صنعاء ـ خالد محيي الدين
أكّد الخبير الاقتصادي اليمني، ووزير المال السابق البرفيسور سيف العسلي أنَّ الاحتياط من النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني متدن جدًا، والمشكلة ليست في تراجع النقد الأجنبي، فاحتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي لا يتجاوز خمسة مليارات دولار، جزء منه وديعة من المملكة العربية السعودية.
وأوضح العسلي، في تصريح خاص إلى "العرب اليوم"، أنه "إذا قررت المملكة العربية السعودية أن تسحب هذه الوديعة فإن ذلك سيحدث مشكلة كبيرة في الاقتصاد اليمني"، مشيرًا إلى أنَّ "مدير البنك المركزي اليمني استطاع أن يدير ذلك بحنكة وذكاء، ولكن لا يستطيع الاقتصاد أن يصمد لوقت طويل، لاسيما أنَّ المؤشرات السالبة لا تقف عند هذا الحد، فهناك نقص في عملية الإقراض والودائع ونقص في السيولة".
وأضاف "على الرغم من ما يحدث، فقد عانى الاقتصاد اليمني من مشاكل كبيرة في الأعوام الثلاثة الماضية، ولا يزال صامدًا"، مبرزًا أنَّ "هذا في أدبيات الاقتصاد غير عادي، ويتحتم على خبراء الاقتصاد أن يقوموا بالبحث في هذه الظاهرة بعمق".
وأشار إلى أنَّ "الحكومة في أيّة دولة في العالم هي من تدير الاقتصاد، إذا كانت هذه الحكومة كفوءة، وقادرة على أن تقوم بواجباتها، ولكن عندما تتحول الحكومة إلى عامل معيق، فانهيارها يكون خيرًا من وجودها"، مبيّنًا أنه "لذلك نشأة الدولة ووظائفها وانهيارها تعتبر فائدة موقتة لليمن، ولا يمكن الاعتماد عليها، فالبلد لا يمكن أن يستمر دون دولة،وهذه الدولة كانت عبارة عن سيف مسلط على رقاب الناس، من حيث الرشاوي ورخص البناء والاستيراد والنقاط التي تجمع الأتاوات، لذلك انهارت الدولة، وتنفس المواطن الصعداء، وبدأوا يبنون دون أن تؤذيهم البلدية، ولا أيّة جهة من المتنفذين".
وكشف أنَّ "الحكومة التي لا تعمل أي شيء تستنزف من خيرات الوطن ما لا يقل عن 12 مليار دولار سنويًا، وهذا عبث، لأنها دلت على أنها لا تؤدي المطلوب لأنها موقتة".
وتابع "هذا لا يعني أن نلغي الدولة، ونعيش دونها، ولكن يجب أن نأخذ العبرة من ذلك، لأنَّ الدولة السيئة ضررها أكبر، وهو ما يحصل الآن في اليمن"، لافتًا إلى أنه "ينبغي على اليمنيين بناء الدولة العادلة الكفوءة".
وأردف "الآن الدولة التي كان يخيل لنا على أنها دولة لم تكن دولة، وإنما عقبة، وبالتالي انهيارها لن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد، لأن الاقتصاد ظل يعمل خارج نطاق الدولة".
وأبرز أنَّ "أكبر داعم للاقتصاد هم المغتربون في دول الخليج والعالم، وتحويلاتهم هي من تحرك دواليب الاقتصاد، فعندما تنظر إلى الريف اليمني في إب أو تعز تجد أن هناك نهضة عمرانية ومبان جديدة ومنشآت ومدن تتوسع، والدولة كانت عبر البلديات والجمارك والضرائب والمتنفيذين المسيطرين على أراضي الدولة، معيقة للناس، وأصبح الناس يحلون مشاكلهم بأنفسهم، وهو ما جعل أنصار الله الحوثيين في بعض المناطق يحلون مشاكل الناس أفضل من الدولة".
وحذر من أنَّ "ذلك لا ينبغي أن يكون، وإذا استمر سيعمل على إنشاء دول داخل الدولة، وهذا أمر خطير".
وفي شأن صمود الاقتصاد اليمني، في ضوء العواصف الأمنيّة التي حلّت بالبلاد، أكّد العسلي أنه "يمكن أن يصمد إلى الحد الذي لا تقوم فيه حرب أهلية، فإذا قايمت حرب أهلية، ستؤدي إلى انهيار المجتمع بكل مقوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية".
واستطرد "الحمد لله إلى الآن جنبنا الله سبحانه وتعالى هذه الحرب، وكان من الممكن أن تنطلق من صنعاء، قبل 21 أيلول/سبتمبر 2014، ولكن الله وحده هو الذي نجانا من تلك الكارثة، ويدير الأمور بطريقة لا يفهمها كثير من الناس".
ووصف العسلي حديث المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر بشأن عدم مقدرة الدولة على تسليم رواتب لموظفيها نهاية هذا العام، بأنه "كلام غير دقيق كون المرتبات تدفع لهؤلاء الناس، وهم لا يقومون بأي عمل على الإطلاق، وعوضًا عن أن نفكر كيف ندفع مرتبات الموظفين، يجب أن نفكر كيف تقوم الدولة بتحملها، وكيف يمارس هؤلاء الموظفين عملهم، لأنّ الدولة لن تستمر كثيرًا بدفع رواتب لأناس عاطلين عن العمل، فالشرطة غير موجودة، والجيش غير موجود، وموظفي الدولة والقضاء غير موجودين، إذاً المشكلة ليست في دخل المرتبات نفسها ولكن المشكلة في كيف نقيم دواليب الدولة من جديد، والتي وصلت إلى الانهيار الشامل".
أشار إلى أنه "اليوم نرى أن هناك توسعًا للجان الشعبية، سوءًا من أنصار الله أو من الحراك الجنوبي، وهم يضيفون أعباء كثيرة على دولة منهارة، بإمكان الجيش والأمن أن يقوما بدورهما فما الذي يقوم به هؤلاء".
واعتبر أنّ "بن عمر كان نذير شؤم على اليمن، فهو عشق هادي، وهادي عشقه، لأنهما من الفكر الاشتراكي، وهما ضعيفان، وكانا مسجونان ومهمشان، والطيور على أشكالها تقع، وجاء بن عمر للدفاع عن الرئيس هادي الضعيف، الذي تسبب في انهيار الدولة وإسقاطها، ولم يستطع أن يبنيها، فيما يغرد جمال بن عمر خارج السرب، ونسي اليمن واليمنيين، ومهمته، وأصبح يدور في فلك هادي".
وأوضح "ما قصده بن عمر ويقصده هو كيف نوفر المال لهادي كي يلعب بالمال كيفما يشاء، ويشتري به ما يريد من الولاءات، هذا هو الدافع لكلام بن عمر، والغرض أيضًا هو وراء إجراء تلك الجرعة الاقتصادية الغبية، لأنّ السعودية قامت بالتبرع لليمن بمشتقات نفطية لمدة شهرين، وحاول جمال بن عمر وهادي أن يبيعوها بسعر أعلى من سعر الدولة، فكان الأولى أن يبيعها بالسعر العادي، ويحل مشكلة المشتقات النفطية، ويتم مناقشة عملية للجرعة، وأن تكون في نطاقها الصحيح، دون أن يدخل اليمن في تلك المحنة، وكان يعتقد أنه سيحصل على 600 مليار من الدعم".
وبيّن أنّ "ما قاله بن عمر غير صحيح، وغير دقيق، لأن هذا ما يظهر في الموازنة وكأنه دعم في الحقيقة ليس سوى ديون لدى مؤسسات أخرى، وما يمكن أن يتوفر هو ما بين 100 إلى 150 مليار، فيما تساء إدارة المنحة، بغية الحصول على 600 مليار دولار ليتم تبديدها عبر الفساد".
وعن بقاء سعر صرف الدولار كما هو منذ 4 أعوام، وعدم انهيار الصرف كل هذه المدة، على الرغم من ما مرت به اليمن من أحداث عصفت بالاستثمار والاقتصاد، أبرز العسلي أنَّ "ما جعل الصرف يبقى على هو عليه هو الموقف القوي والشجاع لمحافظ البنك المركزي اليمني، إضافة إلى تدفق تحويلات المغتربين، فمحافظ البنك المركزي اليمني منع من التصرف بأموال كثيرة، وبالتالي كان من الممكن أن ينهار الريال اليمني وهذا أدى إلى إيجاد الثقة لدى المواطن، مما جعل تحويلات المغتربين تنساب بسهولة، وتعوض عن العجز، ولكن ما لم يتم تغيير هذه الحكومة وسياسة هادي والبذخ فإنه من الممكن أن يؤدي إلى انهيار كامل للريال وانهيار للاقتصاد".
وفي شأن توقف الاستثمار، وهروب المستثمرين من اليمن، أشار العسلي إلى أنَّ "المستثمرين الكبار هربوا، وأما المستثمرين الصغار، الذين يبنون بيوتًا ويقيمون حفلات الزواج بتحويلات من أقاربهم، هذا لم يتوقف، والدليل على ذلك أنّ هناك توسعًا عمرانيًا في القرى والمدن، وهذا هو العامل الذي حافظ على اليمن واقتصاده، وعبر هذا ترى أنَّ اليمن استطاع أن يمول وارداته من السلع والخدمات، فصغار المستثمرين والمغتربين في الخارج هم الشريان الذي يمد الاقتصاد اليمني، عبر قنوات غير رسمية، بالتعافي والاستمرار".
ووجه العسلي رسالة إلى المملكة العربية السعودية، داعيًا إياها إلى "عدم الإصغاء لما يقوله (المنجمون) من علي محسن الأحمر والإخوان المسلمين، الذين يصورون الوضع في اليمن على أنه كارثة لليمنيين، وللمملكة"، معتبرًا أنه على المملكة أن تتعايش مع المذهب الزيدي، كما تعايشت معه منذ عقود طويلة، ولديهم خبرات، وبالتالي لا داعي للخوف غير المبرر من الزيود أو أنصار الله لأنهم يطالبون بالمشاركة السياسية، فأنصار الله لا يستطيعون أن يحكموا اليمن بمفردهم"، مشيرًا إلى أنه "كما كانت السعودية تتمتع بالحكمة والحنكة في التعامل مع الأعداء بطريقة سليمة، دون تشنج، فعليهم أن يتعاملوا مع أنصار الله بهذه الطريقة".