أنقرة - العرب اليوم
بعد جدل استمر لأكثر من 10 سنوات حول نظرية النشوء والارتقاء لتشارلز داروين، أوقفت تركيا تدريس النظرية بالمدارس الثانوية بوصفها "نظرية مثيرة للجدل ويصعب فهمها"،وعاد الجدل حول النظرية بعد أن نشر رئيس مجلس التعليم العالي التركي، ألب أرسلان دورموش، رسالة عبر الإنترنت منذ أيام قال فيها إن فصلا بعنوان "نشأة الحياة والتطور" سيحذف من كتب الأحياء التي تدرس بالمدارس، وإن تلك المناهج ستتاح فقط لطلاب الجامعات من عمر 18 و19 عامًا.
ولا يعد القرار الذي تحدث عنه دورموش جديدًا، فقد قررت وزارة التعليم التركية في إطار مراجعة للمناهج في فبراير (شباط) الماضي حذف نظرية داروين من المناهج التعليمية في مرحلة الدراسة ما قبل الجامعية، وجاءت رسالة دورموش بمثابة توضيح للقرار؛ حيث ذكر أن حذف الفصل الخاص بالنظرية حذف من المنهج وسط تغييرات لحذف المواضيع التي وصفها بأنها مثيرة للجدل.
وأضاف دورموش: "لم يكن لدى طلابنا الخلفية والمعرفة العلمية أو المعلومات اللازمة لإدراك النقاش حول القضايا الخلافية (كفكرة النشوء والارتقاء عند داروين)، فقد حذفناها، "وسيبدأ تطبيق المنهج الجديد في العام الدراسي المقبل 2017 - 2018، موضحًا أنه "تم تجديده للتركيز على القيم الوطنية وتسليط الضوء على الإسهامات التي قدمها العلماء الأتراك والمسلمون، كما أن دروس التاريخ ستتخطى المركزية الأوروبية، وستركز دروس الموسيقى على (جميع ألوان الموسيقى التركية)".
وبدأت حكومة "العدالة والتنمية" في السنوات الست الأخيرة إدخال كثير من التغييرات في مجالات مختلفة؛ هدفها التأكيد على إحياء التاريخ العثماني وأمجاد الخلافة الإسلامية وتكريس التدين، من خلال فتح المجال أمام خريجي مدارس "إمام خطيب" الدينية للالتحاق بمختلف الكليات الجامعية والأكاديميات العسكرية بعد أن كانت شهادتها تؤهل الطالب في الغالب للالتحاق بمجالات دراسية معينة في الجامعات، كما تم إدخال دروس اللغة العثمانية، ثم اللغة العربية، خلال العام الدراسي قبل الماضي، بعد أن سبق أن أدخلت تغييرات حتى في أوراق العملة التركية "الليرة" لتحمل إلى جانب صورة أتاتورك بعض رموز تركيا في العهد العثماني.
وتحدث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي درس في ثانوية "إمام خطيب"، مرارا، عن رغبته في إنشاء جيل متدين في تركيا، بينما قوبل حذف نظرية التطور من مناهج المدارس الثانوية في تركيا باعتراضات من جانب اتحاد التعليم، وهو أحد الاتحادات المهنية المستقلة، الذي عدّ أن الحجة القائلة بأن نظرية التطور لداروين صعبة جدا على طلاب الصف التاسع ليفهموها، ليس تفسيرا معقولا لإزالة الفصل الخاص بها من مناهج الثانوية.
ونقلت قناة "سي إن إن" الأميركية عن إيبرو يجيت، إحدى عضوات الاتحاد، أن "تغيير المناهج الدراسية في مجملها يخرج النظام التعليمي عن المنطق العلمي، وإزالة فصل نظرية التطور من المناهج هو أكبر مثال على هذا، فيما وتثير نظرية داروين للتطور نقاشا على نطاق واسع في تركيا منذ أكثر من عقد من الزمان، وجدد مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية التابع لمجلس الوزراء التركي النقاش في عام 2009 بعد سحب عدد لمجلة يضم تقريرا حول مصير نظرية التطور.
وتعرضت هذه النظرية أيضا لحملة منظمة من جانب عدنان أوكتار، الذي يلقب نفسه "هارون يحيى"، وهو شخصية مثيرة للجدل ويوصف بأنه قريب من حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو رجل أعمال واسع النفوذ يعمل في كثير من المجالات ويمتلك وسائل إعلام؛ منها مواقع إلكترونية إلى جانب قناة تلفزيونية هي "إيه9"، افتتحها بأمواله، ويقدم فيها برنامجا عبارة عن جلسة مطولة تمتد لساعات في المساء يجلس فيها وسط مجموعة من الفتيات في ملابس مثيرة وماكياج صارخ ومجموعة من الشباب، كما يقطن فيلا فاخرة ويملك عددا آخر من الفيلات والمنازل في أرقى أحياء إسطنبول، ويصفه أتباعه بأنه مفكر أو داعية إسلامي.
تحدى أوكتار المدافعين عن نظرية التطور، ودعا ريتشارد دوكينز وجميع من يعتقدون بإمكانية إثبات النظرية إلى جلسات مناظرة،وبالنسبة له، فإن داروين يكذب ولا يوجد تطور، وقال إنه مستعد لأن يكافئ من يثبت صحة نظرية داروين في النشوء والارتقاء بمبلغ 10 ملايين ليرة تركية (نحو 3 ملايين دولار)، حيث يتمتع أوكتار بتأثير قوي على المجتمعات في تركيا وخارجها، ويبدو أنه نجح في النهاية في أن يكسب معركته ضد داروين رسميا بحذف نظريته من مناهج الدراسة بعد أن رسخ نفسه متحديًا للنظرية وعرض عبر موقعه الإلكتروني اختصارا لجهوده تحت عنوان: "20 سؤالا تدحض نظرية داروين".