تنظيم داعش

خلت مدينة الرقة فجأة ومن دون سابق إنذار من قيادات تنظيم "داعش" وعوائلهم، وساهم تطويق القوات الكردية "قسد" المدينة وريفها القريب "الشمال، الغرب، الشرق"، إضافة إلى تدمير الجسور في جنوب المدينة، في هروب عدد كبير من المهاجرين الذين يتحدرون من كل الجنسيات العربية والعالمية، ويترقب سكان الرقة الذين يتراوح عددهم حاليًا بين (250 و300) ألف نسمة، نتائج المعارك التي تدور في محيط مدينتهم وهم أكثر إدراكًا أن أيامًا معدودات تفصلهم عن بدء بطاريات المدفعية الأميركية، بدك أحياء المدينة التي أغلقها تنظيم "داعش" بالخنادق والسواتر الترابية والألغام والمفخخات.

ويبدو أن التنظيم قد حزم أمتعته وبدأ مسلحوه مغادرة المدينة فعليًا، أصبحت الشوارع شبه خالية من عناصره وشرطته، وعلى رغم من أن الأوضاع الأمنية أكثر خطورة الآن، إلا أن حواجز التنظيم ما عادت تدقق في عمليات التفتيش، وأصبح ذلك إجراءً روتينياً بعكس ما كان عليه في سنوات الرخاء التي عاشها التنظيم وعناصره في المدينة، التي كان يعتبرها مصيفًا واستراحة لجنوده بعد خوضهم معارك شرسة على "الثغور".

وقال عبدالرزاق، وهو شاب من مدينة الرقة، "غادر المهاجرون المدينة، ولم يبقَ أحد من القادة، لا يوجد في المدينة سوى عناصر التنظيم من أهالي الرقة وهم قلة، إضافة إلى بعض السوريين من إدلب وحماه وحلب. حتى الحسبة ما عادت تعمل كما في السابق، لا يوجد تدقيق في الأسواق والأحياء". وأضاف "لا يمكن أن ينسحب عناصر تنظيم "داعش" المنحدرون من الرقة، لأن غالبيتهم ارتكبوا جرائم بحق مدنيين، وذلك سيجعلهم في مواجهة مباشرة مع أهالي الضحايا في حال فقد التنظيم سيطرته على المدينة، وبالتالي لا خيار أمامهم سوى الهروب نهائياً أو القتال حتى الموت".

وتابع "يبدو أنهم اختاروا القتال، لأن أولوية الانتقال إلى جبهات أخرى هي للمهاجرين، أما أبناء المدينة فعليهم الدفاع عنها إلا أن عددهم لا يصل إلى الألف، وهم من الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و25 عامًا". وأصبحت الرقة معزولة تماماً عن محيطها، تمنع الألغام المدنيين من التفكير بالخروج عبر منافذ التهريب التي انتشرت، وتبلغ كلفة تهريب الشخص الواحد 200 دولار أميركي، وعليه أن يسير مسافة تصل إلى 20 كيلومترًا.

وبدأ المدنيون استهلاك مدخراتهم المالية والغذائية، وشهدت الأسعار ارتفاعًا ملحوظًا، وهي ترتفع كلما تقدمت القوات الكردية في اتجاه المدينة، وقد توقفت جميع الحوالات المالية من الرقة وإليها، وأغلق التنظيم محلات الإنترنت في الأحياء الشرقية والشمالية، بينما ما زالت تعمل في وسط المدينة وغربها. واستهدف الطيران الأميركي محطة ضخ المياه الرئيسة وسبب أضراراً مباشرة أدت إلى خروج جزء منها عن العمل.

وذهب بعض أبناء المدينة إلى مقر شركة كهرباء الرقة لدفع فواتير الكهرباء والماء والهاتف الثابت، إلا أن مسلحي التنظيم وجباته أمروهم بالانصراف، وقالوا لهم "لا تدفعوا شيئاً هذا الشهر وعودوا إلى بيوتكم". وتعتبر هذه الخطوة سابقة، فالتنظيم لم يسبق له أن تساهل حتى مع أفقر المواطنين في دفع الفواتير الشهرية، وحصر دفعها بعملته الخاصة "الدينار، الدرهم".