عدن - حسام الخرباش
دخل الملف اليمني مرحلة أكثر صعوبة بعد إطلاق الحوثيين، السبت الماضي، لصاروخ باليستي نوع "بركان 2H" على العاصمة السعودية الرياض، مستهدفين مطار الملك خالد ،وأعلنت حينها قوات التحالف العربي إسقاط الصاروخ في السماء، وتناثر شظاياه في منطقة خالية شرقي المطار، ووجهت السعودية الاتهام مباشرة إلى إيران، واتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طهران، بتزويد المتمردين الحوثيين في اليمن بالصواريخ، معتبرًا أن هذا الأمر يمثل "عدوانًا عسكريًا ومباشرًا من النظام الإيراني" ضد المملكة.
وعلى إثر الصاروخ قام التحالف بإغلاق جميع المنافذ اليمنية بينها ميناء الحديدة المنفذ الوحيد للمناطق الخاضعة إلى سيطرة الحوثيين والرئيس السابق علي صالح ومن خلاله تصل مساعدات والغذاء والأدوية والمشتقات النفطية للمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين، ونفى الجانب الإيراني صلته بإطلاق الصاروخ على الرياض، حيث نفى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في اتصال مع نظيره البريطاني بوريس جونسون، الاتهامات السعودية بشأن تورط بلاده بالصاروخ الذي كان يستهدف مطار الملك خالد بالرياض ،واصفاً الاتهامات لبلاده بدعم الحوثيين بصواريخ وأسلحة بالمغلوطة والخطيرة، والمتعارضة مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وبعثت إيران رسالة مجلس الأمن بشأن ما تصفه باستفزازات السعودية، ورفضت ايران في رسالتها الاتهامات السعودية التي تتهمها بتزويد الحوثيين بالصواريخ، واعتبرت طهران تلك الاتهامات تهديدا باستخدام القوة، واتهم البيت الأبيض الحرس الثوري الإيراني بـ"إتاحة" تنفذ هجمات الحوثيين الصاروخية باتجاه المملكة العربية السعودية، مؤكّدًا أن هذه الهجمات تهدد الأمن الإقليمي وتقوض مساعي الأمم المتحدة للتفاوض على نهاية للصراع.
ودان البيت الأبيض الهجمات الصاروخية التي تشنها ميليشيا الحوثي "المدعومة من إيران" على السعودية، مؤكداً أن الأنظمة الصاروخية في اليمن لم تكن موجودة قبل بدء الأزمة، وكانت الولايات المتحدة اتهمت إيران، الثلاثاء، بإمداد الحوثيين في اليمن بصاروخ أطلق على السعودية في يوليو/تموز الماضي ، ودعت الأمم المتحدة إلى تحميل إيران المسؤولية عن انتهاك قرارين لمجلس الأمن.
وقالت السفيرة الأميركية في المنظمة الدولية، نيكي هيلي، إن المعلومات التي كشفت عنها السعودية أظهرت أن الصاروخ الذي أطلق في يوليو إيراني من طراز (قيام)، ووصفته بأنه "نوع من الأسلحة التي لم تكن موجودة في اليمن قبل الصراع"، أما بريطانيا فقد أدانت إطلاق الصاروخ على الرياض ،وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون أن بلاده تدين إطلاق الحوثيين لصاروخ على الرياض ،مؤكداً وقوف بلاده مع السعودية لمواجهة التهديدات الأمنية، أما الموقف الروسي فقد كان محايد ،وعبرت وزارة الخارجية الروسية عن قلقها من إطلاق صاروخ من قبل الحوثيين نحو الرياض إضافة إلى قلقها من إغلاق التحالف للمنافذ اليمنية محذرة من تصعيد الأعمال العدائية ما يهدد بسقوط المزيد من الضحايا المدنيين ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية الحرجة في اليمن.
وفي بيان للخارجية الروسية فإن مثل هذا السيناريو يتعارض مع ما هو مطلوب للتوصل إلى حل مبكر وطويل الأمد للأزمة اليمنية، ويؤخر أي جهد لإعادة الاستقرار والوفاق الوطني في البلاد، وأشار البيان إلى موقف موسكو المبدئي الداعي إلى وقف المواجهة في اليمن بأسرع ما يمكن، وتجاوز الخلافات الموجودة هناك من خلال المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى أساس توافق واسع بين أبرز القوى السياسية اليمنية، أما المنظمات الدولية التي تعمل باليمن فقد رفضت قرار إغلاق المنافذ اليمنية .
ووجهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي نداء يطالب بسرعة فتح المنافذ اليمنية والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية، وقال المدير الإقليمي للصليب الأحمر بمنطقتي الشرق الأدنى والشرق الأوسط روبير مارديني إن "خطوط الإمدادات الإنسانية إلى اليمن يجب أن تبقى مفتوحة، فالغذاء والدواء والمستلزمات الضرورية الأخرى لا غنى عنها لنجاة 27 مليون يمني"، ولفتت اللجنة الدولية إلى أن شحنة أقراص من الكلورين أرسلتها لكي تستخدم للوقاية من مرض الكوليرا لم تحصل على تصريح بالدخول عبر الحدود الشمالية لليمن، مشيرة إلى أنه يتوقع أن تصل كذلك إمدادات طبية بينها 50 ألف زجاجة أنسولين بحلول الأسبوع المقبل.
وأضاف مارديني "لا يمكن للأنسولين الانتظار على الحدود المغلقة، إذ يجب أن يبقى مبردا.. ودون التوصل إلى حل سريع لإغلاق الحدود، ستكون العواقب الإنسانية وخيمة"، وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن تأثير قرار إغلاق المنافذ بدأ بالفعل يؤثر على حياة الناس داخل اليمن، وأكّد المتحدث باسم المكتب يانس لاركيه، أنّ قطع خط الإمدادات سيعمق انعدام الأمن الغذائي ويزيد الأزمة الإنسانية. ودعا المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى مواصلة فتح المعابر الجوية والبرية والبحرية اليمنية للسماح بدخول صادرات الغذاء والوقود والأدوية إلى اليمن، أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فقد دعت إلى إبقاء الحدود مع اليمن مفتوحة لدخول المساعدات.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون باتجاه الرياض جريمة حرب، لكنها الهجوم غير القانوني الذي قام به الحوثيون لا يبرر أن تزيد السعودية من الكارثة الإنسانية اليمنية بزيادة القيود على المساعدات وإمكانية الدخول إلى اليمن، مشيرة إلى أن ادعاءات التحالف السابقة بأنه سيلتزم بالقانون الدولي لدى فرض حصار تبين أنها غير صحيحة.
وحذرت لجنة الشؤون العربية في مجلس النواب المصري من أن خطر الحرب في اليمن يهدد اليمنيين ويزيد من الكوارث الإنسانية، وأكدت اللجنة مواقفها الثابتة بشأن دعم مؤسسات ورموز الدولة الشرعية فى اليمن، وأهمية الاضطلاع بمسئولياتها من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية، ومصالح الشعب اليمنى الشقيق، وناشدت اللجنة الأطراف السياسية اليمنية المختلفة بالعمل على تحقيق التوافق وعدم اللجوء الى استخدام القوة، وأن تتمسك بقيم الوحدة وتنحية الخلافات والحفاظ على أمن وسلامة اليمن الشقيق.
وذكرت "أطباء بلا حدود"، في بيان، أن إعلان التحالف العربي إغلاق المعابر والحدود اليمنية تضمن الأخذ بعين الاعتبار، ضمان دخول وخروج المساعدات والعاملين في المجال الإنساني، إلا أن ذلك الضمان لم يتم تنفيذه حتى اللحظة، وقال رئيس بعثة المنظمة إلى اليمن جاستين آرمسترونغ، حسب البيان نفسه، "رغم المحاولات المستمرة لطلب الحصول على إذن لدخول طائراتنا لليمن قادمة من جيبوتي، إلا أن التحالف لم يسمح بذلك"، وحذر آرمسترونغ من أن تأثير الإغلاق على الرجال والنساء والأطفال في اليمن بات ملموسا، ويضع مئات آلاف الأرواح في خطر، مشيرا إلى أن الاقتصاد اليمني المتهالك سوف يزداد سوءا، الأمر الذي سيصعب على اليمنيين تلبية احتياجاتهم الأساسية، ويجعل من المساعدات الإنسانية أمرا بالغ الأهمية، كما نوه البيان إلى أن التحالف طالب المنظمات الإنسانية بتجنب التواجد في أماكن معينة داخل اليمن، الأمر الذي سينعكس على حرمان آلاف الأشخاص من الرعاية الصحية الضرورية.
واعتبرت المنظمة، في بيانها، أن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع مبدأ الحياد الذي يضمن وصول المساعدات لمحتاجيها، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وتعمل "أطباء بلا حدود" الدولية، في 13 مستشفى ومركزا صحيا في اليمن، وتوفر الدعم لأكثر من 18 مستشفى أو مركزا صحيا في 11 محافظة يمنية
ويعيش اليمن وضع إنساني خطير وشلل في القطاع الصحي وانتشار الاوبئة، وبلغ عدد وفيات الكوليرا باليمن نحو 2195 حالة منذ بدء تفشي الوباء في 27 أبريل/نيسان الماضي، اما الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا بلغت 910 آلاف و996 ،وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن الأطفال يمثلون قرابة 50% من إجمالي حالات الاشتباه بالإصابة بالكوليرا في اليمن، و32% من إجمالي الوفيات.يشار إلى أن نحو نصف مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد في اليمن، بحسب بيانات أممية.
ويعاني الآلاف من موظفي الدولة من فقر مدقع في ظل عدم حصولهم على رواتبهم منذ عشرة أشهر، بعدما نقلت الحكومة المعترف بها دوليًا البنك المركزي من صنعاء إلى مدينة عدن في سبتمبر/ أيلول 2016. وقتل أكثر من عشرة آلاف شخص في الحرب الأهلية اليمنية المستعرة منذ أكثر من 3 سنوات، كما انتشر الجوع. وتتحدث تقارير للأمم المتحدة أن هناك نحو 20 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي إجمالي السكان، في اليمن يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، وأن هناك 14.5 مليون شخص لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة وخدمات الصحة، كما ترتفع معدلات سوء التغذية إلى مستويات مُنذِرة بالخطر في ظل وجود 3.3 ملايين سيدة وطفل يعانون من سوء التغذية.
وقال الناشط السياسي نبيل الجوباني، إن إغلاق التحالف للمنافذ اليمنية لا يستهدف الحوثيين بل يجعلهم أكبر مستفيد من هذا القرار فهذا القرار له انعكاسات مثل ارتفاع جنوني بأسعار الغذاء والمشتقات النفطية وانعدامها من الأسواق وتتضرر منه جميع الشرائح الاجتماعية اليمنية التي بالكاد باتت قادرة على العيش بسبب الظروف التي فرضتها الحرب، وحسب الجوباني فان التحالف حين اغلق جميع المنافذ اليمنية في بداية الحرب كان الحوثيين أكبر مستفيد من هذا القرار واستفادوا مبالغ طائلة من الأسواق السوداء للمشتقات النفطية والمواد الغذائية إضافة إلى تراجع شعبية التحالف والحكومة اليمنية في أوساط الناس بسبب تفاقم معاناتهم جراء أعمال التحالف وإغلاقه للمنافذ .
وبين الجوباني أن التحالف العربي يقوم بتفتيش جميع السفن والبواخر قبل أن تفرغ حمولاتها بميناء الحديدة وبحال كانت قوات الحوثيين تتلقى دعم إيراني عبر البحر فالدعم بالتأكيد لا يصل إلى ميناء الحديدة الخاضع للرقابة والتفتيش من قبل التحالف بل من الممكن تهريب الأسلحة عبر ما تبقى من الشريط الساحلي العربي الخاضع لسيطرة الحوثيين باستثناء ميناء الحديدة ولدى التحالف قوات بحرية منتشرة في المياه بالساحل الغربي وهناك ايضاً قوات دولية لتأمين الممرات وخطوط التجارة العالمية التي تمر من باب المندب.
ولفت الجوباني إلى أن ميناء عدن ومطار عدن ومطار سيئون ومنفذ الوديعة البري الرابط بين اليمن والسعودية ومنفذ شحن الرابط بين اليمن وعُمان تحت سيطرة الحكومة اليمنية والتحالف لكن ميناء الحديدة هو شريان الحياة الوحيد الذي كان متاح للمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين والرئيس السابق علي صالح وتصل من خلاله المساعدات والأدوية والغذاء والمشتقات النفطية للمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين وهذه احتياجات للمدنيين ولا تصنع بها صواريخ أو أسلحة وتوقف الميناء يضر المدنيين وليس الحوثيين .
وأوضح الجوباني أنه منذ بداية الحرب والريال اليمني ينهار بشكل متواصل وادى ذلك إلى ارتفاع أسعار متطلبات الحياة والدواء والغذاء بشكل كبير في حين الموظف الحكومي بلا راتب منذ عام والموظفين بالقطاع الخاص فقد معظمهم أعمالهم بسبب مغادرة وتوقف معظم الشركات والأعمال الخاصة .
وأكد الجوباني وجود تلميحات إعلامية أن الإمدادات لمناطق سيطرة الحوثيين ستكون عبر عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقته لكن هذا الأمر بعيداً عن المنطق لعدة أسباب أهمها أن ميناء عدن بالكاد يستقبل متطلبات السكان بالمحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية وغير قادر على تغطية كل المحافظات اليمنية إضافة إلى عراقيل الحرب المتمثلة بجبهات عسكرية بين المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين والتي تسيطر عليها الحكومة وبحال وصلت شحنات بسيطة لرجال أعمال في مناطق سيطرة الحوثيين لميناء عدن يفرض عليها الحوثيين جمارك إضافية في حدود مناطق الحكومة ومناطقهم وسعرها يرتفع بسبب مسافة الطريق الطويل بين محافظات الحكومة ومحافظات الحوثيين إضافة إلى دفع الجمارك بشكل مضاعف
وبالنسبة للمشتقات النفطية سيصعب توفيرها من عدن إلى مناطق الحوثيين كون محافظات الحوثيين لا تخضع لإدارة الحكومة خلافاً على الأزمات بالمشتقات النفطية التي تضرب مناطق الحكومة بشكل مستمر وعجزها عن سد احتياجات محافظاتها من المشتقات وبحال تكفلت الحكومة بتوفير المشتقات للمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين سيستولي الحوثيين على الكميات النفطية ويبعونها بأضعاف سعرها الحالي بمحافظاتهم وسيوفرون العملة الصعبة التي كانوا يستوردون بها المشتقات وتستنزف الحكومة ما تبقى لها من نقد اجنبي وسط انهيار شبه كامل للاحتياطي النقدي بالبنك المركزي في عدن.