تونس -تونس اليوم
آمنت بأن دورة الحياة المهنية لا تنتهي عند سن التقاعد وإنما تبدأ من تلك النقطة تحديدا، فرسخت في أذهان الناس صورة للمرأة التي لا تعرف حدودا لأهدافها وطموحاتها. فائزة الكراي، تونسية لها من العمر ستون عاما، تركت عملها في مجال تصميم الأزياء والموضة الذي عشقته منذ الطفولة، لتدخل عالما جديدا يبدو بالنسبة للكثيرين مجهدا وأنه حكر على الرجال. فبعد نحو 30 عاما من العمل كمصممة أزياء اختارت فائزة أن تكون مربية نحل ومزارعة، متحدية لدغات النحل وارتفاع الجبال وصعوبة العمل في قطاع الفلاحة، الذي يحتاج الكثير من الطاقة الجسدية والتفرغ والرعاية الخاصة.
قصة شغف مع النحل تقول فائزة " إن قصتها مع النحل هي حكاية شغف انطلقت بخطوة بسيطة وهي شراء أربع خلايا نحل وضعتها في حقلها الذي طورته بنفسها في منطقة المشروحة من معتمدية بوعرقوب التابعة لمحافظة نابل (شمال تونس)، لتمتلك اليوم ما يزيد عن الـ 45 خلية. تقول فائزة إنها دخلت هذا المجال الخطر دون أي خبرة سابقة أو دراية بتفاصيل تربية النحل وكيفية التعامل معه وطرق إنتاج العسل واستخراجه. لكن جهلها بهذه التفاصيل لم يمنعها من خوض التجربة، فتعلمت تدريجيا كيف تتجنب لسعات النحل اللاذعة وخبرت أنواع النباتات المزهرة والأعشاب النافعة التي يتغذى عليها لإنتاج أجود أنواع العسل وأكثرها نفعا لصحة الإنسان.
وتضيف: "تربية النحل ليست بالأمر الهين، فهي تتطلب الكثير من الصبر والجهد في استخراج العسل إضافة إلى المتابعة اللصيقة للخلايا تجنبا لموت النحل جراء دخول النمل إليها مثلا أو بسبب الارتفاع الشديد في درجات الحرارة أو نزول كميات كبيرة من الأمطار".
تحدي صعود الجبال ولأن حقلها لا يحتوي على الكثير من النباتات والمزروعات المزهرة، نقلت فائزة جزءا كبيرا من منحلها إلى مرتفعات جبل عبد الرحمن في منطقة الهوارية التي تبعد مسافة 15 كيلومترا عن حقلها، حتى توفر للنحل مكانا خصبا يرعى فيه. وفي كل مرة، تضطر فائزة إلى صعود مرتفعات الجبل مستخدمة "الكريطة"، عربة تقليدية تنقل بواسطة الدواب، للوصول إلى المكان الذي وضعت فيه خلايا النحل ففي هذا الجبل يتغذى النحل على نباتات طبية نافعة مثل "الإكليل" و"الزعتر" و"السدر" وخاصة "الكلتوس" الذي يزهر طوال السنة". وتقول: "هي نباتات مشهود لها بفوائدها الصحية وقدرتها على علاج العديد من الأمراض مثل الزكام وعسر الهضم والالتهابات وتخفيف ألم الرأس ومنع الإسهال". وتؤكد فائزة أن عسلها يحظى باهتمام وإقبال العديد من المواطنين الذين يأتون إليها خصيصا لشراء عسلها ذو المذاق الطبيعي، خلافا لذلك الذي ينتجه الكثيرون من مربي العسل والذين يعمدون إلى إطعام النحل الكثير من السكر والماء لزيادة حجم الإنتاج وهو ما يقلل من فاعليته ومنفته، وفقا لقولها.
الفلاحة جزء من ذاتها وإلى جانب تربية النحل واستخراج العسل، تشرف فائزة بنفسها على زراعة العديد من النباتات والغراسات في حقلها الذي اشترته منذ خمس سنوات، وحولته اليوم إلى أرض مثمرة وفضاء تستقبل فيه المغرمين بالطبيعة وبالمنتجات البيولوجية. وتضيف: "هذا الحقل كان أرضا بورا لا تحتوي إلا على 25 شجرة زيتون مهملة ويتجاوز عمرها الـ 70 عاما ولم يكن مهيأ بالماء والكهرباء، وبقليل من الجهد وكثير من الصبر عمرتها بنحو 150 شجرة ليمون والعشرات من أشجار الرمان والمندلينا والتفاح وأشجار أخرى". ولم تكتفِ فائزة، التي تؤمن بأن طعم الحياة هو العمل، بهذا القدر من الأنشطة الفلاحية، إذ بدأت مشروعها الجديد في تربية الدواجن بمختلف أنواعها لإنتاج البيض الطبيعي الذي بات عملة نادرة في ظل كثرة الحواضن العصرية. وتقول: "أصبحت الفلاحة جزء مني ومن ذاتي، خاصة أنني لم أعد أتحمل العيش في ضوضاء العاصمة وصخب المدينة، وأنصح الناس وخاصة الذين تجاوزوا سن الخمسين بالتوجه إلى الأنشطة الفلاحية". وتشجع فائزة الناس على القدوم إلى حقلها والتمتع بالمناظر الطبيعية وبالمأكولات الصحية، كما تنظم حلقات لليوغا وسط أشجار الزيتون بمساعدة مدرب مختص، قائلة إن "الفلاحة هي دواء الجسد والروح".
قد يهمك ايضا
إطلاق مشروع دعم النظام التعليمي والفضاءات التعليمية والجامعية
ملابس معلمين في مدارس في"تونس" تثير جدلا حقوقيا