل The Gunslingers و Wildcats و Zappers، ويعمل القليل من طاقم أيزنهاور على سطح السفينة بينما يكدح في الأسفل الأشبه بمدينة صغيرة الكثيرون لمدة 24 ساعة، ونظرا لهذا العدد من الأفراد والعمل على مدار الساعة في دورات فمن غير المألوف للزملاء ألا يرون بعضهم البعض لمدة تصل إلى أسبوعين، وبين العديد من الممرات والطرقات في الناقلة البالغة من العمر 40 عاما ليس عاديا أن يضيع فرد جديد من أفراد الطاقم، وتعد هذه المرة الأولى للكثير من أفراد الطاقم التي يشتركون فيها في مهمة قتالية لكنهم سعداء للمشاركة في الحرب ضد داعش.
ويعد تيموثي جنكيز الذي يكمله عامه 18 في فبراير/ شباط ممن كانوا على متن رحلتهم الأولى، وباعتباره البحار الأصغر يعترف جنكيز أنه لا زال يتلمس طريقه وأنه في التجنيد منذ كان عمره 17 عاما في وطنه بولاية ميسوري،وتعد هذه المرة الأولى التي يسافر فيها خارج الولايات المتحدة وعلى الرغم من أنه يعتقد أن وظيفته في قسم الإضاءة لا تجعله متورطا مباشرة في مكافحة داعش إلا أنه سعيد لتأديه دوره، وأضاف جنكيز " أنا سعيد لمجرد وجودي هنا في الخدمة".