عمان - العرب اليوم
أكد رئيس الوزراء الأردني الدكتور هاني الملقي، أن موقف المملكة بقيادة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، كان واضحًا وجليًا بإدانة القرار الذي اتخذه رئيس الولايات المتحدة الأميركية بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كونه يشكّل خرقاً للقانون الدولي.
وبيّن أن القرار ينتهك قرارات الشرعيّة الدوليّة التي تُجمع بدون غُموض ولُبس، بأن القدس مدينة محتلة، وأن كل الإجراءات والتدابير المتخذة من جانب إسرائيل في القدس، منذ احتلالها عام 1967، هي إجراءات باطلة ومنعدمة الأثر سياسيّاً وقانونياً، فضلاً عن أنّ هذا القرار الخطير والمرفوض يقوض تماماً آفاق استئناف مفاوضات السلام.
كما أكد رئيس الوزراء أن موقف الأردنّ، ثابت لن يتزحزح حيال القضيّة الفلسطينيّة، التي نشدّد دائماً على أنّها القضيّة المركزيّة، ونتعامل معها باعتبارها قضيّة وطنيّة خالصة، ولن يكون هناك أيّ تراجع لجهودنا أو مطالبنا العادلة بتجسيد حل الدولتين، الذي تقوم بمقتضاه الدولة الفلسطينيّة المستقلة، وذات السيادة، على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقيّة، تطبيقاً لقرارات الشرعيّة الدوليّة، وإنفاذاً لمبادرة السلام العربيّة التي تدعمها ثلثا دول العالم" .
وقال رئيس الوزراء في محاضرة ألقاها، الأربعاء، في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، ان عدم إحقاق العدالة في فلسطين، والمضيّ قدماً بالإجراءات الأحاديّة، المخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعيّة الدوليّة، ليس من شأنه فقط أن يقوّض أمن المنطقة واستقرارها، بل سيسهم حتماً في تغذية مشاعر الإحباط والقلق، الذي يعزّز المناخ السلبي الملائم لعمل عصابات الإرهاب والتطرّف، التي تستغلّ هذه الأجواء لاستقطاب مناصريها، وتنفيذ مخطّطاتها الإجراميّة.
ولفت الملقي الى ان الأردن بادر فوراً بعد القرار، بالدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة الأسبوع الماضي، "وقمنا بالتنسيق لعقد قمة إسلاميّة طارئة في اسطنبول قبل بضعة أيّام، انبثق عنها إجماع عربي وإسلامي على ضرورة الاعتراف بالقدس الشرقيّة عاصمة لفلسطين".
واكد ان الملك وبما يملك من مكانة رفيعة، واحترام كبير على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، قاد نشاطاً دبلوماسيّاً مكثّفاً، أفضى إلى تشكيل موقف دولي قوي واضح، لمحاصرة آثار هذا القرار، وكسب إجماع دولي ضدّه، "وقد نجحنا في ذلك إلى حدّ كبير" .
وقال "ستستمر جهودنا بذات الزخم والثبات، وبنفس العزيمة والإصرار، انطلاقاً من إيماننا المطلق بأنّنا الأقرب إلى فلسطين الشقيقة وأهلها، فنحن من خضّبت دماء شهدائنا الأبرار أراضيها المقدّسة، في باب الواد واللطرون والمكبّر وباب الساهرة وباب العامود وغيرها، ونحن الأردنيين واصلنا الدفاع عن ثرى القدس الطهور، وعن عروبتها، وذدنا ببسالة عن مقدساتها الإسلاميّة والمسيحيّة، وعن المسجد الأقصى المبارك/الحرم القدسي الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، بموجب الوصاية والرعاية الهاشميّة التاريخيّة على المقدسات، التي يحظى بها جلالة الملك وسنواصل هذا الدور باقتدار مشرف، وبعزيمة لا تلين، وبهمّة لا تفتر، وسنتصدّى بحزم لأي استهداف للمقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة".
واضاف اننا اليوم نضع العالم بأسره، أمام مسؤوليّة العمل باتجاه حل القضيّة الفلسطينيّة وإحقاق حلّ الدولتين، من خلال إلغاء القرارات الأحاديّة، وإطلاق مفاوضات جادّة وملتزمة ومحدَّدة، ضمن إطار زمنيّ واضح، يشمل كلّ قضايا الحلّ النهائي، وفي مقدّمتها القدس، واللاجئين، والأمن، والحدود، والمياه وفقاً للمرجعيات الدوليّة المعتمدة، وقرارات الشرعيّة الدوليّة، ومبادرة السلام العربيّة، وبما يلبّي مصلحة الأشقّاء الفلسطينيين، ويتسق مع المصالح الأردنيّة العليا المرتبطة بهذه القضايا.
ولفت إلى أن قرار الرئيس الأميركي كان له وقع كبير، وأسهم في إيجاد ردود فعل واسعة على مستوى العالم، "ولاحظنا جميعاً ردة الفعل الأردنية والعربيّة والإسلامية والدوليّة الرافضة لهذا القرار، والمحذّرة من آثاره الخطيرة، وتداعياته الوخيمة على الأمن والسلم الدوليين".
وبشأن محاربة الإرهاب، أكد رئيس الوزراء ان جهودنا المشتركة، مع القوى الدوليّة الفاعلة في التصدي لعصابات الإرهاب والتطرّف، وفي مقدّمتها عصابة "داعش" الإرهابيّة، "وقد حققنا نجاحات كبيرة في دحر هذه العصابات من أراض كانت قد سيطرت عليها في دول شقيقة، ولا بدّ من تحصين هذا المنجز من خلال العمل على إزالة كل أسباب امداد هذه العصابات بالذرائع والحجج التي تعتاش عليها لتبرير ما تقترفه من جرائم، ومنها عوامل الإحباط المتأتّية من عدم إحقاق العدالة في فلسطين، واستمرار التهميش والإقصاء والإلغاء لهذه القضيّة التي هي الأهمّ على مستوى العالم بأسره، وليس على مستوى المنطقة فحسب".
ولفت إلى أهمية الالتفات إلى مختلف القضايا الراهنة، والدفع باتجاه إيجاد الحلّ السياسي لها عبر بوابة الحوار الذي يجمع مختلف الأطياف السياسيّة، سواءً في سورية أو العراق أو اليمن أو ليبيا، وجميع البلدان الأخرى التي عانت من ويلات العنف والدمار، واستحلّتها عصابات الإرهاب الدمويّة، وبثّت فيها أسباب الخلاف والفرقة.
وأكد الملقي أن التحدّيات الكبيرة الماثلة أمامنا، تؤكّد ضرورة إعادة صياغة العمل العربي المشترك، على قواعد من الشراكة الحقيقية والتوازن والابتعاد عن التبعيّة، من أجل مواجهة التحديات التي يتعرض لها عالمنا العربي، ومن هذا المنطلق، نحتاج إلى إعادة تفعيل منظومة العمل العربيّ المشترك، من خلال تعزيز دور جامعة الدول العربيّة، بشكل يحقق تشاركيّة حقيقية في تعريف المخاطر المشتركة، التي تهدد الأمن القومي العربي، وفي إنتاج مقاربة توافقيّة مشتركة حول كيفيّة مواجهة هذه المخاطر وتشاركية حقيقة في صنع القرار، دون المساس بسعي الدول العربيّة نحو تعزيز مفهوم الدولة الوطنيّة، ودون المساس بالشأن الداخلي للدول الأعضاء.
واضاف ان هذا يتطلَّب تعظيم العلاقات الاقتصاديّة البينيّة بين الدول العربيّة، والعمل الجاد على إزالة العقبات والحواجز التي تقيّد حركة التجارة، وتجارة الخدمات، وحركة الأشخاص داخل الفضاء العربي، وتشجيع توجه الاستثمارات العربيّة بين الدول الشقيقة "وكل هذا من شأنه أن ينتج شبكة مصالح مشتركة وحقيقية، بشكل يعزز منعة العالم العربي، وتحسين ظروف أبنائه الاقتصادية والمعيشيّة".
وقال نحن في الأردن، وبنفس القدر الذي نؤمن فيه بضرورة وأهميّة نسج علاقات طيّبة وبنّاءة مع جوارنا الإقليمي، ومع العالم بأسره تستند إلى مبادئ حسن الجوار، والتعاون المثمر ما بين الدول استناداً إلى ميثاق منظمة الأمم المتحدة، فإننا نرفض كل أشكال التدخل الخارجي في شؤوننا الداخليّة أو في شؤون الدول العربيّة الشقيقة، ونعتبر أنّ أمن واستقرار كل دولة عربيّة شقيقة يشكل جزءاً لا يتجزأ من أمننا القومي.
وفي الوقت الذي أشار فيه أن مواردنا الاقتصادية في الأردن محدودة، الا انه اكد ان مواردنا البشريّة، وطاقات شعبنا وعزيمتنا حدّها السماء، وتفرض علينا التحديات التي نواجهها أن نعمل على تعزيز اعتمادنا على أنفسنا، لأنّ طريق الاعتماد على الذات هو الحلّ الأمثل للتغلُّب على التحدّيات التي نواجهها، وإن كانت هذه التحدّيات صعبة وتتطلَّب وقتاً وجهداً ليس بالهيّن.
وقال: "لقد فرضت علينا الظروف الإقليمية والدوليّة تحدّيات جديدة، وليس أدلُّ على ذلك من احتضان المملكة لأكثر من 30% من السكّان، من الذين قدموا بفعل التوتّرات والظروف التي عاشها وطننا العربيّ خلال السنوات الأخيرة، حيث نتقاسم مع أشقّائنا المقيمين بيننا مواردنا المحدودة أصلاً، وهذا ما نتميّز فيه عن الكثير من غيرنا".
وأضاف:"لكنّ طريق الاعتماد على الذات، ورغم صعوبته، إلّا أنّه يحصّن منعتنا الوطنيّةـ ويصوب الاختلالات التي يعاني منها اقتصادنا الوطني، ويحرّرنا تدريجيّاً من الاعتماد على المساعدات الخارجيّة، ومن هنا باشرنا بتطبيق برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي، يرتكز على مبدأ الاعتماد على الذات، ويسعى إلى تحقيقه، عبر إصلاح النظام الضريبي، ومكافحة ظاهرة التهرب الضريبي، وإزالة التشوّهات التي أصابت ضريبة المبيعات دون أن تحقق أيّ مردود إيجابي على أرقام النموّ الاقتصادي، مع توجيه الدعم إلى المواطن المستحقّ وليس إلى السلعة، والذي بات ضروريّاً من أجل حماية الطبقتين المتوسطة ومحدودة الدخل، وتمكينهما من تحمُّل أعباء المعيشة".
وأكد رئيس الوزراء انه تم بموجب الإجراءات التي جرى اتخاذها في المرحلة الأولى من البرنامج تثبيت نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي، وتخفيض عجز الموازنة العامة، وزيادة عوائد التبادل التجاري، وعوائد قطاع السياحة، وضبط الإنفاق، وترشيد الاستهلاك، واستبدال مفهوم التوظيف بمفهوم التشغيل، والاستثمار في التعليم والتدريب المهني والتقني لزيادة الفرص أمام الشباب، والمباشرة بتنفيذ خطة تحفيز النموّ الاقتصادي التي تستهدف تحقيق نمو اقتصادي يسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين.
وقال بالتوازي مع ذلك، فإنّنا نمضي في برنامج إصلاحيّ شامل، نسعى من خلاله إلى تحسين مستوى الخدمات المقدّمة للمواطنين، في مختلف القطاعات الصحيّة والتعليميّة وخدمات البنى التحتيّة، بالتزامن مع برنامج إصلاح إداريّ نسعى بموجبه إلى تطوير القطاع العام، ومحاربة الترهّل الإداري والفساد، والاستمرار في ضبط الإنفاق الحكومي، وتعظيم مشاركة المواطنين في تحديد الأولويات التنمويّة لمناطقهم، من خلال مجالس اللامركزية.
وأكد أنه ستتم المباشرة قريباً بمشروع إقامة مدينة جديدة، تستوعب النمو السكاني المتوقع لمدينتي عمان والزرقاء، لافتا الى ان هذا المشروع، وفضلاً عن الفوائد الذاتية التي سيحققها حال إنجازه، فإن العمل به سيؤدي إلى إيجاد فرص عمل جديدة، وإلى تنشيط قطاع الإنشاءات، والعديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، مع التأكيد على أنّ هذا المشروع سيقام على أراض مملوكة بالكامل للخزينة العامّة، وسينفذ ويمول من جانب القطاع الخاص.
وأكد أن المرحلة الحاليّة تحتم علينا العمل في إطار من الشراكة الحقيقيّة الكاملة ما بين السلطات، ونحن ملتزمون بالفعل بتعزيز الشراكة مع مجلس الأمة أعياناً ونوّاباً، من منطلق الإدراك الكامل بأنّ الشراكة هي السبيل لتجاوز التحديّات في هذه المرحلة الدقيقة، نحو آفاق أفضل لبلدنا الغالي.
وكان رئيس الوزراء استهل محاضرته بالتعبير عن اعتزازه بكلية الدفاع الوطني الملكية الاردنية، هذا الصرح العربي الأردني الذي بات - بفضل الله سبحانه وتعالى - وبرعاية ومتابعة ودعم جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الاردنية، وبعطاء ومثابرة قيادات جيشنا العربي المصطفوي، احد أهم صروح العلوم العسكرية والفكر والدراسات الاستراتيجية على صعيد المنطقة والعالم.
وأكد أننا لن نالو جهدا في المحافظة على هذا الصرح المتميّز، وتطويره ليظل منارة للعلوم العسكرية والدراسات الاستراتيجية، ينهل منها أبناء جيشنا العربي، والكوادر العسكرية من الدول الشقيقة والصديقة، وكوادر الإدارة الأردنية، وجرى حوار أجاب خلاله رئيس الوزراء على اسئلة واستفسارات الدارسين في كلية الدفاع الوطني وكلية القيادة والاركان بشأن جملة من القضايا على الساحة المحلية والاقليمية والدولية .
وردًا على سؤال حول تقرير ديوان المحاسبة، أشار رئيس الوزراء إلى أن تقرير ديوان المحاسبة يركز في مجمله واولوياته على التجاوزات المالية والإدارية التي قد تكون فسادًا أو إهمالاً أو عدم الالتزام بالتعليمات، مؤكدًا أن هذه الحالات جميعها مرفوضة وغير مقبول أن تكون في الإدارة العامة.
ولفت إلى أن الحكومة شكلت لجنة العام الماضي لتسوية وتصويب المخالفات الواردة حيث تم التنسيب إلى مجلس النواب بالقضايا التي فيها شبهات فساد، كون مجلس النواب صاحب الصلاحية بتحويلها مثلما تمت تسوية أمور استرداد أموال، ومبالغ تحصلت على موظفين في الادارة العامة وصدرت عقوبات وتعليمات بشأن المخالفات والتجاوزات الادارية.
وأشار إلى أن الحكومة ستشترك مع اللجنة المالية في مجلس النواب بما تاخذه من قرارات لتحويل القضايا والمخالفات إما للتصويب أو لمحاربة الفساد، مضيفًا إذا نظرنا لتقرير الديوان عن العام 2016، فإن يحتوي تجاوزات والقليل من الفساد .
وردًا على سؤال، قال رئيس الوزراء نحن كأمة عربية علينا أن نعي أن تحالفاتنا العربية يجب أن تسمو على أي تحالف آخر، مؤكدًا أنه لا تعارض بين مصالحنا القومية ومصالحنا القطرية كون المصلحة القومية تقوي من المصلحة القطرية ولا تضعفها .
ولفت الملقي إلى خطاب الملك في اسطنبول الأسبوع الماضي، وتأكيد الملك بأن التناغم العربي وتحييد الخلافات جانبا هو السبيل لإحقاق الحق واعادة الامور الى نصابها، مضيفا أن العلاقات العربية ليست مصالح اقتصادية، وإنما هي مصلحة حياتية ووجودية وعلى الدول العربية أن تتعامل بحسن الجوار مع دول الإقليم وألا تهيمن دولة على أخرى، مؤكدًا أن هذا موقف أردني قومي ومصلحة عربية يجب أن نعيد لها التقدير .
وأكد رئيس الوزراء ان ما يحكم علاقة الأردن مع الغير هو ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية التي يلتزم بها الأردن التزامًا كاملاً، مشددًا على أن الأردن يحترم جميع الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها ويلتزم بها وهذا مصدر فخر واعتزاز لنا جميعا .
ولفت رئيس الوزراء إلى أن هذه الحكومة لن ترحل المشاكل وستتصدى لها بكل مسؤولية، مشيرًا إلى أن الوطن يستحق التضحية منا جميعًا، للتجاوز التحديات الاقتصادية وإحداث التنمية المنشودة.
وكان أمر كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية العميد الركن ناصر المهيرات، رحب باسم مرتبات الكلية والدارسين والدارسات في دورات، الدفاع الوطني 15 والحرب 24 ومواجهة التطرف والإرهاب الأولى برئيس الوزراء .
واكد اهمية هذا اللقاء خاصة في هذه المرحلة التي يمر بها العالم بوجه عام ومنطقتنا على وجه الخصوص بتحولات استراتيجية عميقة القت بظلالها على كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، جاءت نتاجًا لبيئة استراتيجية ديناميكية ومتحركة تتطلب منا جميعا قراءتها بدقة للتكيف مع هذه المتغيرات بحيث يضمن الحفاظ على أمننا الوطني وثوابتنا وقيمنا وشخصيتنا الوطنية المستقلة وتعزيز شبكة علاقاتنا ودبلوماسيتنا الفاعلة المرنة التي يقودها جلالة الملك بما يضمن تحقيق مصالحنا الوطنية العلي.