وزير الخارجيَّة العراقـيَّة إبراهيم الجعفريّ

اختتم وزير الخارجيَّة العراقـيَّة إبراهيم الجعفريّ زيارته للعاصمة القطريَّة بلقاء السفراء العرب، ومُمثـِّلي البعثات الدبلوماسيَّة المُعتمَدين لدى قطر، وذكر بيان لمكتب وزير الخارجية تلقى " العرب اليوم "  نسخة منه أنه "جرى خلال اللقاء بحث مُجمَل الأوضاع الأمنيَّة، والسياسيَّة التي تشهدها المنطقة، والجُهُود التي بذلها أبناء العراق في حربهم ضدّ تنظيم "داعش "، والتأكيد على أهمِّـيَّة تضافر الجُهُود، وتبنـِّي الحوار في حلِّ المشاكل التي تواجه المنطقة".

وقال الجعفري في محاضرته في المعهد الدبلوماسيِّ في وزارة الخارجيَّة القطريَّة بعنوان "تجربة العراق في مكافحة التطرف، وموقف العراق من الأزمة الخليجيَّة" العالم اليوم يعيش أزمة سياسيَّة، أزمة أخلاقيَّة، أزمة إعلاميَّة، نحن اليوم بأمسِّ الحاجة لتحريك المُفاعِلات الدبلوماسيَّة لحلِّ الأزمات.. ما أكثر الأزمات!.. هذه هي الحقيقة المُرَّة، وتتكرَّر عمليَّة العراك، والصراع، والاقتتال، والتآمر على سطح الأرض، لا يُوجَد يوم تخلو الأرض من المشاكل، لكننا ينبغي أن نكون عنصرًا يُغلـِّب عناصر الخير، ونـُطوِّق الشرَّ بأضيق دائرة مُمكِنة.. هذا نستطيع أن نفعله، أمَّا أن نجعل الأرض خالية من كلِّ مُشكِلة فهذا دعاء لا يُستجاب، وحلم لا يتحقق".

وأضاف " بدأت شُعُوب العالم الحمد لله، تتيقـَّظ، وتتطلـَّع لنشر ألوية العدالة، وتحقيق الإنصاف، وأمان الشُعُوب، ويجب أن نقف جميعٍا مُتكاتِفين مُتآزرين معهم.. اختلف العالم اليوم، وهو غير ذلك العالم، لكن لايزال بعيداً، ولايزال يحتاج أن ندفع الدبلوماسيِّين، والإعلاميِّين، والسياسيِّين أكثر من غيرهم ليتحمَّلوا مسؤوليَّة اختزال زمن الصعود، والارتقاء بالعالم إلى مُستوى الطموح".

وأشار الجعفري "يشتبه مَن يتصوَّر أنَّ التاريخ مضى، بل التاريخ قادم، والذي يُريد أن يقرأ المستقبل، بل يصنع المستقبل عليه أن يُدرك هذه الحقائق: استحضار التاريخ، ووعي الحاضر؛ حتى نستشرف المستقبل"، وتابع "كيف نصنع المستقبل؟.. المستقبل نصنعه عندما نستحضر التاريخ، ويلاته، وما حدث فيه، انتصاراته، وفشله، وحُرُوبه، وكلّ شيء، ونعي واقعنا؛ عندئذ سيُولـِّد لدينا ملكة تلقائيَّة.. القراءة المستقبليَّة للتاريخ هي قراءة علم اجتماعيَّة، أعني: أن نربط بين الأسباب والنتائج.. فإذا تكرَّرت الأسباب نتنبَّأ النتائج، وإذا تنبَّئنا النتائج لا نطفو على سطح الأحداث، بل نصنع الأحداث، تستطيع أن تـُؤرِّخ انتهاء الحرب، لكن لا تستطيع أن تـُؤرِّخ آثارها المُدمِّرة التي تنتقل عِبر الأجيال.. نحن في العراق واجهنا حُرُوبًا مُتعدِّدة، منها: في منطقة كردستان، وفي منطقة الوسط، والجنوب، غير قوائم الإعدام، وحفلات الإعدام التي كان يقيمها المقبور صدام..

وتابع "تـُوجَد نظريَّة أعتقد بصِحَّتها، ولو إلى حدّ ما: إذا غابت علينا هُويَّة الجاني فلننظر إلى هُويَّة الضحيَّة.. أتخموا الإذاعات، والتلفزيونات، والخطب عن القدس، وفلسطين، والكرامة.. لماذا لم يُعطِ هؤلاء الذين يدافعون عن فلسطين شهداءً في فلسطين؟!.. هذه فلسطين تـُناشِدكم لماذا لا تذهبون؟!.. لماذا تركتم الشعب الفلسطينيَّ أعزل؟!.. هذا هو العالم الذي نعيشه الآن..
ما قيمة الدبلوماسيَّة، وما قيمة السياسة، وما قيمة الدول إذا لم تـُنصِف حقًّا، وتدحر باطلًا؟!.. التطرف أخذ أطوارًا مُتنوِّعة، فبعض الأحيان نحن نواجه متطرفًا بالسلاح، وبعض الأحيان نواجهه بالكلمة، وبالثقافة.. كلُّ شيء من حولنا تعبير عن ثقافة، الكلمة تـُنجب موقفًا.. كلمة تبني إنسانًا، وتبني دولة، وكلمة تـُشعِل فتنًا، وتـُدمِّر، وتـُحطـّم، وتُبدِّد الاقتصاد، وكلَّ شيء؛ لذا أخاطب أصحاب الكلمة بأنـَّهم يجب أن يرتقوا إلى مُستوى كلمتهم.. الدبلوماسيُّون دون غيرهم معنيُّون بإخماد الفتن، والحُرُوب، وبناء حضارة جديدة، قد تكون هناك معاهد جديدة بُنِيَت، لكن هل الدبلوماسيّ معزول عن بنائه الداخليِّ، عن تاريخه، عن تراثه، وأردف قبل أن تفكروا في المعهد الدبلوماسيِّ أنتم تنتمون إلى حضارة نبضت عُرُوقها بالدبلوماسيَّة.. نحن نـُجِيد فنَّ الصراخ فقط ، للأسف الشديد، قنواتنا التلفزيونيَّة تفكّر كيف تُؤجِّج، وكيف تسعِّر الخلافات البسيطة حتى أصبحت ثقافة..

وأكمل "نحتاج دبلوماسيِّين ثوارًا، وأحلى شيء بالمثقف أن يكون مُناضِلًا، ومُستعِدًّا لأن يُضحِّي، وأحلى شيء بالمُناضِل أن يكون مُضحّيًا، وأحلى شيء بالمُضحِّي أن لا يضع حدًا للتضحية حتى إذا اقتضى الأمر أن يُقتـَل؛ عندئذٍ ترتقي الكلمة، لدينا عدد كبير من الإعلاميِّين العراقيِّين إلى جانب إخوانهم الإعلاميِّين العرب استشهدوا في ميادين المعارك، لدينا بنت ،رحمها الله، اسمها أطوار بهجت كانت مُذيعة في إحدى القنوات قُتِلت، هدَّدوها، ثم اختطفوها، ثم قتلوها، الأزمة الخليجيَّة هذه حالة رُبَّما كانت أسبابها غاطسة في وقت ما، ثم بدأت تطفو على السطح إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، فلا يُوجَد شيء جديد، وإنـَّما يُوجَد شيء مغمور، ثم بدأ يطفو على السطح، وبرز، أحبُّ أن أثبت أنَّ العراق الجديد لا يُفرِّق بين دولة وأخرى، ويسعى، ويبذل أقصى جُهُوده من أجل أن يكون عامل إرساء أمنيٍّ، واقتصاديٍّ، وسياسيٍّ بيننا وبين أشقائنا.. وإذا كان لكلِّ مُؤسَّسة من فلسفة، فالدبلوماسيَّة بلا فلسفة جسم عائم تائه، والعسكريَّة بلا فلسفة لا قيمة لها..

وذكر "نحن نعتقد أنَّ فلسفة الدبلوماسيَّة هي إخماد الحرائق، برم العلاقات مع الدول كافة، وإنشاء علاقة ثنائيَّة مع كلِّ دولة بدءًا بدول الجوار الجغرافيِّ، وامتدادًا إلى بقـيَّة الدول، وتقوم على أساس المصالح المُشترَكة، وأحيانًا مُواجَهة المخاطر المُشترَكة..العراق كُتِبَ عليه أن يرتبط بست دول من حوله، لديها ثلاث لغات: عربيَّة، وفارسيَّة، وتركيَّة، وست أنظمة: جمهوريّ، ودولة ولاية الفقيه، وليبراليّ، وإسلاميّ، وأميريّ، وملكيّ.. نحن نتعاطى معها وفق الثابت الوطنيِّ العراقيِّ والمُتغيِّر الإقليميِّ، نحن لدينا ثوابت نتمسَّك بها، ولا نتجاوزها، وإلى جانب هذا الثابت تـُوجَد مُتغيِّرات، ما يجمعنا مع تركيا غير ما يجمعنا مع غيرها؛ لذا لا نشعر بوُجُود تناقض في نشر ظلِّ العلاقة بيننا وبين هذه الدول في الوقت الذي نعلم أنه يُوجَد تقاطع حادّ بين السعوديّة وإيران في وقت ما، لكننا أقمنا علاقة بينهم الاثنين، وما حدث ازدواج لدينا بالموقف، نحن نتكلم مع إيران كدولة جوار جغرافيّ، ونتكلم مع السعوديَّة كدولة جوار جغرافيّ، ونتكلم مع تركيا كدولة جوار جغرافيّ، ونتكلم مع سورية كدولة جوار جغرافيّ، ونعلم أنَّ الأربعة كلّ اثنين مُتحاربان مع بعض.. أنا غير مسؤول عن سبب احتراب هذه الدول، وإنما أنا مسؤول كيف أتعامل مع هؤلاء، إن لم أكن جزءًا من حلٍّ ففي الأقلّ أمتنع أن أكون جزءًا من مُشكِلة، أنا مشروع حلّ، ولستُ مشروع مُشكِلة"..

وقال "نستطيع أن نـُقِيم دعائم العدالة، والعدل الاجتماعيِّ.. هل تـُوجَد في العالم منطقة تزخر بالخيرات كما تزخر منطقتنا.. كم يعرف بعضنا عن البعض الآخر من المُتفَق؟ ولماذا نظلّ نبحث المُختلَف؟.. وعلينا أن نتوافر على فلسفة إدارة العلاقة من موقع الاختلاف.. بثوا في المنطقة الآن أدب الفرقة..عِدَّة مرَّات صدح العراق بصوته في الجامعة العربيَّة، وقال لهم: أنتم جامعة الدول العربيَّة، وليست مُفرِّقة، ولا جامعة حكام، أو حكومات، بل جامعة دول.. ما الفرق؟.. إذا غاب الشعب لا تـُوجَد قيمة لمعنى الدولة، نحن جامعة دول أم مُفرِّقة دول؟..
ليس شرفًا لنا أن نـُطوِّق هذا البلد، وذلك البلد، والله أنا ليس لديَّ عقد عاطفيّ مع أحد، ولكن لديَّ عقد قيميّ، وفكريّ، وتاريخيّ، وحضاريّ بأنَّ العراق يجب أن يتكلم بهذا الصوت؛ لأنه أحسّ رُبَّما أكثر من غيره بقيمة التعاطي الحضاريِّ بيننا وبينكم، العراق ينحدر من مرحلة تاريخيَّة قديمة تجاوزت منذ مطلع الألف الرابع قبل الميلاد، أي: مضى عليه ستة آلاف سنة، وتوجَد دراسات جديدة ستـُفضي به إلى أنَّ عمره يزداد قرابة الألف عام عن ذلك.. العراق ليس أكبر بلد، لكنه أعرق بلد، تجد به التعدُّد المذهبيَّ، وتجد التعدُّد الدينيَّ، وتجد التعدُّد القوميَّ، وتجد التعدُّد العشائريَّ.. هذا التعدُّد لم نُوجـِده نحن بل إنَّ الله خلقه، أيُّ بادرة سوء تحاول أن تـُطوِّق أيَّة دولة من الدول العربيَّة لا نبارك بها، بل نقف بوجهها، ونعمل على حلـِّها.. ما يجمعنا بالدول العربيَّة أكثر بكثير ممَّا يُفرِّقنا؛ لذا نبَّهنا، وقلنا: إنَّ هذا شيء غير صحيح، ولا نقبل بأن تـُطوَّق أيَّ دولة من قِبَل الدول الأخرى، لنستفِد من دول أوروبا التي عصفت بها الأعاصير المُختلِفة في القرن الخامس عشر 1429 كانت حرب المائة التي دامت 116 عامًا، ولكن للاختصار يقولون عليها حرب المائة عام قـُتِلت فيها هذه الشابَّة المعروفة جان دارك، وعمرها 16 عامًا، وكانت تتحلّى ببعض المواهب، وجرت هذه الحُرُوب إلى القرن العشرين حرب وراء حرب.. هذه الحروب لا تجرّ على الشُعُوب إلا الويلات"..

واسترسل "ماذا عملت أوروبا حتى استطاعت أن تعبر من ضفة التمزُّق إلى ضفة الوحدة؟.. طارت بجناحين أوّلًا: وحَّدت صفها على أساس الأمن المُشترَك، فجاءت بمشروع الناتو، واتخذوا قرارًا بأنَّ الاعتداء على أيِّ بلد من البلدان يُعَدُّ اعتداءً على كلّ أوروبا.. ثانيًا عملوا السوق الأوروبيَّة المُشترَكة، فصارت الخيرات الموجودة في كلِّ بلد أوروبيّ مفتوحة على أسواق أوروبا الأخرى.. فالسيّارة المارسيدس تـُصنَع في "شتوتغارت" في ألمانيا، لكنّها تتحرَّك في كلِّ شوارع أوروبا، والقشطة الدنماركيّة تُوزَّع في كلِّ أسواق أوروبا.. وحَّدوا أنفسهم وهم ديانات مُتعدِّدة، ولغات مُتعدِّدة، وجغرافية مُتباعِدة، وكانت بينهم حُرُوب طاحنة.. ماذا بنا نحن لغة واحدة، ودين واحد، وجغرافية واحدة، وخيرات كثيرة، يُراد لنا أناس أبطال.. العالم ينتظركم، الأجيال المقبلة تنتظر مَن يُبحِر في هذه الفرص، والإمكانيّات؛ حتى يُوصِل هذه الأمّة إلى شاطئ الاستقرار ،أنا لستُ داعية- أتشرَّف بكوني عربيًّا، لكني لا أؤدلج انتمائي إلى قوميّ، ولا أحد يُنافِسني على انتمائي لقوميَّتي، أنا ابن رسول الله القائل: أنا ليث العرب، وليث العرب مني، لكني أحبُّ كلَّ أمم العالم، وكلَّ لغات العالم، وأعشق اللغة العربيَّة، لكني ما حوَّلتـُها إلى فكر، وعقيدة، هي لغة بديعة، ولطيفة، لغة الثلاثة ملايين مُفرَدة، يكفينا شرفاً أنها لغة القرآن الكريم".

وتابع "أيّ دولة عربيَّة تتعرَّض الآن إلى حصار على البقـيَّة أن يحسبوا حسابهم اليوم أو غدًا أنـَّه ستتهدَّد الدول الأخرى، مَن حُلِقت لحية جارٍ له فليسكب الماء على لحيته، أي: فليستعدَّ لحلق لحيته.. لنستحضر ما يجمعنا مع الآخرين، نستحضر المصالح بيننا وبينهم، ونستحضر المخاطر التي تهدِّدنا، ما الذي يجمع ستالين أقصى اليسار مع تشرشل أقصى اليمين في الحرب العالميَّة الثانية؟.. المخاطر المُشترَكة.. اتفقوا، وواجهوا، وفازوا.. إلى الآن لا يُوجَد لدينا وعي لما يُوحِّدنا.. فالدبلوماسيَّة إذا نريدها عقلًا يُفكّر، وقاعدة تـُموِّل السياسيَّ نرى السياسيَّ قبل أن يأتي ينبغي أن تكون لديه ثقافة، في هذا العالم، عالم الآراء المُتعدِّدة مسؤوليتنا أن نجعل الاختلاف مرتعًا رائعًا لأصحاب الفكر يأخذون، ويمتدُّون.. ما شهدناه مُؤخَّرًا واجهة لأمر خطير خلف الستار مُعَدّ منذ زمن لإيقاع هذه الأمَّة، وامتصاص شبابها، وإشاعة الفتنة بينها، وإشاعة القتل، واستهلاك ثرواتها.. هم لا يُشعلون حروبًا، ويعطون دمًا، ومالًا، بل يُشعِلون فتنة؛ فيقتتل أبناء الدين الواحد".

وشدد "تـُوجَد إرادة شَرّ من ورائها؟.. الآراء المُتطرِّفة نمَّت ثقافة الحقد، واستباحة الدم، والعِرض، والكرامة، وأوصلت البلد إلى ما أوصلته إليه؛ لذا علينا أن نتعمَّق في فهم فلسفة المتطرف المُعاصِر، وما يفعله، وإلى أين يُريد أن يُوصِل المنطقة.. التطرف يقوم على نظريَّة سمَّيتها "التطرف بالترويع" يُروِّع الضحيَّة؛ حتى يبعث الخوف لدى المُتلقـِّين عُمُومًا، هو لا يقتل فقط، بل يقتل، ويُروِّع الضحيَّة.. أيّاً تكن الأسباب سياسيَّة أم غير سياسيَّة فهي تستهدف تدمير الإنسان، وتدمير الحضارة، وسبق أن مرَّت بالتاريخ بين فترة وأخرى، وتأخذ دورة تاريخيَّة تظهر ثم تختفي، ثم تظهر مرَّة أخرى.. الخوارج مرّوا بهذه الحالة في زمن الإمام عليّ ،عليه السلام، فعلوا ما فعلوا، وقتلوا الإمام عليّاً عليه السلام.. هذه ظاهرة يجب أن تُدرَس دراسة فكريَّة فلسفيَّة صحيحة؛ حتى نضع لها مُعادِلًا نمنع انتشارها، ونمنع تكرارها، ونُنقِذ البشريَّة..العراق يتمسَّك بمبادئ إنسانيَّة، وعربيَّة، وإسلاميَّة، وكلـُّها تلتقي على شيء واحد هو احترام الإنسان، وترويج الحوار عند وُجُود الاختلاف.. نحن ضحيَّة الحرمان من الحوار، قـُطِعت رؤوس إخواننا بالآلاف لا لشيء إلا لأنـَّنا كنا نتعطش للحوار، ولحُرِّيَّة التعبير عن الرأي، فالذي حدث معنا ما تحوَّل إلى عُقدة، بل تحوَّل إلى نزعة خير؛ بأنَّ الذي حدث معنا لا يتكرَّر مع غيرنا؛ لذا نتمسَّك بقوة بضرورة ترويج الحوار عند الخلافات، ولا يُوجَد شيء عصيّ على الحوار..العراق على أتمِّ الاستعداد لمُمارَسة دوره مع عدم التدخّل في شُؤُون الآخرين، بل يُحاور حوار الصديق الواثق الواعي للمُشترَك مع الآخرين.. عندما نعي المُشترَكات بيننا سنهتدي إلى أننا نستطيع أن ننسج شيئًا بيننا، وحان الوقت لأن نصل إليه.. يجب أن نُجيد فنَّ التعامل مع الحصار، ولا نعمِّم الدائرة على كلِّ جيل، وعلى كلِّ الناس"..

وأفاد "أمَّا عن الفتنة الطائفيَّة فلا يُوجَد في ثقافة العراقـيِّين، وفي واقع العراقـيِّين شيء اسمه فتنة طائفيَّة، هذه أسمعها خارج العراق.. أنا من مدينة كربلاء، وهي عاصمة التشيُّع في العالم، وخِرِّيج جامعة الموصل أكملتُ فيها دراسة الطبِّ، وهي عاصمة التسنـُّن في العراق عشت معهم كأخ من إخوانهم، وما رأيتُ شيئًا اسمه شيعيّ يُحارِب سُنيًّا، أو سُنيًّا يُحارب شيعيًّا..لا تـُوجَد مدينة عراقـيَّة إلا وفيها ثنائيَّة مُتعايشة بين السُنّة والشيعة، ولا تـُوجَد قبيلة عراقـيَّة عريقة من تميم، خزاعة، وعبيد ليس فيبها سُنّة وشيعة، والزواج بين السُنّة والشيعة 26.1، يعني أنَّ كلَّ أربعة عراقـيِّين يُوجَد واحد منهم أبوه وعُمُومته من مذهب، وأمُّه وأخواله من مذهب آخر..أين الطائفيَّة؟.. كربلاء عاصمة التشيُّع يُوجَد فيها مجموعة من إخواننا السُنَّة في كربلاء.. أوَّل أيَّام التغيير، وسقوط صدام حسين لعنة الله عليه صاروا يسألون: هل أنت سُنّيّ، أم شيعيّ؟.. من أين أتيتم بهذه؟!.. انظر إلى البرلمان العراقيّ تجد سُنَّة وشيعة سويَّة في كلِّ الاختصاصات، والحكومة فيها سُنّة وشيعة.. عندما شكّلنا رئاسة الجمهوريّة كان مام جلال الطالباني رحمه الله سُنيًّا كرديًّا، ورئيس البرلمان سُنّيّ عربيّ، ورئيس الوزراء شيعيّ عربيّ.. ما المُشكِلة؟!.. نجلس سويَّة، ونتحدَّث سويّة.. لا أتصوَّر عراقًا بلا طوائف، ولكن أريد عِراقًا بلا طائفيَّة..

وأكمل "المادَّة الأولى من الدستور العراقيِّ نصَّت على أنَّ العراق دولة سيادتها مُوحَّدة غير قابلة للتجزئة، وعندما أتيتُ إلى جامعة الدول العربيَّة قرأتُ من الدستور العراقيّ المادَّة رقم واحد؛ لذا ضمَّنوا هذا الكلام بقرار الجامعة العربيَّة، واستنكروا عمليَّة الاستفتاء؛ لأنـَّه يمسُّ وحدة العراق؛ وهذا خلاف الدستور، والقانون العراقيّ، الدستور العراقيّ منح حقَّ الفيدراليَّة لكلِّ المحافظات، ومنحها حقَّ إدارة محليَّة، لكنَّ الاستفتاء لتقرير المصير يتعارض مع مفهوم الفيدراليَّة.. الفيدراليَّة كمصطلح يعني الثقة، فالبلد الذي تتعدَّد فيه المُكوِّنات قد تضعف فيه الثقة، فتأتي الفيدراليَّة؛ لتعيدَ الثقة مرَّة أخرى.. هي هذه الفيدراليَّة.. أميركا أكبر دولة في العالم فيها 50 ولاية، و50 علمًا، و50 كونغرسًا، و50 حكومة محليَّة، لكنَّ الرئيس واحد، والعاصمة واشنطن.. الإخوان قاموا بمُمارسات غير طبيعيَّة..وحدة العراق، ووحدة أراضيه للجميع، ونحن متفقون على الدستور، وأدَّينا اليمين عليه؛ لذا أبرزنا هذه الحقيقة.. العالم كلـُّه تجاوَبَ معنا بالإجماع، إجماع الدول العربيَّة، والتعاون الإسلاميّ، ومجلس الأمن.. الفكر الذي يجمعنا سويّة، والقِيَم التي تجمعنا سويَّة، والتاريخ الذي يجمعنا سويَّة، والحضارة التي تجمعنا سويَّة هذه حصيلتها..وكان لي لقاء مع سُمُوِّ الأمير، ومع دولة رئيس الوزراء، ومعالي الأخ وزير الخارجيَّة، ووزير التجارة رأيتهم يُبادِلوننا ذات أحاسيس الحرص على ترويج علاقات من شأنها أن تدرَّ على البلدين العراق وقطر نفعًا اقتصاديًّا، وثقافيًّا.. مجالات الاتفاق كثيرة جدًّا، والمنافع المُتبادَلة كثيرة جدًا.. العالم اليوم ليس عالم جوار جغرافيّ، بل عالم جوار اقتصاديّ، وجوار مُجتمَعيّ، وجوار مصالح، وجوار تحضُّر.. عالم يجب أن نستثمره، ونواكبه؛ حتى نحقـِّق هذا الشيء..عن التزام الدول العربيَّة بوحدة العراق فأنا شاكرٌ لهم تعاطفهم، وتجاوبهم. طرحْتُ عليهم مسألة التصويت مرّتين، أو ثَلَاثًا، فأجابوني بلغة الإجماع، عندما دخلت القوات التركيَّة إلى منطقة بعشيقة في شمال العراق أوصلتُ رسالة إلى مجلس الأمن، وأخرى إلى جامعة الدول العربية، واتخذت قرارًا بالإجماع بثلاث نقاط، أوّلًا: استنكرت التدخّل التركيّ، وثانيًا: طالبت بالانسحاب، وثالثًا: أكَّدت على عدم تكرار ذلك مُستقبَلًا.. هذا موقف مُشرِّف ساهم به كلُّ العرب بما فيها قطر.. الدول التي كانت مُختلِفة انسجمت مع هذا الشيء، وكلما يكون موقفنا قويًّا يحترمنا العالم أكثر".