الجزائر – ربيعة خريس
مر قرابة عام ونصف على دخول التعديل الدستوري الأخير في الجزائر حيز التنفيذ, ولازالت المعارضة البرلمانية في مكانها رغم التنازلات والصلاحيات الجديدة التي منحها لها.
وبموجب الدستور الجزائري الجديد، المعدل في 16 مارس / آذار 2016, أصبح بإمكان المعارضة البرلمانية اقتراح جدول أعمال خلال جلسة شهرية على مستوى كل غرفة, وبإمكانها أيضا إخطار المجلس الدستوري بالقوانين المصادق عليها من قبل البرلمان، فضلاً عن تشكيل لجان تحقيق وبعثات إعلامية والحصول على التقارير الخاصة بالمحاسبة. وتستفيد المعارضة في ذات الإطار من حق المرور عبر وسائل الإعلام وفقًا لتمثليها على المستوى الوطني، و من تمويل عمومي وفق تمثيلها في البرلمان.
ورغم كل هذه التنازلات، لازالت المعارضة في البرلمان الجزائري عاجزة عن ممارسة صلاحياتها الكاملة, ولازالت هذه الصلاحيات في نظرها "مجرد حبر على ورق", بسبب التأخر في مناقشة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية في البرلمان), وترتب عن هذا التعطيل الكثير من التجاوزات أبرزها الغياب الدائم للنواب عن الجلسات العامة، المخصصة لمناقشة مشاريع القوانين والمصادقة عليها، وهو ما أثار غضب الرئاسة, حيث يناقش وزراء في الحكومة عادة مشاريع قوانين مهمة أمام مقاعد شاغرة تحت قبة البرلمان الجزائري.
وتصاعدت حدة الانتقادات الموجهة إلى ممثلي الشعب في الهيئة التشريعية، من قبل الصحافة المحلية، منذ إقرار زيادات كبيرة في الأجور والمنح والعلاوات، إضافة إلى الامتيازات التي استفادوا منها في نهاية 2008، أي قبيل تعديل دستور البلاد.
وفي مقال مطول نشره رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم, المحسوبة على التيار الإسلامي في البلاد، ناصر حمدادوش, قال إن الاعتراف الدستوري بالوجود المؤسسي للمعارضة لا يكفي لأداء هذه الأدوار, واستدل بالمبادرات التشريعية للنواب التي تقابل بالرفض من قبل مكتب المجلس، أو باعتراض من الحكومة التي اعتبرها صاحبة "فيتو" في فرض الأولوية في جدول أعمال البرلمان الجزائري, كالمادة 139 من الدستور الجديد، التي تنص على أنّه لا يُقبل اقتراحُ أيّ قانونٍ مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العامة أو زيادة النفقات، إلا إذا كان مرفوقًا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة, إضافة إلى تهميش الأدوات الرقابية الأخرى كلجان التحقيق أو استجواب الحكومة أو التفاعل الآني مع الأسئلة الموجّهة إلى أعضاء الحكومة.
وأوضح رئيس الكتلة البرلمانية لمجتمع السلم أن كل هذه التجاوزات تطعن في البناء المؤسسي للبلاد، ويوقف تطوّر الدور البرلماني وقيمته الاعتبارية، ويمسّ بمبدأ الفصل والتوازن بين السّلطات، ويفقده الحقّ في ممارستة السّلطة على الحكومة، حتى يصبح مجرد فضاء للتسجيل، لا مصدرًا للممارسة والمبادرة التمثيلية والتشريعية والرّقابية.
واقترح حمدادوش تفعيل كل الصلاحيات الحقيقة للبرلمان الجزائري عمومًا والمعارضة البرلمانية خصوصًا، بما يضمنه الدستور من العهدة الوطنية والتفرغ الكلي لها, والتمتع أيضًا بالحصانة البرلمانية وشرعية تمثيل الشعب وإيجاد أدوات للمتابعة والمحاسبة الحزبية والمجتمعية لأداءات النواب، وخصوصًا نواب المعارضة الذين يحوزون على شرف التمثيل الديمقراطي الحقيقي للشّعب، من أجل التطوير وليس الصّراع.