بيروت - غيث حمّور
ثقافة الطفل وتربيته، حيث كثرت مشاهد العنف والقتل بشكل ملحوظ، ما فتح المجال للتساؤل بشأن ماهية البرامج المقدمة وطرق تقديمها والمعايير والخطط التي تتبع في استيراد هذه المواد، ويبقى السؤال الأهم، ما الذي تقدمه هذه الفضائيات للطفل؟. وهل هو بالمستوى المطلوب لإغناء مداركه وملكاته؟. وما هي المعايير المتبعة لاختيار هذه البرامج؟.
التقينا أصحاب الشأن والمتخصصين في هذا النوع من الفن، فتكلموا بصراحة عن حيثيات البرامج المقدمة وطريقة اختيارها.
بين الماضي والحاضر
تغيّرت برامج الأطفال خلال العقدين الماضيين بشكل كبير ابتداءً من الشكل والصورة وانتهاءً بالقصة والمضمون، فكانت تعتمد على كتّاب كبار كمسلسل "توم سوير" المُستمد قصته من رواية الكاتب الكبير مارك توين و"الحوت الأبيض" للكاتب هرمان مافيل، و"أحدب نوتردام" لشارلز ديكنز و"جزيرة الكنز" و"توم وجيري" و"النمر الوردي" وغيرها الكثير، وكانت تقدم القصص العالمية بطريقة مشوقة بعيدة عن الابتذال والعنف، لتختلف الرؤية وخصوصًا خلال الـ5 أعوام الأخيرة بتقديم أعمال مبنيّة على العنف والقتل، أبطالها خرافيون وذات حبكة خيالية بعيدة كل البعد عن الواقع كمسلسلات (أبطال الديجيتال ويوغي والبوكيمون وغيرها الكثير)، بالرغم من أن بعض الأعمال الخيالية توقد الذهن ولكنها أصبحت المادة الأساسيّة والبعيدة عن الواقع والقيم المعاشيّة.
العنف المقدم
كثرت مشاهد العنف في الآونة الأخيرة في برامج الأطفال، ولدى لقاء الممثل محمد خرماشو الذي أدى مجموعة من الشخصيّات الكرتونيّة التي حفرت في الذاكرة أهمها "باباي وفلنستون"، موضحًا أنه "يجب أن نكون أكثر عقلانيّة في تقديم أعمال الطفل، وأنا أناشد شركات الإنتاج لتكون أكثر عقلانية في اختيار أعمالها بعيداً عن العنف الذي يقدم حالياً في دراما الطفل، وبالمقابل نحن في شركة سبيس تون نحاول قدر الإمكان الابتعاد عن العنف والمشاهد المؤذيّة، إما بالإعداد أو حتى بالمونتاج، وفي بعض الأحيان نضطر لتغيير القصة بشكل كامل لتتناسب مع مجتمعنا، أيضاً نعتني بشكل كبير باللغة العربية الفصحى ونصر على تقديم جميع الأعمال بها، لأن هذا يساعد الطفل في الحياة ويعطيه أساساً سليماً للتعامل مع اللغة".
وأيّدت الفنانة وفاء موصللي ذلك، ولكنها أوضحت أنّ "أكثر الأعمال لا تنمي مقدرات الطفل ولا تفيده، بالعكس تماماً فهي تحوله إلى مشاكس وذي ميول إجراميّة، وهذا الكلام ليس بالعموم فهناك بعض الأعمال التي تحفز الطفل وترقى بإمكانياته ولكنها نادرة وقليلة فنحن نفتقد للأعمال التي تعبر عنا وعن بيئتنا ومجتمعنا ونضطر لإحضار أعمال من الخارج والتي لا تعبر عنا ولا تمسنا، ولكن بوجود معايير الربح والخسارة يأتي الطفل بمؤخرة المتطلبات والاحتياجات التي يجب أن تقدم".
ورأت المُمثلة فاطمة سعد أنّ "بعض الشركات تحاول تهذيب الأعمال التي تقدمها ولكن للأسف بالمقابل الكثير منها لا يكون بالمستوى المطلوب، ولست راضية عن كثير من الأعمال المقدمة، فيجب إلغاء جميع مشاهد العنف، وإن اضطررنا لإلغاء هذه الأعمال من أساسها لأن ذلك يؤثر بشكل سلبي على الطفل ولا يخدم التربية".
الربح والخسارة
وبشأن معايير اختيار الأعمال المقدمة، أكّد المشرف على العديد من الأعمال الكرتونية زياد الرفاعي، أنه بالنظرة العامة لا يوجد معايير لاختيار الأعمال المقدمة للطفل، فهذه الاختيارات تخضع لمعيار واحد وأساسي هو المعيار الربحي والذي تنتهجه معظم الشركات ولا تعتمد على الأفكار أو الرسائل التي تقدم".
وعبّر نديم سليمان الذي عمل في وقت سابق في دراما الطفل عن المعايير المتبعة في الاختيار، مشيرًا إلى أنّ "اختيار أعمال الأطفال يتم بالكيلو، حيث تقوم شركات الإنتاج باستيراد الأعمال بالجملة دون النظر إلى قيمتها الأخلاقية أو الثقافية، فإحضار عمل معين ذو قيمة ما يرتبط بشراء عشرة أعمال أخرى بالمقابل دون أي قيمة والشركة مضطرة لشراء هذه الأعمال العشرة لتحصل على العمل المطلوب (الضارب) وهي تخضع بالنهاية لمعايير الربح والخسارة بالمقام الأول".
وذكر محمد خرماشو أنه "حتى يكون اختيار الأعمال الكرتونيّة صحيحاً وفاعلاً، يجب أولاً أن نكون محترمين لذاتنا، لديننا، لأخلاقنا ولمبادئنا وهذا للأسف غير موجود على أرض الواقع".
وقدّم يحيى الكفري الكثير من الشخصيات الكرتونيّة وأبرزها دور المقنع وأشرف على العديد من البرامج، موضحًا أنّ "الرسوم المتحركة فن جديد في مجتمعنا العربي رغم قدمها على مستوى العالم وعلى اعتبار جدته فتتفاوت نسب قبوله وتعتبر من المؤثرات الأساسية في حياة الطفل خاصة أنه يعتبر كصفحة بيضاء تتقبل أي خط يكتب عليها. فيجب التعامل معه بحذر ودقة شديدين وهو ما نحاول القيام به".
التلفزيون والتربية
ولا شك أنّ التلفزيون أصبح أحد أهم وسائل التربية عبر ما يقدمه فلم تعد تقتصر تربية الطفل على المدرسة أو المنزل، وعن هذه الفكرة أكّدت الممثلة هزار الحرك التي قدمت مجموعة من الشخصيات الكرتونية ومنها مغامرات فريد "السلحفاة"، أنه "لم تعد تقتصر تربيّة الطفل على المنزل أو المدرسة حيث أصبح التلفزيون يلعب دوراً هاماً في هذه التربية، وحكماً برامج الأطفال مهمة جداً في هذه العملية وليس فقط على صعيد القيم الأخلاقية كالصدق والأمانة والنظافة وغيرها ولكنها تساعد على تنشيط مخيلته وتوسيعها كما تهذب أذن الطفل لتكون متذوقة للموسيقى بشكل أفضل، حتى لغة التخاطب تصبح أكثر رقياً لديه من خلال اللغة المقدمة، ولكن الإشكالية تكمن بتزايد البرامج أو المسلسلات التي تقوم أساساً على العنف وهذا نابع من الوضع العالمي بشكل عام، فالأفلام والمسلسلات وحتى الأخبار مليئة بالعنف".
ويشار إلى أنّ الطفل ذكي بالفطرة وهو صاحب الانطباع الأهم، وعن ردود فعله، أوضح خرماشو أنه "بالنسبة لي كنت وعبر تاريخ عملي أحصل على ردود الفعل من أطفالي في المقام الأول، فكنت ألحظ انطباعين، الأول أن والدهم هو الذي يعمل وهذا طبيعي، والثاني لديهم دقة في التقاط الأخطاء التي يطلعوني عليها مما يساعدني على تطوير أدواتي وطرائقي في الأعمال الأخرى، فالطفل أذكى مما نتصور ومن يظن غير ذلك فهو مخطئ، في كثير من الأحيان أكون تعيساً وأخرج للحديقة فألتقي بعدد من الأطفال وعندما يتعرفون علي من خلال صوتي، يطلبون سماع صوت أحد الشخصيات التي قمت بأدائها، وعندما أقوم بذلك يعتريني شعور جميل وأمر بلحظات مميزة أعتبرها من أسعد لحظات حياتي".
الحلول المرجوة
في ظل العنف المقدم وطرق الاختيار المتبعة، اقترحت مجموعة من الحلول الممكنة لتلافي هذه العقبات، أوضحت الممثلة لورا أبو أسعد أنه "لا يوجد أي عمل للأطفال لا يخلو من مقولة (أي كان مكان إنتاجه)، ولكن المشكلة الموجودة حالياً هي الاضطرار لعملية المونتاج وتغيير لمجرى الأحداث لهذه الأعمال بما يتلاءم مع مجتمعنا وعاداتنا، ولكننا بذلك نتجاهل مسألة هامة جداً هي أن الطفل العربي أصبح ملماً باللغة الإنكليزية والفرنسية ويشاهد من خلال الفضائيات هذه الأعمال بلغتها الأصلية وبالتالي يرى عمليات المونتاج التي نقوم بها ويعتبرها خديعة له، لذلك يجب أن نبدأ بتصنيع مسلسلاتنا الخاصة بنا والتي تقول مقولاتنا فنحن لسنا بحاجة لأن نضع في ذهن الطفل العربي مقولات ذات ثقافات أخرى أو حتى طريقة التربية أو العادات أو التقاليد، فالأفضل أن تكون أعمالاً محلية من الألف إلى الياء تتضمن كل ما نريد أن نوجهه لطفلنا بما فيها الأسماء والأماكن والتاريخ والتراث وغيرها لنستطيع تقييم حجم الفائدة التي حصدها الطفل.
وأكّدت الحرك متابعة ومراقبة برامج الأطفال، لافتةً أنه "يجب تفعيل لجان مراقبة للأعمال المقدمة للطفل على المستوى المحلي في سورية والعالم العربي، وحتى إن أمكن أن تكون هناك لجان ومؤسسات عالمية تعنى بمراقبة أعمال الطفل وتعمل على تحديد القيمة الحقيقية للعمل ومدى تأثيره على الطفل وما الفوائد التي سيحققها لتتخذ بعد ذلك قرارها بعرضه أم لا، فالطفل بحاجة لأعمال تمسه أكثر بدلاً مما يقدم له حالياً فهو وللأسف يربى حالياً على مسلسلات كسنوات الضياع ونور وأغاني هيفاء وهبي وهذا إجحاف بحقه ويؤثر على نشوئه بشكل كبير".
فيما لفتت الممثلة وفاء موصللي إلى أنّ "الحل يجب أن يكون بإنتاج محلي يعبر عن أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتخلي عن الاستيراد للأعمال الأجنبية التي تقدم ثقافاتها ومجتمعاتها التي لا تمت لمجتمعنا بصلة".
تعقيب المحرر
على ما يبدو، فإن الطفل وحاجاته تأتي في مؤخرة المعايير المتبعة في اختيار البرامج المقدمة، فالعنف أصبح المادة الأساسية المقدمة للطفل، وأصبحت القيم الأخلاقية والحضارية تأتي بعد القيمة الربحية بمراحل، وهذا لا يخدم مجتمعنا العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص، فيجب علينا أن نكون أكثر حذراً ودقةً في التعامل معه، فمن حقه علينا أن نضع احتياجاته في أولويات عملنا.