بغداد – نجلاء الطائي
مرت 13 سنوات على دخول الجيش الأميركي إلى العراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين الذي اتهمته واشنطن بتطوير أسلحة دمار شامل. عقد من الزمن انقضى دون أن يرى العراقيون خدمات عامة ترقى إلى مستوى الطموح الذي شعروا به إثر سقوط النظام السابق.
فعندما دخلت القوات الأميركية بغداد وأسقطت تمثال صدام حسين الشهير في ساحة الفردوس، توقع كثير من العراقيين أن يصبح العراق الولاية الأميركية الـ51 من حيث الكهرباء والماء وتطور البنى التحتية وقطاعات المال والتجارة، ليكون منافسا لبعض دول المنطقة، وتحديدا الإمارات.
تلك التوقعات والطموحات تلاشت بانفجار أول عبوة ناسفة وسيارة ملغومة وعملية اغتيال بكاتم صوت أدخلت العراق في دوامة عنف لم تنته بعد، فأصبح نبأ مقتل فلان وقطع رأس آخر جزءا من حياة العراقيين اليومية وأمرا طبيعيا بالكاد يولد ردة فعل من المتلقي.
وقد أثر التنوع العرقي والديني والطائفي على شكل الحكومات المتعاقبة منذ انهيار نظام صدام، حيث اعتمد القائمون على القرار في البلاد نظام المحاصصة الطائفية والقومية في توزيع المناصب الحكومية. ليصبح العراق أشبه بالاتحاد السوفيتي السابق قبيل انهياره وتحوله إلى دول أقيمت على أسس عرقية تتنافس فيما بينها.
رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، قال معلقا على الوضع العراقي، إنه يعتذر عن "الأخطاء" التي ارتكبت خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق العام 2003 وإسقاط نظام صدام حسين.
ونقلت شبكة "سي.إن.إن." الإخبارية الأميركية عنه القول "أستطيع القول إنني أعتذر عن الأخطاء وعن حقيقة أن المعلومات الاستخبارية التي تلقيناها كانت خاطئة ، لأنه وحتى مع استخدامه (صدام حسين) للأسلحة الكيماوية ضد شعبه وضد آخرين ، إلا أن ما ظننا أنه يمتلكه لم يكن موجودا بالصورة التي توقعناها".
واضاف بلير قائلا إنه يعتذر عن أخطاء أخرى "متعلقة بالتخطيط وبالتأكيد عن الأخطاء التي ارتكبناها حول الطريقة التي فهمنا بها ما يمكن أن يحدث بعد إزالة نظام، أجد أن الاعتذار عن إزالة نظام صدام حسين صعب، وكونه الآن غير موجود أفضل من تواجده."
أما دونالد ترامب، المرشح الأوفر حظا للفوز ببطاقة الترشيح عن الحزب الجمهوري إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية، ، أنه لو ظل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في الحكم لكان العالم اليوم أفضل حالا.
وردا على سؤال خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن" عما إذا كان يعتبر أن العالم كان ليكون أفضل اليوم لو بقي صدام حسين ومعمر القذافي في الحكم، أجاب الملياردير الجمهوري "حتما نعم!".
ترامب قال إن "الناس هناك تقطع رؤوسهم، يتم إغراقهم، الوضع هناك الآن هو أسوأ بكثير من أي وقت مضى في ظل حكم صدام حسين أو القذافي". وأضاف انظروا إلى ما حدث، الوضع في ليبيا كارثة، الوضع في العراق كارثة، الوضع في سورية كارثة، الشرق الأوسط برمته كذلك، كل هذا انفجر في عهد الرئيس باراك أوباما ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، المرشحة الأوفر حظا في صفوف الديموقراطيين.
وتابع المرشح الجمهوري حديثه عن العالم بدون صدام قائلا: انظروا إلى ليبيا، انظروا إلى العراق، قبلا لم يكن هناك إرهابيون في العراق، صدام حسين كان يقتلهم في الحال، لقد أصبح العراق اليوم جامعة هارفرد للإرهاب، وأكد أنه "إذا نظرتم إلى العراق قبل سنوات، أنا لا أقول إن صدام حسين كان رجلا لطيفا، كان رجلا فظيعا، لكن الوضع كان أفضل مما هو عليه الآن"
أما في العراق فإن المتابعين للشأن العراقي، يعون جيداً أن سياسيي ما بعد التغيير باتوا يسخّرون كل شيء لكسب تأييد الشارع من جهة وحفظ ماء الوجه من جهة أخرى.
وعن هذا الصدد يتحدث الصحفي محمد مؤيد قائلا "سياسيو الحكم استغلوا الوضع بملء جيوبهم وصاروا متخمين بالفساد، ، وبسبب هذا التناحر وغياب الوعي لدى الطبقة السياسية بتنا نتخوف من حرق اعمارنا على ايدهم لنراهم ناضجين.
وعن هذا الموضوع تحدث الزميل حسان علاء بأن "ما بعد التاسع من نيسان شكل هذا التاريخ انعطافاً كبيراً بتاريخ العراق، فضلاً عن استبشار العراقيين خيراً ، أما الأن نرى بصيص من الأمل وربما سيكون جذرياً في المشهد السياسي حيث سيتمثل هذا التغيير بتعديل الحكومة الحالية بأخرى تكنوقراط وهو ما سيضع عربة مستقبل البلاد على سكة طريق المستقبل المزهر".
*التغيير السياسي وواقع ثقافة القادة السياسيين؟
وبهذا الصدد يتحدث الصحفي أشرف كريم بأن "هذه العبارات تدل على اضمحلال المستوى الثقافي للقادة والجهل الفكري وغياب ديمقراطية احترام الرأي للشعب العراقي هذا بجانب ، الجانب الآخر قضية لعب الأدوار والمناكفات التي باتت واضحة للعيان بين الأطراف السياسية أعطت مؤشراً سلبياً بأن هذه الأحزاب هدفها بروز دورها الشعبي واستعراض عضلاتها واعادة تسويق نوابها واعضائها على حساب الطرف الأخر وأن وصلت لمرحلة إراقة الدماء.
*عمليات طرد "داعش" وتأثيرها على التغيير السياسي؟
وبالصدد المذكور يتحدث الصحفي حسين لفتة أن "هنالك تحسنا ملحوظا عقب انطلاق عمليات الحشد منذ انطلاق عمليات التحرير في نيسان الماضي وتراجع الهجمات على العاصمة بغداد، وهذا ما سيؤثر بشكل مباشر على الوضع الأمني لكننا نأسف على الجانب السياسي حيث احدث شرخاً كبيراً في منظومة البلاد، وكانت نتائجه انتشار الفساد المالي والأداري بمفاصل الدولة".
ويقول المحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي إن الولايات المتحدة "كان عليها تغيير البرنامج العام لمرحلة ما بعد صدام من قضية نشر الديموقراطية إلى الاستقرار".
وأضاف في حديث لـ "العرب اليوم " أن المساعي الأميركية بجلب الاستقرار للعراق "أدت إلى تنصلها من الاهتمام بقضايا أخرى مهمة مثل حقوق الإنسان، والحريات وأعطت الفرصة للسلطة العراقية من أجل أن تتعاطى مع منهج يختلف عن كثير من متطلبات الحرية والديموقراطية".
وكنتيجة لذلك، يعتبر الهاشمي أن "حالة الاحتقان عادت ووضعت البلد أمام ثلاثة خيارات إما التقسيم أو الحرب الأهلية أو الاتفاق السياسي الشامل الذي لا تؤمن به الكثير من القوى السياسية".
الهاشمي يرجح التدهور الأمني والسياسي إلى كون إنشاء الأجهزة الأمنية يتم وفقا للإرادات السياسية التي تخضع للعديد من قادة الأحزاب، مضيفا أن العديد من المليشيات عادت لإدارة الملف الأمني.
وأوضح أن بنية الأجهزة الأمنية كان "على أساس العدد وليس الكفاءة إضافة إلى الجانب الاقتصادي المعطل والمشلول الذي ينعكس على توعية الناس وتلبية حاجاتهم حتى تجعلهم مؤمنين بالنظام السياسي الحالي".
ويرهن الهاشمي تحسن المناخ السياسي والأمني في البلاد بمدى وعي القوى السياسية الموجودة لأنه "لا يجوز ولا يمكن الاستمرار في التسلط دون إنجاز، وهو ما أعتقد أنه بعيد عن مدركات القوى السياسية".
ويتوقع الهاشمي عدة سيناريوهات لمستقبل العراق في ظل الظروف الحالية، من ضمنها أن "يثور الشعب العراقي ثورة عارمة على حال ثورات الربيع العربي وبالتالي سنعيش تجربة مغايرة للمقاسات الموجودة"، أو يحصل انقلاب عسكري و"هذا يحتاج إلى موافقات دولية".
*التمسك بالسلطة
ومن جانبه يرى قيس الشذر، عضو البرلمان العراقي السابق أنه بعد مرور هذه المدة الطويلة أثبتت العملية السياسية في العراق أنه لا تزال لدى النخبة الحاكمة "عقلية التمسك بالسلطة والاستحواذ عليها بالوسائل المشروعة وغير المشروعة"، مشيرا إلى أنه "للأسف لم نستطع أن نضع الأسس لترسيخ فكرة القيادة الجماعية للبلد".
وأوضح الشذر أنه خلال هذه الفترة "كل من يصل إلى الحكم يحاول أن يحتفظ بالسلطة أكبر فترة ممكنة والناخب العراقي أصبحت تتقاذفه الأهواء والدعايات والحملات الإعلامية ولا يستطيع التركيز على ما ينفعه وما يضره".
ويعتبر قيس الشذر أن الجانب الأمني "هش لأن الشأن العراقي أصبح مستباحا لكل التدخلات الإقليمية، وأيضا بسبب التدخلات الاميركية والايرانية في شؤون العراق.
ويؤكد الشذر أن العراق يحتاج إلى نخب سياسية تتعامل مع العراقيين على أساس المواطنة و"إذا لم نصل إلى إيجاد نماذج من هذا النوع، فإن الحال سيبقى على حاله، أعتقد أن الأمور ربما تسوء".
أما عضو لجنة الامن والدفاع النيبابية حامد المطلك، فاختصر السنوات الـ13 الماضية في صورة سوداوية. وقال "الآن بعد 13 سنوات قدم العراقيون مزيدا من الدماء والتدمير في كل مجالات الحياة وليس فقط على المستوى البشري".
وأضاف المطلك لـ "العرب اليوم" أن البطالة وصلت إلى مستويات مرتفعة والخدمات معدومة والفساد المالي والرشوة والتدخلات الخارجية الإيرانية وغيرها على أعلى مستوى. هناك عراق ضائع وتائه".
وأضاف المطلك أن الجهاز الأمني أصبح عرضة للفساد المالي والرشوة وانعدام المهنية واعتمادها على جهات معينة دون أخرى.
ويوجه المطلك اتهامات مباشرة للولايات المتحدة التي، تعد حسب قوله، المسؤول المباشر والأول "الذي أدى بالبلد إلى هذا المستوى من التدني" في مجالات مختلفة.
ويضيف قائلا إن "التقييم الواقعي للمرحلة هو أن الاحتلال الأميركي كان احتلالا فاشلا بعيدا عن القيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية. للأسف بعض العراقيين استبشروا به خيرا عندما قال الأميركيون إننا جئنا لنحرر ونعزز الديموقراطية. كنا نأمل أن يتغير الوضع لكن للأسف الوضع يزداد سوءا".