كاميرا تفضح جرائم الاحتلال

كان كابوسًا بالنسبة لهيثم الخطيب ما رآه منذ 14 سنة، لازال المشهد يتكرر أمام عينيه من وقت لآخر، حين رأى الجرافات الإسرائيلية تقتلع أشجار الزيتون في قريته بلعين في رام الله و شاهد الخطيب كيف وثّقت الصورة ما يحدث داخل قريته، منذ ذلك الوقت صار الخطيب يقوم بكل الأشياء التي تُمكّنه من الدفاع عن وطنها، أولها كان التصوير، وثانيها كان صنع المجسمات.

 يُوقن الخطيب بجملة "الفن مقاومة "، لذا حينما صادف منذ فترة أحد المجسمات لفنان فلسطيني مصنوعة من الألومنيوم "كانت عبارة عن عربة لمعاق من دون رجلين، أحد الذين استشهدوا في المظاهرات"، قرر المصور الفلسطيني تكرار التجربة لكن بتوظيف جديد، حيث استعمل مادة النحاس، ليُنتج عدد من المجسمات تُظهر القضية الفلسطنية، وما يستجد فيها من أحداث، كان أبرزها استشهاد القعيد ابراهيم أبو ثريا، وفادي أبو صلاح، على خلفية مظاهرات مسيرة العودة الكبرى.

ينشر الخطيب صورة المُجسّمات على صفحته في "فيسبوك"، لم يكتَفِ بصنع أشكال لأحدث الشهداء، لكنه ذكّر الناس بأيقونات معروفة في القضية الفلسطينية، لم ينس الخطيب أثر فارس عودة، الصبي الذي لم يُكمل عامه الخامس العشر بعد، حيث استُشهد أثناء مواجهات مع الإسرائيليين بعد شهر من بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، أما محمد الدرة الذي استشهد في حضن أبيه الدافئ، ذاك المشهد الذي ألجم ألسنة العالم في اليوم الثاني من اندلاع الانتفاضة، لم ينسه الخطيب أيضًا "الكِل شعر  إنو الدرة ابنه ومش قادر يحميه".

دخلت فلسطين أسبوعها العاشر من مسيرات العودة الكبرى، ومازال الشهداء يتساقطون إلى الآن، كان آخرهم المسعفة رزان النجار في قطاع غزة، وقد بدأت المسيرات في 30 من مارس/آذار الماضي، قتل خلالها 123 فلسطينيًا على الأقل، ويُذكر أن مسيرات العودة للتأكيد على حق الفلسطنيين في الرجوع إلى وطنهم.

و بدأ الخطيب في نشر صور المُجسمات ولم يكن  يتوقع ردود فعل قوية ,لكنه وجد انتشارًا كبيرًا، وتشجيعات من رواد "فيسبوك"، وآخرون من حوله في قريته بلعين.

 ويضطر الخطيب لصنع المجسمات  لشراء كابلات كهرباء المنازل  "لاستخراج النحاس"، حيث تُكلّف ربطة النحاس الواحدة 20 دولار، يصنع منها مجسمين إلى ثلاث.

وكان على مدار السنين التي عاشها الخطيب في فلسطين، ضاقت نفسه بما يحدث  ,فكل يوم توجد مأساة حقيقية بنعيشها"، وتعتبر المسيرات الأخيرة احتجاجًا لسنوات من الاحتلال والقهر، يرى الخطيب أنها فرصة لمناضلة الفلسطنيين من أجل العودة لأراضيهم المسلوبة "غالبية الفلسطنيين الذين يسكنون في الضفة وغزة هم المهجرون قصرًا من أراضيهم عام 1948".

يسعى الخطيب من خلال التصوير للمقاومة، والسعي لـ"فضح الاحتلال"، مرّ المصور الفلسطيني بالكثير من اللحظات المأساوية، كان أولها اصابته برصاصة معدنية في الرأس أحدثت كسرًا، والتعرض للاعتقال والتوقيف في أحيان كثيرة، لكن أصعب ما عايشه الخطيب، ويُخلّف مرارة في حلقه، كلما تذكّر منعه من دخول المستشفيات الإسرائيلية التي يُعالج فيها ابنه "ابني الله يرحمه تلقى العلاج هناك لأنو سرطان الدم ما إلو علاج في المستشفيات الفلسطينية"، وقتها لعن الخطيب الكاميرا.

يحتفظ الخطيب بكل المجسمات التي صنعها، يُفكّر في إقامة معرض  لهم بالخارج "بس صعب إني أخرّجهم برة"، قام المصور الفلسطيني بعرض صوره في كثير من بلدان أوروبا "بس تخريج الصورة أسهل من المجسم، راح يخضعوا للتفتيش على معابر فلسطين، وأكيد راح يتم مصادرتها"، وبالرغم من كل تلك المأساوية إلا أن الخطيب تراوده تلك الفكرة من وقت لآخر "احنا بنعرف شو بيصير في فلسطين بس ناس كتير ما بيعرفوا".