نيودلهي- العرب اليوم
يعاني المزارعون الهنديون من الحرية المطلقة التي تتمتع بها الأبقار الشاردة التي تقضي على محاصيلهم وسط تقديس الهندوس للبقر واتخاذ الدولة اجراءات حمائية للدفاع عنها. إذ يتهم هؤلاء الحزب الحاكم بالتسبب بـ"تهديد جديد" يطاول نمط حياتهم نتيجة ازدياد أعداد الأبقار الشاردة.
وقد تفاقم الوضع منذ وصول القوميين الهندوس إلى الحكم في 2014 بزعامة ناريندرا مودي الذي يترشح لولاية ثانية كرئيس للوزراء في الانتخابات التشريعية التي انطلقت من أيام. فيما جعل رئيس الحكومة وحزبه "بهاراتيا جاناتا بارتي" (حزب الشعب الهندي، بي جي بي)، من الدفاع عن الأبقار حيوانات مقدسة لدى الهندوس، إحدى القضايا الأساسية في ولايته.
ويرى منتقدو حزب الشعب الهندي أن سياسته أدت إلى تشكل ميليشيات من جهات تنصّب نفسها مدافعة عن الأبقار هاجمت من دون حسيب أو رقيب أشخاصا من الأقليات المسلمة أو مجموعات "داليت" المهمشة بشبهة أنهم يتناولون لحوم البقر أو يذبحونها أو يتاجرون بها.
فمن جهته، ضاق المزارع راغوفير سينغ مينا ذرعاً بسبب الأبقار الضالة التي تأتي على محاصيله من الحمّص، وسط ازدياد أعدادها بصورة مقلقة في الهند بلد القوميين الهندوس الذين يقدّسون هذه الحيوانات المجترة. ويقول سينغ معاينا بانزعاج ظاهر حقوله في مدينة بيلاني بولاية راجاستان الكبيرة في غرب الهند "لقد جربنا كل شيء، الفزاعات والأسلاك الشائكة، إلا أن الحيوانات الشاردة لا تفوّت فرصة لالتهام محاصيلنا". ويشير إلى أن القوميين الهندوس "يتبعون أهدافهم السياسية، وهم لا يأبهون بالمزارعين الفقراء".
وبين أيار (مايو) 2015 وكانون الأول (ديسمبر) 2018، قتل 44 شخصا في هجمات نفذها عناصر من هذه الميليشيات باسم الدفاع عن قدسية البقر، بينهم 36 مسلما وفق تعداد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش". وتتهم المنظمة غير الحكومية الشرطة بغض الطرف عن أعمال العنف هذه وحتى بملاحقة الضحايا قضائيا في بعض الحالات بدل الاقتصاص من المعتدين.
وتحظر راجاستان وولايات هندية عدة أخرى ذبح الأبقار واستهلاك لحومها في هذا البلد العلماني رسميا الذي يمثل المسلمون 14 في المئة من سكانه.
أقرأ أيضاً :
سورية تستورد الأبقار للمرة الأولى منذ نحو 30 عامًا
وألقت التوترات السياسية الدينية بشأن مكانة الأبقار وتشديد التشريعات على قطاعات اللحوم والجلود التي يديرها تقليديا مسلمون، فضلا عن المخاوف من أعمال العنف، ظلا ثقيلا على تجارة المواشي. وبات مربون يفضلون الاستغناء عن أبقارهم المسنّة أو المصابة بدل بيعها للمسالخ، ما يجعل الكثير من هذه الحيوانات المجترة طليقة شاردة في الطبيعة.
ويقول سوكر سينغ بونيا وهو زعيم قروي سابق في مقاطعة تشورو "بسبب المدافعين عن الأبقار، لم يعد أحد يجرؤ على لمس أي بقرة"، مضيفا "لا ملاذات كافية للأبقار وتلك الموجودة تسجل اكتظاظا كبيرا لدرجة أنها تشهد كل يوم نفوق حيوان". ويوضح "نحن هندوس، لا نريد أذية الأبقار لكن لا يمكننا مواصلة تقديم الطعام لهذا العدد من الأبقار الشاردة والرعاية بها في حين نواجه صعوبة أصلا في الاستمرار بمواردنا".
وفي 2017، أصدرت حكومة مودي حظرا فدراليا على بيع المواشي (أبقار وجواميس وثيران وجِمال...) للذبح بحجة الرفق بالحيوانات. وقد رأى معارضوه في هذه الخطوات محاولة لفرض النظام النباتي في سائر أنحاء الهند، وهو نمط غذائي يتبعه الهندوس التقليديون لكنه يقتصر على أقلية من السكان. وأبطلت المحكمة العليا هذا الحظر في نهاية المطاف.
ويشير الزعيم القروي السابق في بونيا إلى أن ناخبين كثيرين في مقاطعته الريفية التي أيّد أهلها بنسبة كبيرة القوميين الهندوس في انتخابات 2014، يبدون ترددا في تجديد دعمهم لناريندرا مودي في الاستحقاق الانتخابي هذا العام. وهو يقول "الحكومة تعطينا بعض المال للاهتمام بالأبقار الشاردة غير أن هذه المبالغ غير كافية والمدفوعات كانت عشوائية".
ويحشد بعض القرويين مدخراتهم الهزيلة لإقامة ملاجئ على عجالة بهدف إيواء الأبقار الضالة، على الأقل خلال موسم الحصاد. وفي كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير)، احتجز مزارعون غاضبون في ولاية أوتار براديش (شمال) رؤوس مواش ضالة في داخل مدارس عامة تفاديا لإلحاقها أضرارا أكبر بمحاصيلهم.
وترى غوربيت ماهاجان الأستاذة في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي أن حزب "بي جي بي" الحاكم استخدم الأبقار كرمز ديني وثقافي هندوسي لكن من دون الاكتراث فعليا للتبعات على الصعيد العملي. وهي تقول "لا أظن أن الجميع درسوا بصورة كاملة الطريقة اللازمة للتعاطي مع هذا الرمز المحدد وطريقة تحقيق ذلك على أرض الواقع".
ويدعو سانديب كاجلا وهو مدير منظمة غير حكومية في بيلاني، الأحزاب السياسية لمقاربة جدية للموضوع لمناسبة الانتخابات التشريعية التي تنتهي في 19 أيار (مايو). ويقول "يمكن لمزارع مراقبة حيوان واحد. لكن هنا، الأبقار تهيم بالمئات. كيف يمكن لمزارع مراقبة هذا الكم من الأبقار؟ لهذا يجب على الحكومة اتخاذ تدابير ملموسة لحل هذه المشكلة"
وقد يهمك أيضًا:
دفاتر المستقبل والكتب قد تُصنع من براز الفيلة والأبقار بحيلة مٌبتكرة