لندن - سليم كرم
حذر الرئيس السابق للسفارة البريطانية جو ووكر كوزينز في بنغازي من وصول مليون مهاجر إلى ليبيا وأوروبا من دول في أنحاء أفريقيا، ويأتي تحذير كوزينز رئيس بعثة المملكة المتحدة في ليبيا بين عامي 2012 و2014 في الوقت الذي تعاني فيه الحكومات الأوروبية للاستجابة لتدفق المهاجرين من البحر الأبيض المتوسط، والظروف المروعة في معسكرات الاحتجاز التي يديرها المتاجرون بالبشر أو الحكومة الليبية، وغرق أكثر من 590 مهاجرا على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام مع ارتفاع الأعداد التي تصل إلى إيطاليا من ليبيا، حيث قدرت المنظمة الدولية للهجرة وصول 21.900 لاجئ إلى إيطاليا في الأشهر الثلاثة الأولى حيث تصاعد الرقم من 14.500 العام الماضي.
ووصل ما يصل إلى 181 ألف لاجئ إلى إيطاليا من ليبيا العام الماضي، ويواجه السياسيون الأوروبيون تحديا كبيرا في ظل قلة الدلائل على تشكيل حكومة وحدة فعالة في ليبيا لمكافحة ميليشيات الإتجار المنظم بالبشر، وأوضح كوزينز أن جهود الاتحاد الأوروبي لتدريب حرس السواحل الليبي للعمل في المياة الداخلية كانت قليلة ومتأخرى للغاية على طول خط الأنابيب، مضيفا "أوضح لي المخبرون في المنطقة أن هناك مليون مهاجر إن لم يكن أكثر يخرجون بالفعل من خلال خط الأنابيب في أفريقيا الوسطى والقرن الأفريقي".
وتم انتشال 179 ألف لاجي أفريقي العام الماضي في إيطاليا خارج المياة الساحلية الليبية من قبل البحرية الإيطالية أو وكالة فرونتكس الحدودية أو المنظمات غير الحكومية، وأفاد كوزينز أنه من الضرور القيام برد فعل على بعد 1400 كيلومتر إلى الجنوب على الحدود الليبية التي يسهل اختراقها بدلا من الساحل، وفي ضربة قاسية لروما رفضت المحكمة العليا الليبية الأسبوع الماضي مذكرة تفاهم إيطالية ليبية تم توقيعها في فبراير/ شباط والتي هدفت إلى تمكين إيطاليا من تدريب حرس السواحل الليبي على القيام بدور أكثر نشاطا من خلال الصعود إلى السفن وإعادة اللاجئين في المياه الساحلية الليبية.
وأشار الحكم الليبي إلى أن حكومة الوفاق الوطني GNA التي تدعمها الأمم المتحدة لا تملك السلطة القانونية لتوقيع المذكرة مع إيطاليا لأنها لا تعترف بها كحكومة شرعية في ليبيا ولم تتمكن حكومة الوفاق الوطني نظريا والتي تتولى السلطة في غرب ليبيا منذ عام من كسب تأييد البرلمان الليبي لمجلس النواب ما يُعد شرط مسبق للشرعية في نظر المحكمة، وعلى الرغم من الاستئناف على الحكم إلا أنه ترك سياسة اللاجئين الليبيين في الاتحاد الأوروبي في طي النسيان، ودفعت الأزمة قادة الاتحاد الأوروبي إلى دراسة خطط جديدة أولا لتسريع عملية اللجوء إلى إيطاليا، وتقديم حوافز مادية لبلدان مثل نيجيريا لاستعادة طلبات اللجوء المرفوضة، فضلا عن منح نيجيريا حصة من التأشيرات لدخول عمالها إلى أوروبا.
وتم تطوير حزمة اللاجئين الجديدة من قبل مبادرة الاستقرار الأوروبية المؤثرة (ESI) ويجري فحصها من قبل الحكومات عبر البحر الأبيض المتوسط، وتقوم المبادرة جزئيا على اتفاقية اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والموقعة في مارس/ أذار 2016 ما أدى إلى هبوط هائل في عدد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من تركيا عبر اليونان، وبموجب الخطط التي تقدم إلى الحكومات في اليونان ومالطا والسويد والمانيا وفرنسا وإيطاليا تقوم مراكز استقبال جديدة ممولة من الاتحاد الأوروبي في إيطاليا بمعالجة كافة طلبات اللجوء في غضون 4 أسابيع على الأقل بدلا من ثلاثة أشهر أو أكثر، ويرسل أي طلب لجوء مرفوض إلى بلده الأصلي في البلاد الأمنة مع استثناء ليبيا حيث لا يمكن اعتبارها آمنة.
وتشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى 75% من النيجيريين الذين يصلون إلى إيطاليا عبر ليبيا، وهم أكبر مجموعة من المهاجرين، يعتبرون مهاجرين اقتصاديين، وارتفع عدد النيجيريين الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر ليبيا من 9 آلاف في عام 2014 إلى 37,550 في عام 2016، وعلى النقيض من ذلك يحصل نحو 90٪ من اللاجئين من بلدان مثل إريتريا على حق اللجوء، وأضاف جيرالد كنوس رئيس مبادرة الاستقرار الأوروبي "لو لم نفعل شيئا سيكون هناك عدد قياسي من الغارقين والذين يعانون، وهناك القليل الذي يمكننا القيام به بشأن الأسباب الجذرية للهجرة من أفريقيا في المستقبل القريب، وعلينا أن نجد بديلا ملموسا"، موضحا أنه من الضروري ضمان موافقة نيجريا والسنغال ودول أخرى بعد تاريخ محدد على استعادة رعاياها غير المؤهلين للحماية، ويجب أن يكون ذلك الأولوية الرئيسية في المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية على غرار الالتزام الذي قطعته تركيا على إعادة الأشخاص دون تأخير الذين وصلوا إلى اليونان بعد 20 مارس/آذار 2016.
وتتردد العديد من البلدان الأفريقية في منع تدفق المهاجرين إلى أوروبا ويرجع ذلك جزئيا إلى عودة المهاجرين الهائلين إلى بلدانهم، وتركز اتفاقيات الإعادة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان المنشأ الأفريقية على أولئك الذين وصلوا إلى إيطاليا بعد دخول هذه الاتفاقات حيز التنفيذ ما يقلل التأثير على التدفقات الحالية للتحويلات، وفي المقابل سيوفر الاتحاد الأوروبي لهذه البلدان فوائد ملموسة بما في ذلك المنح الدراسية والتأشيرات السنوية، وقدم الاتحاد الأوروبي بالفعل لتركيا مبالغ نقدية أكثر من ميزانية برنامج اللاجئين الحكومي الأمريكي بأكمله إلا أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم سوى 400 مليون دولار (318 مليون جنيه إسترليني) لبرنامجه الأفريقي.
وانتقدت العديد من جماعات حقوق الإنسان الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى الظروف المروعة في مراكز الاستقبال في جزر بحر إيجة وانعدام الأمن والإجراءات البطيئة والاعتقاد بأن تركيا ليست بلدا آمنا للاجئين الذين سيتم إعادتهم، وحتى 20 مارس/ آذار لم يترك سوى 10 آلاف طالب لجوء اليونان متجها إلى بلدان أوروبية أخرى، وشهدت الاتفاقية انخفاض عدد اللاجئين الذين يصلون إلى جزر بحر إيجة من 2000 شخص في اليوم في يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2016 إلى 40 في اليوم في 2017، كما انخفض عدد الوفيات غرقا من 320 شخص إلى شخص واحد، وتمت إعادة نحو ألف لاجئ من اليونان إلى تركيا بمعدل أقل من 90 في الشهر.
وأوضحت إلهام سعودي المحامية في مجموعة "محامون من أجل العدالة" بشأن صفقة ليبيا "من الخطأ أن يدخل الاتحاد الأوروبي في اتفاق مع بلد لا يوجد لديه مفهوم اللجوء أو حماية للاجئين، ويعلم الاتحاد الأوروبي بالتعذيب والاغتصاب والقتل الذي يحدث في هذه المخيمات، حتى أساسيات الحياة لا توجد هناك، فلا توجد سجلات ولا أحد يقوم بإحصاء عددهم وليست هناك عملية قانونية أو إمكانية الوصول إلى محام، ولا توجد مساءلة لا يوجد شيء، إنها مجرد واجهة ومع ذلك يحتفل الاتحاد الأوروبي بهذه الاتفاقية التي تعد بمثابة وسيلة للتورط في التعذيب".