بيروت ـ جورج شاهين
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، السبت، قداس عيد مار مارون في كنيسة مار أنطونيوس في باب توما في العاصمة السورية دمشق، معتبرًا أن "الإصلاحات لازمة في كل مكان، في كل دولة، في كل وطن، كما هي لازمة في كل إنسان. لكن الإصلاحات لا تُفرض فرضًا من الخارج، بل تنبع من الداخل حسب حاجات كل بلد". جاء ذلك في حضور ممثل الرئيس السوري بشار الأسد وزير الدولة لشؤون الهلال الأحمر جوزيف سويد، وحشد كبير من رعية الكنيسة ورجال الدين من مختلف الطوائف المسيحية. وقد عزفت فرقة الكنيسة النشيد السوري وترانيم مختلفة. وقال البطريرك الماروني الكردينال في أول كلمة له فور وصوله، بعد ظهر السبت، في زيارة ملتبسة أثارت ردات فعل مختلفة إلى العاصمة السورية دمشق، إنه أراد من هذه الزيارة إعلان قربه وتضامنه مع كل المتألمين من جميع الطوائف، وبخاصة مع إخوتنا المسيحيين من كل الكنائس، ومع أبنائنا وبناتنا الموارنة، في هذا الظرف الأليم من حياة سورية الجريحة والمتألمة، حيث العنف والحرب والإرهاب والقتل والتنكيل والتعذيب والتهجير والتدمير. وتوجه إلى كل المؤمنين بالقول: من دمشق نقول معكم: كفى. نقولها لكل الذين يمارسون كل هذه المآسي. كفى للحرب والعنف، كفى للقتل وتدمير البيوت والمعالم الحضارية، كفى تهجيرًا للمواطنين الآمنين الأبرياء، كفى إذكاء نار الحرب والدمار والقتل من أي جهة أتى. يقولوا من أجل الإصلاحات، الإصلاحات لازمة في كل مكان، في كل دولة، في كل وطن، كما هي لازمة في كل إنسان. لكن الإصلاحات لا تفرض فرضًا من الخارج، بل تنبع من الداخل حسب حاجات كل بلد. ولا أحد أدرى بشؤون البيت مثل اهله. الاصلاحات تتم بالحوار، بالتفاهم والتعاون، هذا ما ندعو إليه مع كل محبي السلام العادل والشامل والدائم، حيث يعطى الجميع حقوقهم ويلزم الجميع بواجباتهم، وإن كان لا بد من دور للأسرة الدولية، فليكن في هذا الاتجاه". وألقى الراعي عظة قال فيها: "يسعدنا أن نحتفل بعيد أبينا القديس مارون معكم هنا في كنيسة المطرانية المارونية، كنيسة مار انطون في دمشق العزيزة، ملبين دعوة سيادة أخينا المطران سمير نصار راعي الأبرشية الذي أحييه مع كهنة الأبرشية وأبنائها وبناتها. ويطيب لي أن احيي سيادة السفير البابوي وإخوانه السادة المطارنة من مختلف كنائسنا الشرقية العزيزة، وأحيي الكهنة والرهبان والراهبات". وتابع: "إنها زيارة صحيحًا خاطفة للأبرشية، لكنها تحمل للأمن والسلام كل دلالاتها. منذ زمن وانا أتمنى ان نصل إلى هذه الأرض ونصلي معا. نزور أبرشيتنا في دمشق، لكننا نحمل في صلاتنا أيضا أبرشيتينا الأخريين في سورية، أبرشية حلب وأبرشية اللاذقية. ولكنها زيارة أيضًا لكل الكنائس الشقيقة في سورية". وأردف مخاطبًا المشاركين بالقداس: "نهنئكم بعيد القديس مارون، ملتمسين من الله أن يفيض عليكم كل خير وبركة ونعمة، وأن يلهم ضمائر المسؤولين المحليين والاقليميين والدوليين، ويدفع بهم الى العمل على وضع حد فوري لدوامة العنف والحرب في سورية. العزيزة، وإحلال السلام بالتفاهم والحوار حول المواضيع الخلافية". وقال: "رأيت النازحين إلى لبنان والطريق إلى دمشق فارغة خاوية، لكن على الفور قرأت قصة حبة الحنطة، ونحن نؤمن أن آلامنا بعد آلام المسيح، ومعه أصبحت آلام المخاض. نحن نسأل الرب حقن كل الدماء، كل الدموع، كل المشردين، كل المهجرين، كل الذين يبكون ويتألمون، أن يضموا آلامه إلى آلامهم، أن يجعلها آلام مخاض من أجل ولادة جديدة، إنسان جديد ومجتمع جديد وكنيسة جديدة، دولة جديدة تحمل كل القيم الذي يرغبها شعبها الطيب، نحن معكم في دمشق لنشارك، الأحد، في حفل تنصيب البطريرك يوحنا العاشر بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ويرافقنا السفير البابوي السابق في بلدان الخليج المطران بولس الهاشم، ونائبنا البطريركي المشرف على شؤون القانون، وعلى توسيع العدالة في محاكمنا المارونية المطران حنا علوان، كما يأتي معنا مسؤولون في مكتبنا الإعلامي في الكرسي البطريركي". أضاف: "لقد أردنا من مشاركتنا في تنصيب البطريرك الجديد، تعبيرًا عن تقديرنا الكبير ومحبتنا له وللكنيسة الإنطاكية الروم أرثوذكسية. أردناها مشاركة لروابط التعاون الرعوي والوحدة المسكونية مع هذه الكنيسة ومع سائر كنائس الشرق الأوسط، وفي طليعتها كنائس سوريا. نحن مدعوون كلنا على تنوعنا لبناء الشركة الروحية في ما بيننا ومع سائر مواطنينا، ولأداء الشهادة لمحبة المسيح والقيم الانجيلية الروحية والأخلاقية والإنسانية في مجتمعاتنا العربية. جئنا نصلي معكم، بل جئنا لنواصل صلاتنا معكم من أجل السلام في سورية، من أجل الضحايا البريئة ومن أجل تعزية أهلهم، ومن اجل عودة النازحين إلى أراضيهم وأهلهم، وعلمت أن الذين نزحوا من أرضهم في داخل سورية وخارجها أربعة ملايين". وقال: "تميزت المارونية منذ نشأتها إلى الآن بميزات ثلاثة: الميزة الأولى عقائدية كاثوليكيتها بوجهيها: الاتحاد الدائم بكرسي بطرس في روما، وانفتاحها على الشمولية وجامعية الكنيسة. والميزة الثانية سياسية، مطالبتها الدائمة بوطن ورفضها الانتماء إلى الإمبراطوريات القائمة والمتتالية: البيزنطية والأموية والعباسية والعثمانية، حتى استقرت في لبنان وحققت فيه حلمها، وتجسدت في الشرق العربي، ومنه انتشرت إلى أنحاء العالم. والميزة الثالثة، بحثها الدائم عن الحرية الشخصية والجماعية بوجه ما تفرضه المجموعات الدينية والعشائرية أو الوطنية على اتباعها". وأردف: "لمناسبة الصوم الكبير الذي سنبدأه، وجهت رسالة عنوانها "الصوم الكبير رحلة عبور نحو الفصح". وأود أن أقول لكم أن تنظروا إلى عبر الصوم الكبير، إلى آلامكم وما تعانون منها، عبورًا نحوالفصح. هذا هو إيماننا الكبير، هذا ما نحن نرجو، إن آلام المسيح الخلاصية تمتزج بآلامكم وبآلامنا، لكن الماساة لم تنته يوم الجمعة، بل اكتملت بالقيامة يوم الأحد، لذلك نحن نجعل من هذا الصوم الكبير رحلة روحية عظيمة، نستحق من خلال حياتنا المسيحية ومن أعمال المحبة، نعمة العبور". وختم بالقول: "نحن نرجو ربي ونصلي أن تكون هذه الأحداث المرفوضة والمؤلمة، فصح سورية كحياة جديدة، كما نريد الازدهار والسلام".