غزة ـ العرب اليوم
تكرّر كلّ أم حُرمت من مرافقة طفلها للعلاج في مستشفيات الضفة والداخل المحتل، جملة واحدة، ”أبكي بحرقة لعدم مرافقتي له”، وذلك لعدم منحها تصريح يسمح لها بمرافقته لأسباب أمنية يدعيها الاحتلال، فيما يضطر آلاف من الحالات التي تذهب للعلاج من بينهم أطفال رضع لمرافقة جدهم أو جدتهم، بدلًا من أمهاتهم اللاتي أجبرن على الاستسلام للوضع الراهن.
وحرمت الطفلة يسرا أبو سحلول (12عامًا)، من رفقة والدتها لها للعلاج في الخارج فهي تحتاج الى تركيب طرف صناعي كل فترة ما يقارب عام، فهي مريضة سرطان وعلى إثر هذا المرض بثرت قدمها اليمنى ولا تستطيع الحركة بدون طرف صناعي، وفي كل مرة كانت تخرج والدتها معها للعلاج ولكن هذه المرة لم يتم الموافقة لها بل لطفلتها فقط.
وقالت والدتها إنّها "منذ بداية علاج ابنتي وأنا أرافقها ومكثنا سنة كاملة في مستشفى بالداخل المحتل ” تل شومير” ولم نعود إلى غزة خوفًا من عدم إرجاعنا للمستشفى، ولكن بعد انتهاء فترة العلاج نجبر على تغيير الطرف كل سنة تقريباً، لأن جسم يسرا يتغير ويكبر وهي تحتاج لتغيير الطرف، وتتكرر المشاكل في منح التصاريح”، وأضافت "ذات مرة منعنا من السفر سنة كاملة، وكان الأمر صعب عليها بدون طرف، ففي ذلك العام لم تذهب إلى المدرسة بسبب الطرف الصناعية وبدونه لا تخرج من المنزل أبداً، فان قلة الحركة تؤثر عليها، كما أن حرمانها من المدرسة صعب جداً”.
وتابعت والدة يسرا، “سوف يبقى قلبي مشغول على ابنتي طوال فترة غيابها، لن أستطيع النوم، أنا رفيقتها في كل دقيقة ومع كل نفس يخرج منها، كيف سيغمض لي جفن وابنتي بعيدة عني لا أعلم أي ظلم هذا، أجبرت على الموافقة بأن تسافر وحدها، لأنها بحاجة شديدة لتركيب الطرف، فأنا لا أحب أن أراها في المنزل لا تذهب الى المدرسة، ففقدانها لرجلها اليمنى حرمها من التعليم بعد أن كانت طالبة مجتهدة ومشاكلنا مع تركيب الطرف لا تنتهي، لهذا فان أي فرصة لتركيب الطرف وإن كانت بدوني سأوافق عليها حتى تنتهي معاناة ابنتي، هذه المعاناة تتكرر كلّ عام مع موعد تغيير الطرف الصناعي لها”.
وذهبت يسرا لمرة واحدة إلى سلوفاكيا مع والدتها من أجل تركيب طرف صناعي ومن ثم في السنة الثانية إلى بيت لحم، وهي متعودة على مرافقة والدتها لها، ولكن هذه المرة سوف تسافر يسرا لوحدها لمدة قد تستغرق شهرين إلى حين الانتهاء من تركيبه، وفقًا لعائلتها.
و يسرا هي الأخرى، أرهقها السفر بدون والدتها، حيث قالت “مذ كنتُ بعمر الثامنة، ووالدتي ترافقني في مرحلة علاجي، وتساعدني على المشي والتعود على الطرف الصناعي الجديد كي أستطيع المشي به، ولكن هذه المرة الاحتلال لا يريد أن تكون والدتي معي لهذا سوف أسافر لوحدي من الأطفال الآخرين والذين بعضهم ترافقهم أمهاتهم، وانا سوف أسافر إلى سلوفاكيا الدولة البعيدة بدون والدتي”، ولم تكن يسرا وحدها في المعاناة، فوالدة الطفلة جوري أبو ظاهر( ثلاثة شهور) حُرمت كذلك من مرافقة ابنتها التي تعاني من تضخم في الكبد والطحال، وهي تحتاج لوالدتها كثيرا كونها طفلة وتحتاج رعاية خاصة، إلا أن الاحتلال حال دون مرافقة والدتها لها بحجة عمرها البالغ (23عامًا).
وأكّدت والدة خلود أبو ظاهر، أنّه “في كل مرة تبعد طفلتي عني أبكي بحرقة شديدة ولا أستطيع الراحة للحظة واحدة، لماذا يمنعني الاحتلال من مرافقتها وهي تحتاجني كونها رضيعة، أشعر بقهرٍ شديدٍ في قلبي، ولكننا مجبورون على قبول هذا الواقع، والقبول بسفرها مع جدتها يخفف الألم قليلاً كونها ذاهبة للعلاج، ولكن الأم لا غنى عنها مع رضيعها، ابنتي منذ ولادتها وهي بعيدة عني مكثت في الحضانة عشرين يومًا ومن ثم في غرفة العلاج 10 أيام، وها هي سوف تذهب للعلاج بعيدة عني، أتمنى أن يتوقف قرار الاحتلال بمنع الأمهات من السفر مع أطفالهن، نحن لا نريد أن نذهب لشيء، وليس هناك خطر نشكله، نريد أن نكون مع أطفالنا المرضى”.
وأوضحت فاطمة الأسطل (54عامًا) جدة الطفل يوسف الأسطل البالغ من العمر “عشرة أشهر”، وهو مريض بسرطان الدم، ترافقه دائمًا للعلاج، ولكنها تؤيد مرافقة الأم لأطفالها، أنّه "في كلّ مرة نذهب بها إلى مستشفى المقاصد نرى أطفال بدون أمهاتهم، أحزن بشكل كبير عليهم، فهناك أطفال رضع بحاجة لأمهاتهم وعندما يأتي المنع لكلا الوالدين يكون الأمر صعب جداً ووالدة حفيدي عمرها ثلاثين عاماً ولكنها مرفوضة من السفر، وفي المرة الماضية رأيت طفل بعمر العامين يرافقه جده والاحتلال رفض كلا الوالدين ولم يعرف الجد كيف يتصرف مع حفيده المريض فكان الأمر محزن جدًا، لا يوجد بعد الأم ولا أحد يستطيع أن يكون بديل عن الأم خاصة في مرحلة علاج الأطفال فهم بحاجة لأمهاتهم أكثر من أي شخص آخر، نتمنى أن تنتهي هذه المعاناة وأن يتفهموا بأن العلاج والمرض “حالة استثنائية”.
وأشار مدير دائرة التنسيق في وزارة الصحة رفعت محيسن، إلى أن “الفحص الأمني الذي يستغرق وقتًا طويلًا قد يصل إلى شهر هو أحد الاسباب التي تمنع الأمهات من مرافقة أطفالهم، بالإضافة إلى عمر الأمهات والذي يرفضه الاحتلال إذا كان ما بين 16-45 عاماً فهناك إجراءات أمنية لديهم تؤدي إلى رفض الأمهات ومرافقة أي شخص آخر للأطفال”.
وأضاف محيسن، أنّ “الأمر صعب ومحزن علينا قبل أن يكون على الأمهات، ولكن هذه سياسة الاحتلال فان الفحص الأمني الذي يأخذ وقت طويل قد يؤثر على الطفل المريض ونحن نبقى بين خيارين وهما مرافقة أحد آخر لهم مثل عمته أو جدته والتي لا تستغرق يومين فحص أمني، أو التحاق الأم بالطفل بعد انتهاء فحصها الأمني وهذا الأمر الاحتلال متمسك فيه وليس لديه استثناءات مع حالات المرضى”.