تلاعُب عدليّ يحوّل مواطناً إلى مطلوب للإنتربول

تسبب تلاعُبٌ في إجراءات التبليغ في تحويلَ مواطن إلى مطلوب دولي للإنتربول , وتكشف القضية أن تواطؤ ثلاثة أشخاص كافٍ لتوريط أي شخص بأن يُصبح مطلوبًا داخليًا وخارجيًا، وسط رفض القضاء استرداد مذكرة توقيف غيابية بحق شخص يطلب استردادها ليمثل أمام المحكمة للدفاع عن نفسه

 و يمكن أن يصبح مغترب لبناني في الخارج مطلوبًا دوليًا للإنتربول بموجب «مذكرة حمراء»، وأن تصدر مذكرة توقيف غيابية، بحقه بناءً على ادّعاء لبناني آخر بأن المدّعى عليه خطفه وعذّبه في الخارج، مستندًا إلى تقرير طبيب شرعي في لبنان , و حصل  ذلك مع رجل الأعمال اللبناني المقيم في جمهورية الكونغو الديموقراطية صالح عاصي الذي ادّعى محمد ح. أنه أقدم على خطفه في كينشاسا وتعذيبه وضربه , إلا أن اللافت أن المدّعي لم يتقدم بشكوى لدى سلطات الكونغو، بل عاد إلى لبنان واستحصل على تقرير من طبيب شرعي وطبيب أنف أُذن وحنجرة يُفيد بأنه «تلقّى ضربة قوية قبل نحو شهر على الأذن سبّبت فقدانه السمع»، قبل أن يتقدم بشكوى أمام النيابة العامة في جبل لبنان , ومن دون أي دليلٍ يُثبت ادعاءاته أو الاستماع إلى المدعى عليه، قرّر القضاء أن الأخير صار مطلوبًا.
 
وقدّم عاصي رواية تطابق ما ظهر في محاضر التحقيق وأوراق التبليغات، وأظهرت أنه حُدِّد مكان إقامة خاطئ له، ليُصار إلى تبليغه وهميًا، ليتخلّف عن حضور المحاكمة، وتصدر مذكرة توقيف غيابية بحقه وتعمم مذكرة إنتربول تجعله مطلوبًا دوليًا.

 وادعى محمد ح. أمام النيابة العامة على عاصي بجرم ضرب وإيذاء وابتزاز وخطف وتهديد بالقتل , علمًا أن المدعي، هنا، مدعىً عليه في شكوى جزائية من عاصي لا تزال عالقة أمام قاضي التحقيق في بيروت فريد عجيب.

ويعود الخلاف بينهما – وفق رواية عاصي – إلى خلافات مالية , إذ يتهم عاصي المدعي بأنه سرق منه أكثر من مئتي ألف دولار، «وهو سُجِن بضعة أيام في كينشاسا، ثم تعهّد أمام جهة رسمية بإعادة أكثر من نصف المبلغ , لكنه بدلًا من ذلك عمد إلى إرسال تسجيلات صوتية من رقمه على هاتفي يُهددني بالقتل وبإيذاء عائلتي، ويتهمني بخطف شقيقه، علمًا أن هذا الأخير مسجون في أفريقيا ".

   يروي المدّعي  كان يعمل لدى عاصي في كينشاسا وتشاركا في إنشاء أفران في عاصمة الكونغو , وبعدما كان قد اتفق مع عاصي على شراء الطحين من الأخير، قرّر التعامل مع موزّعين آخرين قدّموا إليه أسعارًا أقل.

وعمد عاصي وقتها إلى إرسال أشخاص تعرّضوا لمحمد بالضرب فأُصيب بثقب في أُذنه اليسرى ما أفقده حاسة السمع , وتضيف رواية المدعي أن المدّعى عليه «خطفه وهدده بالقتل وابتزّ شقيقه لدفع فدية لقاء تركه». ويروي وكيل المدّعي المحامي مازن المولى أن عاصي يحتجز شقيق المدّعي في السجن لكونه مدعومًا هناك، مشيرًا إلى أنّ عاصي اشترط التنازل عن الشكوى في لبنان لإسقاط حقه هناك في كينشاسا , أما عن التبليغ في مكان وهمي، فيرد بأنّ المدعي قصد إبلاغه على عنوان مسمكة كان يعتقد أنه يملكها، مشيرًا إلى وجود رقم هاتف المدعى عليه على الشكوى، لكنه لم يكن يُجيب. , وهذه الشكوى، وفق مطالعة النيابة العامة، تأيّدت «بأقوال المدعي والتقارير الطبية ومجمل التحقيقات».

 وتظهر نظرة سريعة على محاضر التحقيقات تلاعبًا في التحقيق , إذ وُضِع للمدّعى عليه عنوان وهمي في حارة حريك، علمًا أنه لم يسبق أن سكن في هذه المنطقة، بل يقطن في وسط بيروت بعدما عاش لفترة طويلة في فردان , وبالتالي، أجري تبليغ مزوّر للمدعى عليه على غير عنوانه , واللافت أن إبلاغه لصقًا وصدور مذكرة التوقيف حصلا بسرعة قياسية , فقد تأسست الدعوى في قلم قاضي التحقيق في جبل لبنان بتاريخ 2/8/2018. وعُيّن يوم 1/10/2018 موعدًا لبدء التحقيقات , لكن وكيل المدعي الذي حضر جلسة أمام قاضي التحقيق، عاد وحضر بتاريخ 3 أكتوبر/  تشرين الأول إلى قلم قاضي التحقيق في جبل لبنان، أي بعد يومين، طالبًا إبلاغ المتهم لصقًا، فقرر قاضي التحقيق ذلك في 4 أكتوبر / تشرين الأول، علمًا أنه في الثاني من الشهر نفسه كان المباشر القضائي ع. م. قد أعاد التبليغ لعدم العثور، بعد أن ادعى سؤاله سكان المحلة والمختار.

وبعد يوم واحد من قرار قاضي التحقيق إبلاغه لصقًا، وقبل موعد الجلسة بخمسة أيام، نُظِّم محضر إبلاغ لصقاً جاء فيه: «ألصقت النسخة الأولى من ورقة الطلب على باب مقام الأخير بمعرفة مختار المحلة بتاريخ 5/10/2018».

 والأخرى جاء فيها "ألصقت النسخة الأولى من ورقة الدعوى لدى مختار المحلة بتاريخ 5/10/2018»، علماً أنْ لا وجود لمحل إقامة للمتهم في حارة حريك أصلًا. هذه السرعة في التبليغات تطرح شبهات حول حقيقة حدوثها , علمًا أن محضر التحقيق وإفادة المدعي لا يتجاوزان الصفحتين , يشار أن «المباشِر» (الموظف العدلي الذي يتولى تبليغ القرارات القضائية) كان قد أوقف في ملف فضيحة الفساد القضائي في عدلية بعبدا.

عبر استخدام مكان تبليغ وهمي وتبليغ مزوّر، ومن دون أن يُستدعى أي شاهد أو يطلب دليل حسّي على حقيقة حصول الجرائم المدعى بحصولها، صدرت مذكرة توقيف غيابية بحق صالح عاصي , فهل يمكن الركون إلى تقارير الأطباء الشرعيين بعد الفضائح المتتالية؟ ليس هذا فقط، فقد رفضت النائبة العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، اتخاذ قرار باسترداد مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحق عاصي، رغم تبيان ما حصل لجهة عدم تبلغه أي موعد لجلسة تحقيق، ولعدم وجود أي عنوان للمتهم ضمن نطاق جبل لبنان.

يشار أن مذكرة توقيف غيابية كانت قد صدرت بحق محمد ح.، في الدعوى المقامة ضده من عاصي في بيروت، لكنّ المذكرة استُردَّت بعد تقديمه اعتراضًا بأنه لم يبلّغ وفق الأصول لحضور التحقيق.

 يذكر أن ما صدر أعلاه لا صلة له بأصل الدعاوى بين المتخاصمَين التي ينبغي للقضاء إثبات البراءة والإدانة فيها، بل بمسار قضائي لم تُحترم فيه الأصول، ليتحوّل ادعاء، بسرعة قياسية، إلى مذكرة توقيف دولية .

وقد يهمك أيضاً :

سعد الحريري يُحسم الجدل بشأن تشكيل الوفد المُمثل للبنان في بروكسل

أميركا تُؤكّد حرصها على عدم إلحاق الأذى بلبنان جراء عقوباتها على إيران