بيروت ـ العرب اليوم
أكد رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي "أن أي استقالة غير محسوبة العواقب يمكن أن تؤدي إلى أزمة سياسية أخرى في لبنان"، فيما دعا الأطراف كافة إلى "التوافق على قانون انتخابات جديد، يليه تشكيل حكومة جديدة"، إذ يعتبره أفضل سبيل لضمان الاستمرارية والاستقرار في هذه الظروف العصيبة". وفي حديث إلى محطة" العربية " على هامش مشاركته في الاجتماع السنوي لـ " المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2013 "الذي يبدأ أعماله صباح الخميس في مدينة دافوس في سويسرا بمشاركة أكثر من 45 من رؤساء الدول والحكومات تحت عنوان "الديناميكية المرنة، إذ سيناقش المشاركون في أكثر من 250 جلسة وورشة عمل في خلال المنتدى أسئلة تشمل كيف يمكن أن يعود الاقتصاد العالمي إلى النمو النشط، وكيفية تأقلم نماذج الأعمال في العالم مع المتغيرات الهيكلية. وكان الرئيس ميقاتي قد غادر بيروت الأربعاء متوجهًا إلى دافوس، وقد التقى بعد الظهر وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، وبحث معه العلاقات الثنائية بين لبنان وتركيا والوضع الراهن في المنطقة. واستقبل الرئيس ميقاتي وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري آموس، وبحث معها موضوع إغاثة النازحين السوريين إلى لبنان، والخطة التي أعدتها الحكومة اللبنانية في هذا الصدد، فيما استقبل أيضًا ممثلة المنظمة العالمية للغذاء السيدة إرنست كوزين، وبحث معها التعاون القائم بين لبنان والمنظمة، لا سيما في مجال إغاثة النازحين السوريين، وإمكان توقيع مذكرة تفاهم بين لبنان والمنظمة واعتماد لبنان مركزًا ثابتًا لعمل المنظمة بين لبنان وسورية . وعلى هامش مشاركته في الاجتماع السنوي لـ"المنتدى الاقتصادي العالمي" المنعقد في مدينة دافوس في سويسرا تحدث الرئيس ميقاتي إلى "محطة العربية" سئل في بدايته عن أسباب استمراره في رئاسة الحكومة على الرغم من كل ما يجري في المنطقة فقال إن "الأسباب التي شجعتني على قبول تكليفي برئاسة الحكومة في العام 2011 هي نفسها التي تدفعني إلى الاستمرار، فمنذ سنتين كان لبنان قاب قوسين أو أدنى من عودة التوتر الأمني، نتيجة التناحر السياسي بين الأطراف المتنافسة، وشعرت حينها أن قبولي تشكيل الحكومة، كطرف مستقل بين الفريقين المتنازعين يمكن أن ينزع فتيل الأزمة، وهذا ما يمكن القول، بكل تواضع، بأنني نجحت في تحقيقه، واليوم، مع تردي الأوضاع في سورية والأزمة السياسية السائدة، فإن أي استقالة غير محسوبة العواقب يمكن أن تؤدي إلى أزمة سياسية أخرى، لذلك فإنني دعوت الأطراف كافة إلى التوافق على قانون انتخابات جديد، يليه تشكيل حكومة جديدة، وهذا في رأيي أفضل سبيل لضمان الاستمرارية والاستقرار في هذه الظروف العصيبة، وفي نهاية الأمر، لا يمكن للمرء أن يتهرب من المسؤولية اليوم حتى لا يتحمل مسؤولية المستقبل، وإنني لا أخشى تحمل المسؤولية، لاسيما متى كان ذلك في سبيل خدمة وطني. وأضاف "أنا أسعى من خلال مشاركتي في أعمال المنتدى بأن أناشد قادة السياسة والاقتصاد، بأن ينظروا إلى لبنان على أنه منارة الحرية والتعددية في المنطقة، كما أنني سأناقش الأهمية الإستراتيجية لسياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها حكومتنا لحماية لبنان من تداعيات العواصف الإقليمية. وفي خلال مشاركاتي السابقة كان اهتمامي الرئيسي مركزًا على التطورات المرتقبة في العالم العربي، إذ إنني لطالما شعرت أن حالة الركود السياسي التي كانت مفروضة على عدد من الدول العربية، لن تستمر طويلا، وإن حراكًا ما يتبلور في الأفق، أما اليوم، فإنني أشارك كرئيس وزراء لبنان في دافوس، في زمن التغيرات العالمية والتطورات، إذ تسعى الدول العربية إلى تحقيق إصلاحات سياسية، وتسير صوب التغيير وصوب مزيد من المشاركة في الحياة السياسية وصولا إلى تحقيق الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان. لذلك فإنني سأركز في مشاركتي على الوضع في لبنان، البلد الذي أثبت في محيطه أنه مثال في الديمقراطية والتسامح والتعددية. وردا على سؤال قال "يحتاج الشباب العربي إلى زيادة الوعي بقضاياه ومستقبله، ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا من خلال التعليم وفرص العمل، حتى نضع حدًا للجهل، ونوفر ظروفًا معيشية أفضل. وإن من شأن هذا التوجه أن يسهم في مكافحة التطرف، سأقترح على مختلف الجهات المشاركة، حكومات ومنظمات دولية ومؤسسات مالية أن تسهم بخبراتها التقنية، مدعومة بمساعدات مالية، لوضع خطة عمل يمكن تطبيقها في إطار مؤسسة جديدة، تهدف إلى تشجيع الشباب، رجالا ونساء، على الانضمام إلى مؤسسات القطاع العام ترسيخًا لمبادئ الحوكمة الرشيدة والفعالية وزيادة إنتاجية المؤسسات الحكومية. وفي هذا الإطار، سأقترح إنشاء مؤسسة في بيروت لتقديم برنامج متكامل حول الحوكمة الرشيدة". وعن إمكان استعادة لبنان عافيته الاقتصادية وجذب الاستثمارات والسياح وتعزيز مزاياه التفاضلية في ضوء الأوضاع في المنطقة أكد" لا يمكن لأي دولة في الوضع الجغرافي للبنان إلا أن تتأثر من تداعيات الاضطرابات الإقليمية. ونحن كحكومة نبذل قصارى جهدنا لعزل لبنان عن هذه التداعيات، صحيح أن عدد السياح في هذه السنة قد تضاءل عن السنوات السابقة، وأننا لم نتمكن من استقطاب إلا كمية قليلة من الاستثمارات في قطاعات محددة، ومع ذلك، فإن قطاعنا المصرفي ما زال يشهد زيادة في نسبة الودائع واقتصادنا حقق نسبة نمو حقيقي، إذن فإننا على الرغم من كل ما تشهده المنطقة، ما زلنا في وضع جيد، ليس بالمقارنة مع الآخرين من دول الجوار فحسب، بل بالمفهوم الاقتصادي الشامل". وأضاف "لا يجوز أن ينسى أحد قدرة اللبناني على الصمود والتأقلم مع مختلف الظروف والتغلب على الصعاب، وما يساعدنا على تجاوز الأزمات، هو أننا أكثر المجتمعات انتشارًا في العالم، إذ أن اللبنانيين يعيشون في أكثر من 100 دولة، وقد حافظ معظمهم على صلات مع عائلاتهم في لبنان وهم يزورون لبنان في الصيف وفي خلال العطلات. وقد لعب اللبنانيون المقيمون في الخارج دورًا رئيسيًا في الاستثمار في القطاع العقاري وفي المشاريع الصناعية، إن ميزتنا التفاضلية هي من دون شك رأس مالنا البشري المنتشر في العالم، والمستعد للعودة إلى الوطن، حتى في الظروف الصعبة". وردا على سؤال قال إن "الدين العام الذي يقارب 56 مليار دولار، ما زال تحت السيطرة، حتى إن سيطرتنا عليه تتحسن باستمرار، إذ أن نسبة الدين العام من العملات الأجنبية تتناقص باستمرار، إذ يتم استبدالها بديون بالليرة اللبنانية أقل خطرًا، لقد وضعت الحكومة سقفًا للدين العام بالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي، بحيث لا يتخطى الدين نسبة 7.5% لكن علينا أن نزيد من عائدات الخزينة وأن نخفف من الأعباء المالية ومن خدمة الدين العام. كما أن ديننا العام في معظمه بات دينًا داخليًا، لمؤسسات مالية لبنانية، مقسم بين المصارف التجارية ومصرف لبنان المركزي. والخروج من هذا الدين ممكن في إطار حلول اقتصادية متكاملة ضمن المنظور الاقتصادي اللبناني حيث إن إيجاد حل لكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية على سبيل المثال يمكن أن يخفض عجز الموازنة بنسبة تتجاوز 60 %، ليصبح بالتالي أقل من 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا رقم طبيعي بالنسبة إلى الكثير من دول العالم. وقال "إن الحلول التي ترى حكومتنا أنها قادرة على حل مشكلة الدين العام عبرها تتمحور حول أربع نقاط: -إدارة أكثر فعالية للإنفاق الحكومي، -تحسين إدارة الممتلكات الحكومية ، إذ أن الحكومة على سبيل المثال تعتبر أكبر مالك للعقارات التي زادت قيمتها بشكل كبير، من دون أن ننسى الثروات المؤكدة والواعدة من النفط والغاز في مياهنا الإقليمية. - تحسين إدارة الدين العام في حد ذاته، -الإفساح في المجال أمام مساهمة القطاع الخاص في تمويل البنى التحتية.كما أن لبنان يتمتع بعلاقات جيدة مع جميع دول العالم، باستثناء إسرائيل. إن أصدقاء لبنان لطالما أظهروا اهتمامهم واستعدادهم لمساعدته من دون تردد، ومع ذلك فإنني لا أرى حاجة إلى عقد مؤتمر ثالث لأصدقاء لبنان على غرار "مؤتمر باريس 2" لاسيما مع الحزمة المطمئنة من العملات الصعبة في احتياطي مصرف لبنان المركزي.