طهران - مهدي موسوي
تعيش سيدة إيرانية مُسنة تعد موسوعة للطب التقليدي المعتمد على الأعشاب، وتحصل على الكثير من الأعشاب المحلية من أجل ابنة أخيها ومنها الحناء والشاي والكركم والقرفة وأقراص عشبية للأنفلوانزا وشامبو عشبي أيضًا.
وقالت "شاهلا" (60 عامًا) "بالكاد أستخدم الأدوية الكيميائية للأنفلوانزا وبدلًا من ذلك أتناول النعناع المخمر أو عشبة لسان الثور، ويعتبر النعناع قاتل للألم، فإذا كان لديك كدمة يمكنك خلط النعناع مع الدقيق المحمص والزيت ووضع الخليط على المكان الذي يؤلم"، وتستخدم أيضًا الحناء لتقوية جذور شعرها وتمزجها مع الزبادي لصنع قناع للوجه، وقالت إن هذه الخلطة تساعد أيضًا في القضاء على رائحة القدم حيث تقتل الفطريات.
وأوصت شاهلا باستخدام منقوع النعناع لحالات الانتفاخ، واستخدام زهرة برية وردية للنساء بعد انقطاع الطمث لاسيما وأن النعناع يرفع درجة حرارة الجسم، وأضافت قائلة "صبغة الهندباء تطهر الكبد أما المردقوش فهو مضاد للاكتئاب والكركم يشفي الجروح، وبعد الولادة يجب على المرأة أن تتناول الكاتشي وهو حساء مصنوع من مسحوق الكركم والدقيق والزيت والسكر والماء حيث أنه يشفي كل القرح الداخلية".
وتواصل شاهلا استخدام الطب التقليدي الإيراني الذي يعود إلى آلاف الأعوام، وفي حين تميل الثقافات الغربية إلى رؤية الأعشاب كعلاج بديل يحتفظ الطب التقليدي بمكانة مرموقة في تاريخ إيران الحديث، حيث تحتفظ معظم العائلات برفوف من أجل الأعشاب والمساحيق والصبغات من الطب التقليدي، وتعد المكونات العشبية الحارة والباردة جزءًا مهمًا من الطعام الإيراني، ويعتبر جلوس القرفصاء في الفناء أو أرضية المطبخ لإعداد الأعشاب الطازجة هواية لدى المرأة الإيرانية، ويوصف تناول الأعشاب من قِبل الأطباء والجدات على حد سواء لعلاج كل شيء بداية من آلام المفاصل وحتى ارتفاع الكوليسترول في الدم، ولا يستغني الإيرانيون عن التقدم الطبي حيث تحقن شاهلا الإنسولين لإصابتها بمرض السكري لكنها تستخدم القرفة في مثال جيد على المزاوجة بين الطب التقليدي إلى جانب الطب الحديث.
وتضم إيران أكثر من 8 آلاف نبتة طبية وتنمو ألفان منها حصريًا داخل البلاد وفقًا لما ذكره معهد بحوث الغابات والمراعي التابع لوزارة الزراعة، كما تضم أفضل الجامعات الإيرانية مثل جامعة طهران وجامعة الشهيد بهشتي وكليات محددة مخصَّصة للطب التقليدي، وتم تقويض هذا التعايش في الفترة الأخيرة نتيجة النمو المفاجئ لمتاجر بيع النباتات الطبية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع تكلفة الأدوية المستوردة بعد العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة العام 2012.
وكشفت إدارة الغذاء والدواء الحكومية عن تزايد استخدام الأدوية العشبية خلال هذا العام بنسبة 13% حيث يتم إنتاج معظم العلاج العشبي محليًا، ونتج عن ندرة الأدوية وانخفاض القوة الشرائية وزيادة البطالة خلق بيئة خصبة لنمو متاجر الهواة للأعشاب الطبية، وقال علي جوادي الممارس للطب التقليدي "في هذه الأيام أصبح الناس أكثر وعيًا بمخاطر الأدوية الكيميائية، وعلى مدى العقد الماضي بسبب العقوبات زادت تكاليف العلاج الطبي وتحول الكثير من الناس إلى العلاج بالأعشاب وهو غير مكلف مقارنة بالأدوية الكيميائية".
وحذرت وزارة الصحة بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 من أن ثلث متاجر النباتات العشبية غير مرخصة، وأضاف رئيس فرع مشهد لاتحاد النباتات الطبية الهيئة المسؤولة عن تراخيص متاجر النباتات الطبية، حسن بخاري "للأسف بعض الناس بعد العمل لبضعة أشهر في متاجر بيع النباتات الطبية وقراءة بعض الكتب عن الأدوية العشبية قاموا بفتح متاجر خاصة بهم دون اتخاذ الإجراءات القانونية، لدينا أشخاص كانوا سائقين أجرة أو أصحاب محلات أحذية، لكنهم اتجهوا إلى فتح متاجر نباتات عشبية بسبب عدم قدرتهم على تغطية نفقاتهم".
وأعرب حامد (25 عامًا) الذي تولى العمل في محل عطارة والده في مشهد والذي قضى 20 عامًا في هذه المهنة عن قلقه على هذه التجارة، مضيفًا "لدينا الآن نوعين من محلات الأعشاب الطبية بعضهم يعمل بشكل احترافي مهني والبعض الآخر يبيعون عقاقير بما في ذلك الميثادون والترامادول وعقارات الإجهاض، وانتشر النوع الثاني مثل الفطر وهم يدمرون هذه المهنة"، ويتطلب الحصول على ترخيص الحصول على دبلوم المدارس الثانوية ثم الانضمام إلى الاتحاد المحلي للنباتات الطبي والانضمام إلى دورة لمدة عام لمعرفة المزيد عن الأعشاب والبيع والنصائح الصحية، ويتبع هذه الدورة اختبار من قِبل منظمة الزراعة التي تديرها الحكومة، وفتحت مريم الحاصة على شهادة في الهندسة الزراعية متجر عطارة خاص بها في مشهد منذ عام تقريبًا، وأضافت مريم "تراوحت تكلفة البداية بين 5 إلى 6 آلاف دولار ولكن مع تدني سوق العمل وفقد الناس وظائفهم يمكنك الكسب بشكل جيد نسبيًا".
ويمكن إيجاد متجر عطارة في مشهد كل 500 متر، ويمتلئ بملاحظات مكتوبة بخط اليد تبلغ العملاء بوصفات لعلاج الاكتئاب والسمنة وارتفاع ضغط الدم والبرود الجنسي وغيرها، ويقوم العملاء بشرح الأعراض التي يواجهونها إلى رجل في الأربعينات، بينما توجد زوجته بالجوار للمساعدة في البيع، ومن بين الزبائن صبي مراهق لديه حب شباب، ويقول الشاب "لديّ هذه الحبوب منذ عامين أو ثلاثة ويقول الأطباء إنها بسبب البلوغ، ويجب علي تناول الدواء والتحلي بالصبر ولكني أستعد لامتحان القبول في الجامعة وليس لدي وقت للأطباء"، وأعطاه صاحب المحل مسحوقًا ونصحه بتناوله قبل وجبة الإفطار مع كوب عصير من البرباريس يوميًا وتجنب الطعام الحار، وأضاف صاحب المتجر للشاب "نأمل بأن تتخلص من الحبوب خلال شهرين، وألا تذهب للأطباء والعلاج الكيميائي، وعلى عكس العلاج العشبي فالعلاج الكيميائي لديه الكثير من الآثار الجانبية".
ولا يتجاهل بخاري فعالية الأدوية العشبية لكنه يعتقد أنها يجب أن تكون أدوية تكميلية وعلى ألا تحل محل العلاج الكيميائي، وحذر من أن وصف العلاج العشبي بشكل خاطئ يجعلها مضرة، مضيفًا "الآثار الجانبية للعلاج العشبي محدودة إلا أنها تسبب مشاكل في حالة استخدامها بشكل خاطئ، ومنذ فترة باع عطار غير مرخص نبات الفوة لأحد العملاء بدلًا من القرفة ما أدى إلى التسمم، ولحسن الحظ لم تكن المشكلة خطيرة وتعافى العميل بعد فترة قليلة، وبعدها أغلقنا هذا المتجر".
وبيّن بخاري أنه يجب على جميع متاجر النباتات العشبية إظهار ترخيصهم، مضيفًا "على مدى الأشهر القليلة الماضية قمنا بزيادة عمليات التفتيش للتأكد من ترخيص متاجر النباتات العشبية، إلا أنه لا تزال هناك متاجر غير مرخصة تمارس عملها، ولا يمكننا تعقبها إلا بعد وجود شكوى، ويعد أكبر الضحايا من متاجر الأعشاب غير المرخصة متاجر العطارة المرخصة المهنية والتي تناضل للاحتفاظ بسمعتها وزبائنها".
ويعد متجر حامد ليس الأكثر شهرة في مدينة مشهد لكنه قديم وذات ثقة، حيث يوجد في المتجر شهادة من اتحاد النباتات الطبية معلقة على الجدران، ويضم خلطات من النعناع والكمون والهندباء بشكل منظم على الرفوف، أما الأعشاب التي تفقد رائحتها في الهواء الطلق مثل الزعفران والهيل فتحفظ في أوعية مغلقة، ويقول حامد إن عطارته مصدر ثقة؛ لأنه لا يبيع وصفات مزيفة أو مواد مخدرة، وأن خبرته في العلاج بالأعشاب تفرض عليه تقديم المشورة للمرضى الذين يعانون من حالات خطيرة بالتوجه إلى الطبيب.
وشكا حامد بغض النظر عن المنافسة من أن العملاء في بعض الأحيان لديهم توقعات غير واقعية، مضيفًا "الناس الذين كانوا يستخدمون الأدوية الكيميائية لفترة دون الحصول على النتائج المرجوة ويتحولون إلى العلاج العشبي يتوقعون حل مشاكلهم في فترة قصيرة، إلا أن فترة الشفاء بالأدوية العشبية تستغرق فترة أطول، ومثل غيرها من السلع في إيران يرتفع سعر الأعشاب أيضًا ولكن الناس لا تريد تقبل ذلك".