منظمة يونيسكو

تتكثف الاتصالات بين مندوبي الدول العربية لدى المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو"، قبل أربعة أيام فقط من انطلاق معركة انتخاب المدير أو المديرة العام الجديد لولاية من أربع سنوات خلفا للبلغارية إيرينا بوكوفا التي قضت على رأس إحدى أهم منظمات الأمم المتحدة ثماني سنوات.

وعقد بعد ظهر أمس الأربعاء اجتماع ضم مندوبي المجموعة العربية التي يرأسها سفير لبنان لدى اليونيسكو الدكتور خليل كرم من أجل البحث في إمكانية اعتماد مدونة سلوك للتعاطي مع الانتخابات في ظل تمسك البلدان العربية الأربعة لبنان ومصر وقطر والعراق بالسير في المعركة الانتخابية. ومن جملة الأفكار المطروحة قيد البحث انسحاب المرشحين الأقل حظا ليس في بداية العملية الانتخابية التي يمكن أن تصل دوراتها إلى خمس، بل بعد الدورة الأولى أو الثانية لصالح المرشح الأوفر حظا. ولا يستطيع المجلس الذهاب إلى أبعد من الدورة الخامسة التي يتنافس فيها المرشحان اللذان احتلا المرتبتين الأولى والثانية في الدورة الرابعة. بيد أن المعلومات المتوفرة لا تبشر بحصول تفاهم على المدونة المذكورة، لا بل إن الغموض ما زال سيد الموقف.

والمؤكد أن الدول العربية المعنية سوف تنتظر نتائج الدورة الأولى وربما الثانية لاتخاذ قرار بالبقاء في المنافسة أو الانسحاب. وليس مستبعدا أن يطيح تعدد الترشيحات والتنافس بحظوظ العرب في الوصول إلى إدارة اليونيسكو وهم لم يصلوا إليها قط علما بأن هناك شبه توافق على أن دورهم قد حان هذه المرة.

وحقيقة الأمر أن هذه الانتخابات تجري في ظل ضبابية كاملة. ومن الصعوبة بمكان اليوم تكوين صورة عن ميزان القوى وترتيب المرشحين والمرشحات الثمانية ومن بينهم اثنان ينتميان إلى دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن الدولي فرنسا والصين وكل منهما ستجد نفسها في وضع بالغ الحرج إن لم تنجح بالفوز برئاسة المنظمة التي تتخذ باريس مقرا لها منذ تأسيسها. وتعود للمجلس التنفيذي المشكل من 58 عضوا بينهم سبعة أعضاء عرب "مصر ولبنان وقطر والسودان والجزائر والمغرب وعمان" مهمة انتخاب المدير الجديد، في حين تعود مهمة تثبيته للجمعية العامة المفترض أن تنعقد في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وتفيد تسريبات سفراء عرب وغير عرب في اليونيسكو بأن المرشح الصيني كيان تانغ يحتل حتى اليوم المرتبة الأولى تليه في الترتيب مرشحتا فرنسا أودري أزولاي ومصر مشيرة خطاب فيما يحل بعدهما وبالتوازي مرشحة لبنان فيرا خوري لاكويه ومرشح قطر حمد بن عبد العزيز الكواري. ويعتمد هذا الترتيب على وعود انتخابية قدمت للمرشحين. لكن المعضلة تكمن في أن الانتخاب سري وأن المندوبين يمكن أن يغيروا آراءهم وألا يتقيدوا بتعليمات دولهم لأكثر من سبب. والثابت أن أعضاء المجلس التنفيذي يخضعون إما لضغوطات أو إغراءات. ولذا فقد تكاثرت الوعود ومعها دعوات العشاء والغداء إلى المطاعم الفاخرة في باريس في الأيام الأخيرة.

وقال سفير دولة عربية لـ"الشرق الأوسط" إن زميلا له عضوا في المجلس التنفيذي أبلغه أنه وعد بإعطاء صوته لأربعة مرشحين. ويبدو أن المجموعة الأفريقية هي الأكثر تعرضا للضغوط لأنها من جهة الأكبر "16 عضوا بمن فيهم الأربعة العرب الأفارقة"، ومن جهة ثانية لكونها الأضعف بسبب حاجات بلدانها للدعم والمساندة الدوليتين في عملية التنمية التي تعيشها. ورغم أن المرشحة المصرية مشيرة خطاب حاصلة على دعم المجموعة الأفريقية رسميا، فإن هناك مجموعة قريبة من فرنسا وهي بلدان أفريقيا الفرانكفونية والمرجح أن تقترع لصالح المرشحة الفرنسية وزيرة الثقافة السابقة أودري أزولاي. كذلك هناك مجموعة ثالثة داعمة للمرشح الصيني بسبب حضور بكين الاقتصادي والتجاري التنموي المتزايد في العواصم الأفريقية. أما البلدان الأفريقية الناطقة بالإنجليزية، فإنها تتأثر بالضغوط الأميركية بالدرجة الأولى. وحتى الآن، لم تعلن واشنطن عن تبنيها لمرشح محدد إنما هي تطالب بمرشح قادر على إجراء إصلاحات داخل المنظمة التي تمتنع عن دفع المتوجب عليها من التمويل منذ أن قبلت اليونيسكو فلسطين دولة عضوا فيها.

وبعيدا عن هذه الدولة أو تلك، فإن أصواتا داخل اليونيسكو تطالب بمرشح قوي قادر على إبعاد اليونيسكو عن التسييس. وليس سرا أن كل مشروع قرار يتناول مثلا الشرق الأوسط وتحديدا الملف الفلسطيني يحدث انقساما عموديا داخل هيئات اليونيسكو. ولذا، فإن الدول المؤثرة وعلى رأسها الدول الكبرى تعرض دفتر شروط لدعم هذا المرشح أو ذاك. وكثير من المندوبين ينتظرون وصول مدير عام جديد يكون قادرا على استعادة التمويل الأميركي الذي كان يوفر ربع ميزانية اليونيسكو. وبعد توقف واشنطن عن دفع مساهماتها المالية، تحولت البلدان الأوروبية إلى المساهم الأول مع 40 في المائة من الميزانية العامة، لكن تتعين الإشارة إلى أن البلدان العربية وعلى رأسها السعودية قدمت مساهمات مالية أساسية ساعدت اليونيسكو على الاستمرار في تنفيذ المشروعات الأساسية. ولا بد من الإشارة إلى أن مسؤولين من داخل اليونيسكو يهمسون بوجود إهدارات مالية وأعباء يمكن التخلص منها من غير أن تؤثر على أدائها.