الرباط - العرب اليوم
أعرب المشاركون في البيان الختامي لندوة "مأزق الوضع العربي الراهن: الممكنات والآفاق"، المنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الـ40، عن قلقهم البالغ بشأن الأزمة التي أصبح يعيشها العالم العربي، بعد مرور سبعة أعوام على الحراك الشعبي، داعين البلدان العربية إلى ضرورة "أن تبادر إلى إصلاحات عميقة، سواء في الداخل القطري، أو في العلاقات الإقليمية البينية أو الدولية".
ودعا البيان الختامي للندوة، التي تحدث فيها زهاء 40 متدخلًا يمثلون مختلف الدول والأطياف الفكرية والسياسية العربية، إلى "توخي اليقظة والحذر بشأن إستراتيجيات القوى الشمولية، والعابرة للقوميات بشأن المنطقة العربية، ونتائج تحالفاتها مع القوى الإقليمية الصاعدة، بما فيها إيران وتركيا، وكذلك إسرائيل، وما يمكن أن تشكله مواقفها من تحد للأمن القومي العربي". مشددين على ضرورة "إعادة النظر في قنوات التعاون العربي، وتمتيعها بالوسائل والمصداقية الضرورية لممارسة دورها في تسوية المنازعات البينية، وتحقيق الاستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب، وفتح قنوات التعاون المنتج والبناء بين مختلف الأقطار العربية"، كما أكدوا على ضرورة "اعتبار قضية فلسطين قضية مركزية بالنسبة لكل البلدان العربية، ورفض كل ما يُروَّج حول صفقة القرن، واعتبار المبادرة العربية للسلام هي الصفقة الحقيقية التي تحفظ حقوق كل الأطراف، وتحقق السلام والاستقرار. وتضمن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتفويت".
وعلى صعيد الإصلاحات القطرية، أوصى البيان الختامي بإعطاء الأولوية لإصلاح التعليم، والعمل على بناء الإنسان العربي، والتحلي بقيم المواطنة والحداثة في ظل المحافظة على الموروث الثقافي والفكري. كما أوصى بإيلاء اهتمام خاص للمرأة والشباب، والقضاء على أشكال الفساد، والقيام بإصلاح اقتصادي واسع لتشجيع الاستثمار المنتج، مع دعم الفئات الفقيرة وحماية الطبقة المتوسطة، داعيًا إلى "احترام إرادة المواطنين وتمكينهم من خلال صناديق الاقتراع، واحترام حقوق الإنسان، وتمكين المعارضة من ممارسة دورها في النقد، وحماية حقوق الأقليات"، مع "دعم فعاليات المجتمع المدني الوطني، ورد الاعتبار لدور الأحزاب السياسية".
ودارت أشغال الندوة التي امتدت على يومين حول ثلاثة محاور، همت حراك الشارع ودور الأنظمة الحاكمة، ومعوقات التحول الديمقراطي، وأخيرا مصاعب العبور من المأزق إلى الانفراج.
وأشار عبدالخالق عبدالله، الباحث الإماراتي في العلوم السياسية، إلى غياب أي دولة عربية عن لائحة الدول التي تعتبر ديمقراطيات مكتملة في العالم، وتساءل عن أسباب عدم تمكن المنطقة العربية على مدى قرن من الزمن من إفراز نموذج مستقر، يشكل مرجعًا لدعاة الديمقراطية. مبرزًا أن نتائج سبعة أعوام من الربيع العربي كانت كارثية، إضافة إلى بروز أحلام الإمبراطوريات التاريخية لدى قوى الجوار في إيران وتركيا، وتراجع الاهتمام الدولي بالتحول الديمقراطي، خاصة في أوروبا وأميركا، الشيء الذي يجعل الأفق يبدو قاتمًا.
أما الباحث الموريتاني عبدالله ولد باه فتساءل عن موقع "فكرة العروبة"، وإن كانت لا تزال فكرة مرجعية وملهمة للعرب، مشيرًا إلى أن الكثير من المبادرات طرحت منذ التسعينات كبدائل لها، من جانبه، تحدث نبيل عمرو، الدبلوماسي الفلسطيني ووزير الإعلام سابقًا، عن تحديات ومعوقات بناء السلطة الوطنية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن اتفاقية أوسلو شكلت بداية جيدة. غير أن التجربة ظلت رهينة التقلبات السياسية في إسرائيل، والتي حولت مشروع السلام إلى نقيضه بدخول إسرائيل في حرب لم يسبق لها مثيل ضد الفلسطينيين، وزاد موقف الرئيس الأميركي ترامب الأوضاع سوءًا. مضيفًا أن الربيع العربي وتداعياته زاد الوضع قتامة بسبب تراجع مركز القضية الفلسطينية على سلم اهتمام الدول العربية، التي انشغلت بشأنها الداخلي.
أما مصطفى نعمان، سفير اليمن السابق لدى إسبانيا، فأوضح أن ممارسة الديمقراطية في العالم العربي تعني أن المواطن يدلي بصوته في الانتخابات، بينما الحاكم هو الذي يعلن النتائج بالنسب التي يريد. وتحدث عن جدلية شرعية الحكم التي تُستمد من النصوص ومشروعيته التي تُستمد من قبول الناس بالحاكم، مشيرًا إلى أن الكثير من الأنظمة العربية لا تستجيب لأي منها.
وبشأن التجربة المغربية، أشار عبداللطيف وهبي، النائب البرلماني والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، إلى أن إشكالية الربيع العربي هي أنه أتى بالإسلاميين إلى الحكم، الشيء الذي جعل الحاضنة الغربية للديمقراطية تراجع موقفها. مضيفًا أن حزبه الذي يواجه الإسلاميين لم يستطع إقناع الرأي العام، وبالنسبة للوضع الحالي، أشار إلى أن حزبه وحزب الإسلاميين أصبحا معًا ضعيفين أمام صعود قوة شبكات التواصل الاجتماعي، وقوة الرأسمال الوطني، الذي هيمن على مفاصل الدولة، مبرزًا أن الصراع الأساسي أصبح يدور بين هاتين القوتين، وكان من تجلياته حملة المقاطعة لمنتوجات ثلاث علامات مغربية.
وفيما يتعلق بتجربة تونس، أوضح نجيب فريجي، مدير المعهد الدولي للسلام للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن انطلاقة الربيع العربي كانت من فعل العاطلين في منطقة الحوض المنجمي، وامتدت بعد حادث احتراق البوعزيزي. غير أن الإخوان المسلمين سيطروا على الحكم وفشلوا فشلًا ذريعًا على حد قوله. مضيفًا أن الرئيس باجي قائد السبسي فاز على الإسلاميين بفضل أصوات النساء.
من جانبه، أشار نظير مجلي، الإعلامي والباحث السياسي الفلسطيني، إلى أن الديمقراطية لا يمكن أن تأتي مباشرة بعد المظاهرات في تونس، بل تأتي عبر مسار طويل عميق، يتم فيه ترسيخ مبادئ وقيم وقناعات الديمقراطية داخل المجتمع عبر التعلم والممارسة، أما السفير الفلسطيني السابق حسن عبدالرحمن، المدير التنفيذي لمجلس علاقات العالم العربي مع أميركا اللاتينية "كارلاك"، فقارن بين تجربة العالم العربي وأميركا اللاتينية في مجال التحول إلى الديمقراطية، لافتًا إلى أن دول أميركا الجنوبية عرفت حروبًا أهلية طاحنة وأنظمة عسكرية شرسة، لكنها نجحت في انتقالها بخلاف الربيع العربي.
بدوره، ركز المحلل السياسي والإعلامي اللبناني إياد أبو شقرا على موقع الإنسان العربي ودوره في هذه التحولات. وقال "إن الإنسان العربي هو الأساس والمرتكز، وهو البعد الذي يستحيل الانصراف إلى غيره قبل التوقف عنده والبحث في أموره مليًا"، وتساءل عن الأدوار الجديدة للمجتمع المدني وللإسلام السياسي في التحولات التي يعرفها العالم العربي، مشيرًا إلى الخيار الصعب بين استخدام الإسلام السياسي في مواجهة حكم العسكر واللجوء إلى حكم العسكر كوسيلة للحد من جنوح الإسلام السياسي، معتبرًا هذا الخيار الصعب بمثابة أزمة كبرى بنيوية في المجتمعات العربية.
ومن جهته، عزا الكاتب الصحافي مأمون فندي، مدير برنامج الشرق الأوسط وأمن الخليج بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، أساس الأزمة التي يعيشها العالم العربي إلى غياب المعلومة، وفيما اعتبر رياض يوسف حمزة، رئيس جامعة البحرين، أن الحل يكمن في إصلاح التربية والتعليم، والانخراط في قضايا العصر. ربط الروائي التونسي حسونة المصباحي نجاح الديمقراطية في أوروبا الشرقية بوجود تقاليد ديمقراطية. وقال إن حكومات ما بعد الاستقلال عجزت عن مواصلة الإصلاح خاصة في الشأن الديني، وبدل ذلك انتشر العنف الأصولي. معتبرًا أن المخرج هو تقوية قدرات النساء والشباب.
ونوه الباحث المغربي المختار بنعبدلاوي بأن تجارب الانتقال الديمقراطي في المجتمعات المبنية على القبائل والعشائر والطوائف الدينية مصيرها الفشل، بخلاف المجتمعات المهيكلة حول النقابات والجمعيات وهيئات المجتمع المدني، بينما تساءل الكاتب السعودي هاني نقشبندي إن كانت الديمقراطية هي الشكل المناسب لعقلية العربي، مشيرًا إلى أن العربي مولع بالفردانية وبالقوة، ودعا إلى ضرورة الاهتمام بالعقلية العربية والبحث عن الشكل المناسب لها.