دمشق - العرب اليوم
رغم فقدان تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) الكثير من مناطقه ومعاقله في سورية، فإن آفاق السلام في هذا البلد الذي أنهكته الحرب لا تزال بعيدة، إذ أن الصراع الدولي بين القوى الكبرى والإقليمية على أرض سورية أصبح أكثر وضوحا من أي وقت مضى.
وأشار محللون سياسيون في سوريا إلى أن تفاؤلا مشوب بالحذر ساد بين الناس في سوريا إزاء احتمال قرب انتهاء حرب طال أمدها بعد دحر "داعش" أواخر العام الماضي، بيد أنه اتضح أن الوضع أكثر تعقيدا من مجرد هزيمة مجموعة إرهابية لإنهاء أزمة ستدخل عامها الثامن الشهر المقبل.
ويبدو أن الحرب في سوريا لم تعد تقتصر على صراع كلاسيكي بين المعارضة والحكومة، حيث أصبح الصراع بين لاعبين إقليميين ودوليين فى البلد أكثر وضوحا.
ويتجلى هذا الصراع على أوسع نطاق في شمال سوريا بين تركيا والولايات المتحدة، وفي جنوب سوريا بين إسرائيل والقوات المتحالفة مع سوريا .
في الشمال، ازداد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، الحليفتين ضمن "الناتو"، بسبب دعم الولايات المتحدة لـ "وحدات حماية الشعب" الكردية وحلفائها من "قوات سوريا الديمقراطية"، فيما تعتبر تركيا القوات الكردية في شمال سوريا إرهابية بسبب صلاتها المزعومة بحزب العمال الكردستاني.
وشنت تركيا هجوما واسع النطاق على منطقة عفرين، التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا منذ نحو شهر تقريبا، كما ذكرت أنقرة أنها تريد شن هجوم على منبج، وهي منطقة أخرى يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا، بيد أن للولايات المتحدة وجود فيها.
وقال قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتل، في 29 يناير الماضي، إن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من منبج رغم التهديد التركي بشن عملية عسكرية ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تدعمها الولايات المتحدة.
وتقول تقارير إن الولايات المتحدة لديها حوالي ألفي جندي منتشرين في شمالي سوريا.
وقال المحلل السياسي، ماهر إحسان، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا لن يتطور بالتأكيد إلى حرب أو مواجهة عسكرية، ولكنه سيقوض بالتأكيد الجهود الرامية إلى حل الأزمة السورية".
وفي يوم الجمعة الماضية، اجتمع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مع نظيره التركي مولود تشاويش أوغلو في أنقرة في محاولة لنزع فتيل التوتر بين البلدين.
وقال تيلرسون "إننا نقف جنبا إلى جنب مع تركيا ضد التهديدات الإرهابية ونحيي شراكتنا مع تركيا"، وأكد عقب محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن مجموعة عمل لمعالجة الخلافات سيجتمع في منتصف مارس المقبل.
ولكن رغم الجهود المبذولة لتجنب الانهيار التام للعلاقات بسبب القضية الكردية، فإن مصالحهما متضاربة في سوريا، ويبدو أن كل منهما لا يرغب في التراجع.
وقد دأبت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على دعم قوات سوريا الديمقراطية في معاركها شمالي سوريا، حيث أثبتت هذه المجموعة ووحدات حماية الشعب بأنها حليفتان يعول عليهما بالنسبة لواشنطن، على الأقل في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال إحسان إنه "سيكون من الصعب على الولايات المتحدة وقف دعمها أو تحالفها مع الأكراد في تلك المنطقة لأن الولايات المتحدة قد أقامت بالفعل مواقعا عسكرية هناك ولا يبدو أنها مستعدة لمغادرة البلاد في وقت قريب"، مشيرا إلى أنه في الوقت نفسه، لن تتراجع أنقرة عن تصميمها بالقضاء على ما تعتبره تركيا تهديدا كرديا في شمال سوريا.
وقال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الذي يشارك عناصره في القتال إلى جانب القوات الحكومية في سوريا يوم الجمعة الماضي في خطاب متلفز إن أحد أهداف الولايات المتحدة من خلال وجودها في سوريا هو حقول النفط والغاز في شمال شرق البلاد.
ويبدو أن تواجد حزب الله، المتحالف مع إيران لدعم الحكومة السورية، قد أثار توترا مع إسرائيل، التي أعربت مرارا بأنها لن تتسامح مع أي نفوذ إيراني في سوريا، وخاصة في المنطقة الجنوبية القريبة من حدودها.
وشنت إسرائيل عدة غارات جوية وهجمات صاروخية على مواقع عسكرية سورية خلال الحرب التي طال أمدها بحجة أنها كانت تستهدف أسلحة متجهة إلى حزب الله. ووقع الهجوم الأخير في 10 فبراير الجاري، عندما شنت إسرائيل هجمات على قواعد عسكرية سورية تحت ذريعة بأن طائرة إيرانية مسيرة تم إطلاقها من قاعدة التيفور في وسط سوريا دخلت المجال الجوي الإسرائيلي، وعلى إثرها أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة إسرائيلية من طراز أف - 16.
وفي وقت لاحق، ردت إسرائيل بشن هجوم صاروخي استهدف 12 موقعا عسكريا في سوريا، في حين أكد مسؤولون حكوميون سوريون أن الجيش السوري سوف يسقط أي طائرة عدائية في سوريا.
وبالإضافة إلى ذلك، ازداد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا عندما اتهمت واشنطن موسكو مؤخرا بحماية الحكومة السورية من المسؤولية عن هجمات متعددة بغاز الكلور استهدفت مدنيين في الأسابيع الماضية، حيث رفضت روسيا وسوريا هذه الاتهامات، واتهمت بيانات الحكومة السورية واشنطن بخلق ذرائع لضرب البلاد.
وقال أحمد الأشقر وهو خبير سياسي آخر لوكالة ((شينخوا)) أن التوتر بين اللاعبين الإقليميين والدوليين سينعكس سلبا على الجهود الرامية لحل الصراع في سوريا.
واعتبر أن إسقاط مقاتلة روسية مؤخرا "من قبل مسلحين مدعومين من تركيا في محافظة إدلب" شمال غربي سوريا، وإسقاط مروحية تركية من قبل مقاتلين أكراد في عفرين وتصعيد إسرائيل الجديد، هو "التصادم الأكثر وضوحا بين مصالح اللاعبين الأجانب مع دخول الأزمة السورية عامها الثامن الشهر المقبل".