حركة النهضة التونسية

عبّر مجلس شورى حركة النهضة، في بلاغ اليوم الإثنين 23 نوفمبر 2020، عن ''انشغاله العميق بالتّراجع غير المسبوق لمختلف المؤشّرات الاقتصاديّة والماليّة واختلال توازنات ميزانيّة الدّولة وتردّي الأوضاع الاجتماعيّة لمختلف الفئات بمختلف الجهات''، معتبرا أن ''بعضها بسبب الانعكاسات السلبيّة للجائحة والبعض الآخر متأتّي من تراكمات المراحل السابقة وتراجع قيمة العمل وضعف الانتاج وتأخّر الاصلاحات المستوجبة لدفع النمو والارتقاء بأوضاع المواطنين ورفع نسق التّنمية بمختلف الجهات''.

جاء لك في بلاغ أصدره اليوم، على إثر انعقاد الدورة 45 يوم السبت 21 نوفمبر، وبمشاركة واسعة من الخبراء والمختصين في المجالات الاقتصادية والمالية وكتلة الحركة بمجلس نواب الشعب.

واعتبر شورى حركة النهضة، أنّ ''هذا الوضع غير المسبوق الذي تشهده البلاد مع ارتفاع منسوب عدم اليقين في تطوّراته في المستقبل يحتاج الى مشروع ميزانيّة غير تقليدي، ميزانية " أزمة"، تأخذ بعين الاعتبار فداحة الوضع وانخرام التّوازنات المالية ومخاطر التوسّع في الاقتراض والخارجي منه تحديدا.

ولاحظ ضعف التّناغم والتّناسق بين الميزان الاقتصادي ومشروع الميزانيّة، لافتا إلى أن ''الميزانيّة لا تعكس تقديرات الميزان، والمقدّمات الواردة فيه لا تتطابق مع النّتائج والإجراءات التي انتهت اليها الميزانيّة، ولم تأخذ بعين الاعتبار أهمّية التحدّيات وجسامة الرّهانات المطروحة لفترة ما بعد الكورونا في العام القادم، وأنّ التطلّع الى الانتقال من الانكماش (ـ7،4٪ حاليّا) الى استعادة نسبة محترمة من النموّ (+4٪) مشروع ولكنّه لن يتحقّق دون رسم خارطة الطّريق التي تقود الى ذلك''، وفق البيان. 


واعتبر أن ''الفرضيّات التي اعتمدها المشروع تتّسم بكثير من الهشاشة وغياب الواقعيّة ممّا يضعف من قابليّتها للتّطبيق وتحقيق الأهداف المرجوّة باطمئنان، سواء فيما تعلّق بنسبة النمو المقدّرة أو سعر برميل النفط المعتمد أو بالنّسبة للارتفاع المنتظر تسجيله للموارد الجبائية (+12,6%) المُستخلصة على نشاط سنة 2020 ويدعو مجلس الشّورى في هذا الباب الى اعتماد فرضيّات واقعيّة لتجنّب التعديل المستمر للتوازنات''.

كما اعتبر أن مشروع الميزانيّة المقترح لم يأخذ بعين الاعتبار بالشّكل الكافي مضاعفات أزمة الكورونا المستمرّة والتي تشير جلّ التّقديرات المحليّة والدوليّة الى تواصلها وان بشكل متقطّع طوال العام القادم وترجيح حلول موجة ثالثة لا يمكن توقّع مخلّفاتها، ممّا يتطلّب المزيد من الحذر وتكييف الميزانيّة على أساس ذلك وخاصة اذا ما تعطّلت الحركة الاقتصاديّة وتكثّفت الضّغوطات وحاجيّات التّمويل والدّعم''، مؤكدا ''أن البلاد بحاجة ماسة في هذا الظّرف الاستثنائي إلى معالجات استثنائيّة لتمكين الدّولة من تنفيذ سياساتها وبرامجها الاجتماعيّة والتنمويّة ومواصلة جهودها في مقاومة الوباء وتداعياته ومساعدة الاقتصاد على تجاوز الأزمة واستعادة عافيته، وتجنّب الوقوع في الخيارات الارتجاليّة والمتسرّعة التي لن تزيد الوضع إلاّ تأزّما''، حسب نص البيان.

ويرى مجلس شورى حركة النهضة، أن مواجهة هذه التحديّات بالإضافة الى اعتماد مقاربة "اقتصاد الأزمة" و"ميزانية الأزمة"، تتطلّب تظافر جهود كافّة مؤسّسات الدولة في جميع الاختصاصات التّنظيميّة والتّشريعيّة والتنفيذيّة والرّقابيّة في حدود نشاطها واستقلاليّتها التّشغيليّة وفي مقدّمة تلك المؤسّسات البنك المركزي على غرار العديد من البلدان الأخرى التي تدخلت فيها البنوك المركزيّة في حدود مضبوطة لمواجهة تداعيات الأزمة من خلال عمليات شراء سندات الدولة وغيرها من الآليّات دون المساس بمبدأ استقلاليّتها وخصوصيات نشاطها من أجل انقاذ اقتصاديّاتها من تبعات الأزمة، وفق ما جاء في البيان.

كما نبه الى مخاطر الافراط في الاقتراض الخارجي وتفاقم المديونيّة التي بلغت حجما غير مسبوق، بما يعادل 100 مليار دينار أي بنسبة 92،7٪ من الناتج، وبلوغ القروض الخارجيّة أكثر من 16 مليار دينار عام 2021، معتبرا  أن ''كل ذلك نتيجة التّمادي في انتهاج سياسة توسّعية ساهمت في اتّساع الفجوة بين الموارد والنفقات''.

ولاحظ مجلس الشورى أن السياسة النقدية ساهمت سلبيّا في ارتفاع المديونيّة من جرّاء ارتفاع نسبة الفائدة التي تقترض بها الحكومة، الى جانب تأثيرها على كلفة الإنتاج والاستثمار. والأخطر من كل ذلك غياب أيّة استراتيجيّة وطنيّة لإيقاف نزيف المديونيّة والتفكير في حلول بديلة.

وأمام ''هذه المصاعب والتحديّات'' السابق ذكرها، أوصى مجلس ورى حركة النهضة بما يلي:
1. مراجعة الفرضيّات التي تمّ اعتمادها في الميزانيّة وتوخّي فرضيّات واقعيّة لتجنّب التّعديل المستمرّ للميزانيّات والأخذ بعين الاعتبار التداعيّات المحتملة لتطوّرات الأزمة الراهنة بما يستوجبه من مزيد التحكّم في النّفقات وترشيد التوريد وتشديد الرقابة على كلّ أشكال التهرّب الضّريبي واعداد خطّة محكمة لمكافحة كل أنواع الفساد وعدم التّساهل في ذلك لتبعاته الكارثيّة على الاقتصاد والمجتمع.
2. تفعيل عديد الأحكام الجبائيّة السابقة والحرص على استقرار التشريع الجبائي لطمأنة المستثمرين والاسراع بإصدار المجلّة الجبائيّة التّونسيّة.
3. مواصلة الحوار بين الحكومة والبنك المركزي والتّشاور مع مجلس نوّاب الشعب للاتّفاق حول الصيغ الممكنة لتوفير التّمويلات اللاّزمة، على أن تكون في حدود الضّرورة القصوى ولمدّة قصيرة المدى وتتعهّد الدّولة بسداد المبلغ المموّل في الآجال، مع الالتزام بالإصلاحات الضروريّة. كما يشدّد على توجيه تلك التّمويلات التي يمكن أن يقدّمها البنك المركزي نحو احتياجات ذات صبغة تنمويّة تُعين على دفع محرّكات النموّ أو توجيهها نحو بعض الضرورات المرتبطة بالجوانب المعيشيّة للأفراد ذات العلاقة بالأمن الغذائي والصحّي مثل دعم الصيدليّة المركزيّة وديوان الحبوب. ويحذّر من الافراط في اللّجوء للتّمويل النقدي المباشر للميزانيّة من البنك المركزي ويؤكّد على أهمية المواءمة بين السياسات النقديّة والسياسات الماليّة والجبائيّة للدّولة.
4. دعوة الحكومة للبحث عن الصّيغ الملائمة لفتح اكتتاب وطني بالعملة الصعبة لتعبئة الموارد لميزانية الدولة يتمّ تخصيصه للتونسيين بالخارج مع اعتماد بعض الحوافز الخاصة. كما يقترح اصدار صكّ أو قرض رقاعيّ بمبلغ ألف مليون دينار يوزع بين السّوق الماليّة والمؤسّسات الماليّة، إلى جانب تطوير حساب الادّخار في الأوراق الماليّة يتمّ طرحه من قاعدة الضريبّة في حدود المليون دينار يخصّص بنسبة 60% لشراء رقاع الخزينة و40% للاستثمار في السّوق البديلة، ورفع سقف مساهمة الأجانب في القروض الرقاعيّة.
5. دعوة الحكومة إلى العمل على محاصرة نزيف المديونية والبحث عن صيغ وأساليب تمويلية بديلة لسد الفجوة في ميزانية الدولة والشروع بتفعيل قانون الصّكوك الذي يمكن من خلاله تمويل مشاريع وطنية كبرى وتوفير السيولة اللازمة التي تحتاجها الدولة على غرار تجارب عديدة في مختلف دول العالم، وتركيز الاهتمام على الديون ذات الطابع الاجتماعي والاستئناس بالتجارب الدوليّة لاستنباط آليات جديدة تمكّن من تخفيف العبء على ميزانيّة الدّولة بجدولة ذلك على المدى المتوسّط في إطار مصفوفة الإصلاحات الكبرى، ويدعو في هذا الإطار الكتلة البرلمانيّة للحركة بالتعاون مع مكتب الدراسات واللّجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة بالمجلس لتقديم مبادرة في الغرض.
6.  ضرورة تعزيز جهاز الرّقابة الجبائيّة بالإطارات الكفؤة في إطار سياسة اعادة الانتشار داخل الوظيفة العموميّة لتحسين الاستخلاص ومقاومة التهرّب الجبائي، ويدعو بالخصوص في هذا الإطار الى مراجعة نسبة الضريبة على المؤسّسات المطروحة في المشروع والمقدّرة ب 18٪ لكونها غير محفّزة للشّركات الموجهّة للتّصدير وطاردة للاستثمار، وهو ما يدفع الى المزيد من هجرة تلك المؤسّسات.
7. تخفيف الضّغط الجبائي الذي يعتبر واحدا من أعلى المعدّلات في إفريقيا (25،4٪) وأحد الأسباب الرئيسيّة لتنامي التهرّب الضريبي في البلاد وسبب من أسباب تراجع مستوى الادّخار الوطني وتقلّص الاستثمار، والتوجّه نحو استخلاص الديون الجبائيّة وهي مستحقّات جبائيّة للدّولة لدى بعض الشّركات ورجال الأعمال التي شملتهم مراجعات جبائيّة أوّلية ومعمّقة وظلّت حبيسة التردّد الإداري بحيث لم يتم عليها توظيف اجباري أو صلح لأسباب متعددة.


8. وضع الاجراءات العمليّة الملموسة للتسريع في انفاذ الإصلاحات الكبرى التي تتعلّق بالصّناديق الاجتماعيّة ومنظومة الدّعم والمؤسسات العموميّة ذات الصبغة الاستراتيجيّة، والادماج التدريجي للقطاعات والأنشطة المندرجة في القطاع الموازي.
9. وبخصوص تعبئة الموارد الخارجيّة، دعا مجلس الشورى الى استئناف التّفاوض مع صندوق النقد الدّولي وبقيّة الشركاء المالييّن الى جانب إطلاق حملة دبلوماسيّة واسعة لجلب الدّعم الدولي من الدّول الصّديقة والشّقيقة في نطاق التعاون الثّنائي ومتعدّد الأطراف وكذلك من المؤسّسات الماليّة الاقليميّة، سواء من أجل الحصول على قروض خاصة أو تأجيل خلاص بعض القروض السّابقة التي حلّ أو سيحلّ أجلها، على غرار الاتّفاق الذي حصل مع الصّندوق العربي للإنماء الاقتصادي.


10. دعوة الحكومة للتّعجيل بضبط برنامج عملها التّفصيلي والانطلاق في إعداد مخطّط التّنمية للخماسيّة المقبلة الذي ستنتظم في اطاره مختلف الأنشطة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والتنمويّة بما في ذلك ميزانيّة الدّولة والإطار العام للإنفاق للسّنوات المقبلة. ويدعوها للتّعجيل بالإصلاحات الضروريّة والتحكّم العقلاني في نفقات التصرف، وفي مقدمتها النفقات العامة لأجهزة الدولة وحجم كتلة الأجور، مع إعطاء الأولويّة القصوى لحلحلة ملف الفسفاط واستعادة نسق انتاج النفط والشّروع فعليّا في معالجة قضيّة الدّعم وإصلاح المؤسّسات العموميّة ومنظومة الحماية الاجتماعيّة ودفع محرّكات النموّ وتفعيل إطار الشّراكة بين القطاع العام والخاص ومشاريع الطاقات المتجدّدة ودعم المشاريع الناشئة والقطاعات المجدّدة ذات القيمة المضافة العالية والاسراع بتفعيل قانون الاقتصاد الاجتماعي والتّضامني.
11. التّرفيع في ميزانيّة وزارة الصحّة بما يحقّق نجاعة أفضل في دعم الامكانيّات الماديّة والبشريّة لمواجهة الأزمة الصحّية.
12. يذكّر أن قطاع الحكم المحلي والدور الموكول للبلديّات يحتاج الى دعم أكبر في الميزانيّة ومرافقة على عديد الأصعدة لتقوم بواجبها البيئي والصحّي والتّنموي على أحسن وجه.
13. التنبيه الى ضرورة ايلاء قطاع الفلاحة الاهتمام الأكبر دعما واصلاحا وتعصيرا باعتباره الرّكيزة الأساسيّة للأمن الغذائي وقدرته الواسعة في دعم جهود التصنيع والتصدير والاستثمار.
14. تجديد الدّعوة الى حوار اقتصادي واجتماعي وطني لا يستثني أحدًا وتكون نتائجه رافعة أساسيّة للخروج من الأزمة ومعالجة المشكلات الحقيقيّة التي يواجهها اقتصادنا.

قد يهمك ايضا 

تونس تستضيف المحادثات السياسية الليبية المقبلة في تشرين الثاني المقبل

مكتب البرلمان يرفض سحب 3 مشاريع قوانين ويقرّ جلسة حوار مع الحكومة