الشمس الحارقة في المملكة العربية السعودية

قد يطلق عليه السعوديون اسم "طباخ التمر" وهو اسم لطيف قد لا يدل عما يحمله هذا الموسم الحار من معاناة، ولا سيما أن درجات الحرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية في معظم الدول العربية، وأدت أشعة الشمس الحارقة إلى شل الحركة في ساعات الظهيرة، و"طباخ التمر" هو أحد مسميات هذا الموسم، ولأهل الخليج العربي مسميات أخرى مثل "جمرة القيظ" و"طباخ اللون" وهو تعبير يرتبط بموسم نضج التمر.

من جانبها، أكدت الهيئة العامة للأرصاد السعودية حدوث حالات "شذوذ مناخي" خلال فصل الصيف الجاري، من أبرزها ارتفاع في درجات الحرارة عن معدلاتها العظمى بفارق كبير، والتي تسمى الحالات المتطرفة التي يمكن التنبؤ بها من خلال التوقعات قصيرة المدى، في إشارة إلى أن درجات الحرارة العظمى ستتجاوز 50 درجة مئوية تحت الظل في العام الجاري.

وأوضح الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، ارتباط موسم "طباخ التمر"، في السعودية خاصة وعموم دول الجزيرة العربية، بمنخفض الهند الموسمي، الذي يؤثر بشكل مباشر على أجواء الجزيرة العربية خلال فصل الصيف كل عام من 21 يونيو/حزيران إلى 22 سبتمبر/أيلول من كل عام.

ووفقًا للاتحاد العربي، يبدأ تأثير موسم "طباخ التمر" تدريجيًا من الجنوب في اتجاه الشمال، وتبدأ التمور في الجزيرة العربية بالتلون والنضج عند اشتداد الحر، لا سيما خلال الفترة من 15 يوليو/تموز الجاري حتى 15 أغسطس/آب المقبل، ويختلف الموسم من منطقة إلى أخرى، فهو يبدأ في الجنوب مبكرًا، أما في الشمال فيتأخر قليلًا، وعند ظهور منزلة الذراع 29 يوليو التي يطلق عليها "المرزم" وتبلغ عدد أيامها 13 يومًا تكون هي الفترة الأشد حرًا، وهي ذروة موسم "طباخ التمر".

معدلات قياسية في السعودية
إن موجة الحر الجاف التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط تشتد من منتصف شهر يوليو من كل عام، وتستمر حتى نهاية شهر أغسطس سنويًا، وفقًا للدكتور أيمن غلام، نائب رئيس هيئة الأرصاد والبيئة السعودية، قائلًا: "إنه في ظل طبيعة المنطقة العربية والموقع الجغرافي للسعودية تحديدًا، ستستمر هذه الموجة الحارة حتى بداية شهر سبتمبر المقبل، لكن بحدة أخف مما هي عليه في الفترة الجارية".

وجرى تسجيل أعلى معدل درجة حرارة عظمى خلال فصل الصيف في الثلاثين عامًا الماضية في مدينة الأحساء، التي بلغت درجة الحرارة فيها في الشهر الجاري 46 درجة مئوية، بينما سجلت مدينة أبها أقل معدل درجة حرارة صغرى خلال الفترة نفسها، والتي وصلت درجة الحرارة فيها إلى 17 درجة مئوية.

بدوره، بيّن غلام لـ"الشرق الأوسط"، أن أعلى درجات حرارة متوقعة في هذه الفترة ستسجلها المنطقة الشرقية والمناطق الشمالية الشرقية من السعودية بواقع 53 درجة مئوية في الظل، لافتًا إلى أن شهر أغسطس المقبل، ستزيد فيه نسبة الرطوبة على المناطق الغربية والسواحل، وهو ما سيزيد تأثير الإجهاد على الأشخاص جراء الحر والرطوبة.

ورفض غلام، أن تكون موجة الحر التي تشهدها المنطقة العربية ناتجة من ظاهرة الانحباس الحراري، مبينًا أن هذه الموجة تأتي ضمن دورات مناخية تتابعية من كل عام في فصل الصيف، رغم أنها تشهد تسجيل ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة في الأعوام الأخيرة، مرجعًا أسباب ذلك إلى الثورة الصناعية وتغيير جغرافية الأراضي من أراضٍ زراعية إلى مناطق عمرانية.

ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع درجات الحرارة على معظم دول الخليج العربي مع استمرار العواصف الرملية على الكويت وجنوب العراق، والإمارات، في حين تكون الرياح شمالية إلى شمالية شرقية نشطة السرعة ترافقها هبات قوية للرياح، تعمل على إثارة الغبار وتدني مستوى الرؤية.
 
غزة بين لهيب الشمس والحصار
أثرت موجة الحر على سكان فلسطين، حيث لا يستطيع الكثير من سكان الضفة الغربية الهرب من الحرارة الشديدة إلى الشواطئ، بحكم القوة العسكرية للاحتلال الذي لا يمنحهم تصاريح خاصة من أجل العبور إلى الداخل، لكنهم مع ذلك يستطيعون التأقلم مع الارتفاع المجنون للحرارة، من خلال أجهزة التكييف التي غزت البيوت في الأعوام القليلة الماضية، وهو ما يساعدهم على تجاوز ساعات النهار بانتظار الليل الذي عادة ما يكون لطيفًا.

أما الذين لا يريدون البقاء في المنازل، فإن أمامهم خيارات كثيرة، وإن بدت مكلفة، السفر إلى بلدان البحار في الخارج، أو التوجه إلى شاليهات وفنادق توفر لهم بِركًا داخلية خاصة، وهي منتشرة بكثرة في الأراضي الفلسطينية، لكنهم جميعًا في النهاية يحمدون الله على نعمة الكهرباء المتوفرة باستمرار مقارنة مع سكان قطاع غزة، حيث يحرم الفلسطينيون في غزة من الكهرباء نحو 20 ساعة يوميًا؛ وهو ما يجعل موجات الحرارة الشديدة أشبه بجحيم لا يطاق، وزاد من معاناة الغزيين أنهم فقدوا كذلك البحر، بسبب التلوث الكبير الناتج من تصريف المياه العادمة.

ووجهت السلطات في غزة بعدم السباحة في بحر القطاع بسبب التلوث العالي، وحسب إحصاءات رسمية، فإن أكثر من 73 في المائة من شواطئ غزة، ملوثة، بفعل عدم قدرة الجهات المختصة تصريف المياه العادمة إلى محطات خاصة نتيجة نقص الوقود فيها وعدم إيجاد حلول أخرى، وحرم هذا غالبية السكان من السباحة هذا الصيف في البحر؛ وهو ما جعلهم من دون خيارات مع انقطاع الكهرباء والماء.

أزمة الكهرباء في العراق تضاعف المعاناة
سجلت درجات الحرارة في العراق هذه الأيام أرقامًا بلغت 50 درجة مئوية، في حين تشير التوقعات إلى ارتفاعها لمستويات أعلى في بلد يعيش نقصًا حادًا في إنتاج الطاقة الكهربائية رغم الميزانيات الهائلة التي تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات المخصصة لقطاع الكهرباء منذ عام 2003 وحتى الآن.

ويعيش العراقيون أوضاعًا صعبة من جراء الارتفاع المفرط لدرجات الحرارة مقابل تدنٍ كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث يحصل العراقيون على نحو 14ساعة تجهيز يوميًا، ويعتمد على الباقي من خلال شرائها من القطاع الخاص وبأسعار كبيرة في حين يعيش مئات آلاف من النازحين أوضاعًا مأساوية في مخيمات اللاجئين أو الذين عادوا إلى منازلهم المدمرة في المدن التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش" في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالي.

وذكرت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزلي: "إن معدلات درجات الحرارة في مناطق وسط وجنوبي العراق بلغت 50 درجة مئوية في بعض المناطق"، وفق ما نقلت عنها وكالة الأنباء الألمانية، ويسعى العراقيون إلى البحث عن ملاذات آمنة للفرار من ارتفاع درجات الحرارة ويحاولون الاستمتاع بمياه نهر دجلة والفرات رغم ما يحف ذلك من مخاطر بسبب عدم توفر مناطق أمان للسباحة، في حين وضع آخرون مراوح تضخ الهواء والمياه معًا عند بوابات مطاعم الدرجة الأولى وفي محال بيع المرطبات والمقاهي، في حين تبرع آخرون بنصب مرشاة مياه في الشوارع، حيث يمكن لأي شخص الوقوف تحتها لدقائق للاستمتاع وإطفاء الحرارة العالية.

ولا تزال الإجراءات الحكومية بعيدة عن إيجاد حل لإنهاء معاناة العراقيين خلال هذه الأيام من خلال تقليص ساعات الدوام الرسمي ومنع استمرار عمال البناء، وبخاصة في ساعات الذروة عند منتصف النهار لما يسببه من أمراض خطيرة، وبخاصة ضربة الشمس التي تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.

اللبنانيون يهربون من الجبل إلى الساحل
احتار اللبنانيون كيف يواجهون موجة الحرّ التي تجتاح بلادهم منذ أوائل هذا الشهر حتى اليوم، فالذين يسكنون الجبال نزلوا الساحل؛ كون نسبة الرطوبة فيه تخفّف من قسوة الجفاف الذي يسود الجبل، في حين وجدت شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين بشاطئ البحر خير ملاذ لهم ليطفئوا بمياهه الباردة "23 درجة" نار الحرّ المحيطة بهم.

وصرح رئيس مصلحة الرصد الجوي في مطار بيروت، مارك وهيبة، لـ"الشرق الأوسط": "لا يمكننا أن نصف ما نعيشه اليوم في لبنان بالأمر غير الاعتيادي، فلطالما رافق فصل الصيف في بلدنا درجات حرارة مرتفعة تصل إلى 34 درجة"، ويعزو شعور اللبنانيين بوطأة الحرّ إلى عوامل بيئية أخرى ترتبط ارتباطًا مباشرًا، كما ذكر لنا، بأسلوب العيش الذي يتّبعونه، ففي غياب المساحات الخضراء من ناحية وتمضيتنا أوقاتا طويلة على الطرقات، بفعل زحمة السير، داخل سياراتنا وانتشار الأبنية بشكل كثيف في مناطقنا من ناحية ثانية، شكّلت كلها مجتمعة، عناصر حيوية لازدياد شعورنا بالحرّ.
 
وأضاف وهيبة: "في الماضي كان ساحلنا يتنفس من خلال مساحاته الخضراء، بساتين البرتقال وأشجار الزيتون، فتمتص أشعة الشمس لتحوّلها إلى متفاعلات كيميائية تخفّف من شعورنا بالحر، اليوم وبعد أن استبدلت بمساحات إسمنتية نافرة للعين غاب تمامًا تأثير الشجر وأوراقها الملطف، على دورة الحياة؛ إذ كانت تمتص المياه من الأرض فتساهم بتبريد الأجواء، فما نعيشه اليوم من موجة حرّ ليس مشهدًا استثنائيًا".
 
وأشار وهيبة إلى أن لبنان عاش منذ أعوام قليلة موجة حرّ أكثر قساوة، بحيث وصلت إلى 39 درجة مئوية في مثل هذا الوقت من العام واستمرت لنحو أسبوعين، ويتأثّر لبنان حاليًا بكتل هوائية حارة تصله من ناحية الشرق، وبالتحديد من سورية والسعودية والعراق.

الموجة تشل مترو مصر
شهدت مصر طقسًا حارًا على مدار الأسبوع الماضي، كانت ذروته يومي الجمعة والسبت الماضيين، وأدى ارتفاع درجة الحرارة إلى 45 درجة في بعض المحافظات مع ارتفاع نسبة الرطوبة إلى هرب المصريين إلى شواطئ وقرى وفنادق الساحل الشمالي والإسكندرية التي كانت بها درجات الحرارة أقل من باقي المدن والسواحل المصرية.

ومن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة، تخفيض سرعة مترو الأنفاق، حيث قال أحمد عبد الهادي، المتحدث باسم شركة مترو الأنفاق: "إن هذا الإجراء تم بناء على تعليمات من إدارة هندسة السكة، بتخفيض السرعة إلى 60 كم، بدلًا من 80 كم، خارج النفق خط أول وثاني؛ نظرًا لارتفاع درجة الحرارة، لتستغرق الرحلة بالخط الأول 90 دقيقة، بدلًا من 75 دقيقة، كما توقفت حركة المترو في بعض المحطات نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ".

من جانبه، كشف رئيس هيئة الأرصاد الجوية، الدكتور أحمد عبد العال، بأن هذا الأسبوع سوف يشهد استمرار الموجات الحرارية المتتالية وارتفاع الرطوبة ودرجات الحرارة، وهو أمر طبيعي في فصل الصيف، إلا أن التغير المناخي إثر بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة عن الأعوام الماضية، كما أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى تعطل عدد من محولات الكهرباء الرئيسية في عدد من المدن المصرية مثل: السويس وطنطا وشبين الكوم.
 
وأبرز المتحدث باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، الدكتور أيمن حمزة: "إن قطاع الكهرباء يواجه بكل قوة الأعطال الناتجة من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة، في إطار موجة الحر الحالية"، وحرص المواطنون على استخدام المظلات الواقية من الشمس في حين بدت الميادين والكباري أقل ازدحامًا بسبب عزوف المواطنين عن الخروج في فترات القيظ الشديدة.

المغاربة يتأقلمون مع الحر المفاجئ
وكحال الدول العربية الأخرى، يعيش المغرب على وقع موجة حرارة مرتفعة لم يتعود عليها المغاربة منذ أعوام، حيث كان الطقس يظل معتدلًا حتى خلال فصل الصيف، ولوحظ إقبال كبير على الشواطئ في المغرب، ولا سيما أن موجة الحرارة تزامنت مع بداية العطل الصيفية السنوية، وللتخفيف من الحر أيضًا لوحظ إقبال كبير على المشروبات الباردة والآيس كريم من قبل الكبار والصغار، كما أن الكثير من السكان فضلوا قضاء فترة طويلة من الليل خارج منازلهم، ولا سيما في الشقق التي لا تتوفر على مكيفات.

وساهم ارتفاع موجات الحر في ترويج كبير لمنتجات الوقاية من الشمس، ولا سيما من قبل النساء، اللواتي أصبحن أكثر وعيًا بخطورة الشمس على بشرتهن، ويتبعن أكثر نصائح أطباء الجلد الذين تستضيفهم القنوات الإذاعية والتلفزيونية في تلك الفترة.