تونس-أسماء خليفة
أن "المحاكم شهدت تتبعات قضائية في حق الصحافيين بمعدّل 4 صحافيين شهريًّا في قضايا تتعلق بالنشر، وأغلبها يتعلق بفصول من القوانين الزجرية، (المجلة الجزائية، ومجلة الاتصالات، ومجلة المرافعات العسكرية)، وهي شكاوي تُثار من قِبل مواطنين أو مباشرة من قِبل السلطات العمومية؛ كالنيابة العمومية، والمكلف بنزاعات الدولة"، مضيفًا أن "الدعاوي العمومية، (اتصاف الدولة بصفة الشاكي)، تظل عنصر ضغط على السلطة القضائية".
وصنَّف التقرير، "أنواع الاعتداءات المسلطة على الصحافيين للحد من حريتهم في التعبير، وهي ملاحقتهم؛ قضائيًّا، ومضايقتهم وتهديدهم بالتصفية الجسدية، ومن ذلك توجيه تهديد بالقتل إلى 18 صحافيًّا على خلفية مقالات نشرت لهم سواء في الصحف أو المجلات أو في مدوناتهم الشخصية أو على خلفية إنتاج صحافي سمعي بصري، تضرر منه 19 صحافيًّا، وصحافي مصور".
وبالرغم من سوء هذا الوضع الذي يُهدّد حريّة التعبير يرى حوالي 70 ٪ من التونسيين، وفقًا لاستطلاع رأي أعده معهد "أمرود كونسيلتنغ" أن حرية التعبير مضمونة، وأن هناك فعلًا ممارسة لحرية التعبير.
وأوضحت مديرة مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس، آمنة الڤلالي، أنه "لا مُشكل في حرية التعبير ما بعد الثورة، بل المشكل في ضمان حرية ما بعد التعبير" داعية إلى "ضرورة وضع ضمانات حقيقية؛ لضمان حرية التعبير ما بعد النشر".
ويرى عضو المكتب التنفيذي للرابطة التونسية لحقوق الإنسان، محمد صالح الخريجي، متحدثًا باسم "الائتلاف المدني للدفاع عن حرية التعبير"، أن "تلك الحرية في مفترق طريق في تونس؛ فهي في الظاهر مضمونة ومصانة، لكن الخطير هو التربص بها وضربها".
واتهم الخريجي، السلطة ولاسيما حركة "النهضة الإسلامية" بـ"محاولة ضرب حرية التعبير، وتوجيهه من خلال توجيه الاتهامات إليه"، مشيرًا إلى أن "عدم فهم المقصود من حرية التعبير، إذ أن هناك سلطات، ومنها السلطة التنفيذية إلى يومنا هذا ترى أن حرية التعبير هي التي لا تتجاوز حدود نقدها".
وانتقد الخريجي من يمارسون حرية التعبير، قائلًا "حرية التعبير هي حق وواجب، وهي لا تعني التعبير عن كل شيء، وبأي شيء، بل تعني احترام الآخر، وهذا ما يجب أن يفهمه رجال الإعلام والحقوقيين".
واعتبر منسق وحدة رصد وتوثيق الانتهاكات الواقعة على الإعلام التونسي، في مركز تونس لحرية الصحافة، الفاهم بوكدوس، في تصريح خاص لـ"العرب اليوم"، أن الأرقام التي تُحصي الاعتداءات على الإعلاميين والمبدعين أثناء تقديمهم للمحتوى الصحافي أو الإبداعي ما بعد الثورة كانت مفزعة، وتشير إلى تحديات كمية ونوعية لحرية التعبير في المرحلة الانتقالية".
وأضاف بوكدوس، "وتحصل تلك الانتهاكات في ظل وجود ضمانات قانونية ومجتمعية وأخلاقية لحرية التعبير، لكن منذ مدة بدأت تطرح حدود تلك الضمانات ما بعد النشر بدليل أنه تم رصد حوالي 4 متابعات قضائية في حق إعلاميين غالبيتها لها علاقة بمحتويات إعلامية تتناول قضايا مهمة على غرار الفساد المالي والإداري، واستغلال النفوذ والتعذيب، وشهداء وجرحى الثورة، والأمن الموازي".
وأوضح أن "هذا الأمر دعّم المخاوف من استعمال العدالة؛ لتخويف الإعلاميين والتحكّم في حجم الجرأة والشجاعة في تناول الملفات المجتمعية التي تليق بالمرحلة الانتقالية"، مشيرًا إلى أن "ارتباط النيابة العمومية بوزارة العدل عزّز في حجم تلك المخاوف، وأعطى مبررات إضافية لاتهام "الترويكا" الحاكمة بمحاولات محاسبة صحافيين على إنتاجهم الإعلامي أو على خلفية الخط التحريري لمؤسساتهم الصحافية".
وتابع الفاهم بوكدوس، أن "التحدي القضائي أحد التحديات، بالإضافة إلى الممارسات الإدارية، وعودة أساليب الرقابة الناعمة، التي تصل إلى الحرمان من الإشهار العمومي، في شكل عقاب جماعي، يتجاوز الإعلامي إلى مؤسسة بأكملها، وكثيرًا ما تتدخل قوى سياسية ومالية وسلطوية لإزاحة إعلامي من مواصلة تقديم برامج أو نشر مقالات لمجرد عدم الإعجاب بطبيعة تغطيته لبعض الأحداث، غير أنه من أخطر تحديات ما بعد النشر تفاقم تهديدات الإعلاميين بالقتل أو التعرض لهم بالعنف اللفظي والمادي"، مشيرًا إلى أن ذلك "أجبر إعلاميين على تغيير مقار سكنهم، وتخفيف ظهورهم في الأماكن العامة، وعدم حمل شارات مؤسساتهم الإعلامية أثناء تغطية التحركات المهمة على غرار التظاهرات والمسيرات وبعض هؤلاء خصص حماية أمنية له".
وأوضح بوكدوس، أنه "بالرغم من رفض انتهاكات حرية التعبير، نجد مبررات لتفهمها في ظل مرحلة حرجة تمر بها البلاد، لكن ما لا يمكن تفهمه، هي اعتداءات ما بعد النشر"، معتبرًا أنها "تبدو ممنهجة ومبرمجة، وتخدم إستراتيجيات الهيمنة على المحتوى وصياغة رأي عام على القياس، وتعكس عقلية العداء المتأصل لحرية الصحافة والتعبير".
وأكد منسق وحدة رصد الانتهاكات، أن "حرية التعبير مازالت هشة، ويمكن أن تزعزع أمام الضربات القاسية، لكن الأمر سيصبح أصعب إذا تم إرساء سياسات لقمع الصحافيين والمبدعين بعد نشر المحتوى، ولاسيما إذا تعلق الأمر بسياسة دولة"، مشيرًا إلى أن "حرية التعبير بعد النشر مازالت مائعة وضبابية، لاسيما في ظل وضع الإفلات من العقاب المدعوم قضائيًّا وسياسيًّا، ويجب توسيع النقاش بشأنها لإيجاد حاضنة اجتماعية تحميها وتحصنها في ظل الفوضى الأمنية والسياسية، ولكن تبقى مسؤولية السلطة في ذلك محورية وأساسية".