مسيرات العودة الفلسطينية

خالفت جمعة "الحسم والاختبار"، كما أطلق عليها الإعلام العبري، كل التوقعات، فالجميع كان ينتظر اشتعال الحدود، وعودة البالونات الحارقة وقص السلك، وبخاصة بعد بيان الهيئة الوطنية لمسيرات العودة الأول الذي أكدت فيه أن "لغة التصعيد ستكون اللغة المناسبة للرد على خروقات وسياسات الاحتلال"، بالإضافة إلى إنذار حركة "حماس" النهائي للاحتلال عبر مصر، والذي قالت فيه "إذا لم تدخل الأموال القطرية لغزة سيكون هناك تدهورات على الأرض". 

هذا الأمر تغيّر تماما أمس وأول أمس، فالهيئة الوطنية لمسيرات العودة أصدرت بيانا أقل حِدة، من الأول تؤكد فيه على "أنها ستفوّت الفرصة على الاحتلال واتخذت تدابير لتقليل الخسائر بصفوف المشاركين في المسيرات"، فيما استمرت حركة حماس بالصمت، ليمر يوم الجمعة بنشاط أشبه ما يكون هادئا على الحدود، وخسارات بشرية متدنية مقارنة بالأسابيع السابقة، وهو الأمر الذي يستدعي التساؤل بشأن نجاح السفير القطري محمد العمادي، صاحب المقولة الشهيرة "نبغي هدوء"، في وضع ما يمكن أن نطلق عليها "خطوط حمراء" لفرض الهدوء كشرط أساسي لإدخال المنحة القطرية المتأخرة.

وفي محاولة لربط الخيوط المبعثرة، كانت وزارة المال في غزة قد أعلنت أنها لا تستطيع صرف رواتب الموظفين لشهر سبتمبر/أيلول، نظرا لأن الإيرادات لا تكفي، وبعد يومين فقط عادت وصرفت 40% من رواتب موظفيها غير المستفيدين من المنحة، فيما ستكمل لهم في حال دخول المنحة القطرية، فهذا –وفقا لمراقبين- مؤشرا على أنها تلقت وعودات بإدخالها قريبا، في حال ضُبطت الحدود وحافظت على الهدوء. 

وأمام هذه النتائج الهادئة، لجمعة "الوحدة طريق الانتصار وإفشال المؤامرات" يؤكد مراقبون، أن السفير القطري كان له التأثير الأكبر في هذه النتيجة، فيما يرى آخرون أن الهدوء هو قرار فلسطيني بحت للحفاظ على الأرواح واستمرار المسيرات بالزخم الكبير. 

الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، يرى أن السفير القطري قد وضع من قبل خطوطا حمراء لاستمرار تدفق الأموال القطرية للقطاع، كما أن الوفد المصري الذي زار القطاع مؤخرا ألح على الفصائل التي اجتمع بها أن تضبط الأمور شرق القطاع لأن هناك أكثر من قضية تحتاج إلى معالجة. 

ويقول عوكل "الفصائل تعطي فرصة لمعالجة هذه القضايا سواء معبر رفح أو ملف المصالحة الذي ترعاه مصر، وليس انتهاء بالأموال القطرية، والفصائل حاولت أن تلتزم بالتفاهمات المصرية القطرية حتى يتمكن هؤلاء من معالجة هذه القضايا". 

أقرا أيضًا: بنيامين نتنياهو يُعلن تحطيم الاحتلال سلاحًا قويًا لـ"حزب الله"

وعلى الرغم من أن الفصائل قد هددت سابقا بتصعيد الأمور، إلا أنه –وفقا لعوكل- فإن التهديد كان مفتوحا، وهي الآن تعطي فرصة لإلزام الاحتلال بتنفيذ التفاهمات التي تمت لتخفيف الحصار، مبينا أن الفصائل ليست في وارد أن تعطي مبررات للاحتلال وغيره للاستمرار في التضييق على الفلسطينيين. 

أما الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو، فيرى أن الهدوء على حدود قطاع غزة كان قرارا فلسطينيا بحتا وليس ناجما عن خوف فلسطيني أو مرتبط بالمنحة القطرية والمساعدات الإنسانية التي حاولت إسرائيل كثيرا ربطه بها، فقال "سمعنا أصواتا فلسطينية قبل أيام تطالب الجمهور الفلسطيني بضبط النفس والحفاظ على الأرواح وعدم إعطاء الفرصة للاحتلال للتوغل بدماء الشعب الفلسطيني لحسابات انتخابية إسرائيلية".

وأشار إلى أن استمرار مسيرات العودة بهذا الزخم هو لإيصال رسالة لكل الضاغطين سواء مصر أو قطر بأن قضيتنا لا تتعلق بالأموال إنما بقضية شعب يحاول الحصول على أبسط حقوقه، مبينا أن إسرائيل كثيرا حاولت ربط الأموال والمساعدات بالهدوء على الحدود إلا أن مسيرات العودة بطابعها السلمي والزخم الكبير لها يعمل بشكل مضاد لهذه الفرضية. 

وعلى الرغم من كل الجدل الذي صدر عن الاجتماعات الأمنية لحكومة الاحتلال قبل الجمعة، وما أعقبها من مظاهر فعلية حازمة كتعزيز القوات العسكرية على الحدود، إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلي، واصلت تناول أخبار المنحة القطرية، فيما لا يبدو، أن هنالك خبرا واضحا وصريحا، حول موعد إدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة، خلال الأسبوع المقبل، حيث قالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) إن الحكومة الإسرائيلية، ستعمل على نقل أموال المنحة القطرية إلى موظفي غزة، خلال الأيام المقبلة، غير أن مصادر مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وفق ما نقل موقع (حدشوت 24)، أكدت أن نتنياهو سيواصل تجميد إدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة، خلال الأسبوع. 

يأتي ذلك، بعد أن بقي مصير تحويل مبلغ الـ15 مليون دولار، "هي منحة الشهر الثالث من أصل ثلاثة شهور، ليس معلومًا"، حيث قالت حركة حماس: إن حكومة نتنياهو، تُماطل في ادخال المنحة المالية، بينما قال عدد نواب الكنيست الإسرائيلي، إن حكومة نتنياهو لن تُرسل الأموال. 

ويشارك الفلسطينيون منذ الـ 30 من مارس/آذار الماضي في مسيرات سلمية، قرب السياج بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، للمطالبة بعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هُجروا منها في 1948 وكسر الحصار عن قطاع غزة، فيما أدى قمع الاحتلال الدموي للمشاركين في مسيرات العودة لارتقاء أكثر من 244 شهيدًا، وإصابة نحو 26 ألف فلسطيني بجراح مختلفة.

قد يهمك أيضاً :

تعرّف على حجم ثروة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

الادعاء العام الإسرائيلي بصدد توجيه تهمة الفساد لـ"نتنياهو" رسميًا