الصحافة تدفع ثمن التحولات السياسية في العالم

حذرت منظمة "مراسلين بلا حدود"، في تقريرها السنوي لعام 2017، الصادر الأسبوع الماضي، من أن "حرية الصحافة في العالم لم تكن أبدًا مهددة مثلما هي مهددة اليوم"، معربًة عن قلقها بسبب "تحول كبير" سلبي "في الديمقراطيات العتيدة"، بداية بالولايات المتحدة.
فيما تزامن صدور التقرير مع مرور 100 يوم على الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، وزيادة توتر علاقته مع الإعلام الأميركي، وعزا التقرير تراجع الصحافة في الدول الديمقراطية إلى أن "هاجس المراقبة، وعدم احترام سرية المصادر، يساهمان في تراجع حرياتها في دول كثيرة كانت، حتى عهد قريب، نموذجًا للحكم الرشيد".

ووضع التقرير، الولايات المتحدة في المرتبة 43 "مرتبتين أقل من تقرير العام الماضي"، مؤكدًا إن "وصول دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، وحملة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شكلا أرضية خصبة لدعاة تقريع وسائل الإعلام، وللمحرضين على الخطاب العنيف المعادي للصحافيين"، وإلى بداية "عصر جديد تطغى عليه مظاهر التضليل، والأخبار الزائفة، ونموذج الرجل القوي والاستبدادي" وفق ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.

ومن جانبه، قال الأمين العام لمنظمة "مراسلين بلا حدود"، كريستوف دولوار: "يقض هذا التحول الذي تشهده الديمقراطيات مضجع كل من يعتقد بأن قيام حرية الصحافة على أساس متين، هو السبيل الوحيد لضمان الحريات الأخرى"، وخلال تلك الفترة كانت علاقة الرئيس ترامب بوسائل الإعلام الأميركية والصحف المعروفة محل نقاش واسع، حيث بدأت العلاقة المتوترة بين ترامب والإعلام الأميركي منذ بداية الحملة الانتخابية، قبل عام تقريبًا من فوزه بالرئاسة.

وأخذ التوتر أشكالًا جديدة بعدما دخل الرئيس ترامب البيت الأبيض، وكان أغلب الهجوم الذي شنه ترامب من منصته الرسمية في "تويتر"، ويمكن الإشارة إلى أبرز التغريدات كالتالي: في اليوم الأول من بداية مهامه في البيت الأبيض 22 يناير/كانون الثاني، انتقد الإعلام، بسبب ما قال إنه خفض عدد الذين حضروا حفل تنصيبه أمام الكونغرس، وغرد في 24 يناير، بأن الصحافيين الأميركيين "من أسوأ الناس غير الشرفاء على سطح الأرض".

وفي اليوم نفسه، منع المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، مراسلي "نيويورك تايمز" و"سي إن إن" و"لوس أنجلوس تايمز" و"بوليتيكو" و"بازفيد"، من حضور مؤتمر صحافي خاص، وفي بداية مارس/آذار، غرد ترامب ضد الصحافيين الأميركيين، وقال إنهم يبالغون فيما يسمونه "سر" علاقته مع روسيا، وكرر أن شركاته لا تستثمر في روسيا، وأن روسيا لم تتدخل في انتخابات الرئاسة لتضمن فوزه.

وفي الرابع من مارس، هاجم ترامب الإعلام الأميركي لعدم اهتمامه باتهام الرئيس السابق باراك أوباما بالتجسس على حملته الانتخابية، 16 - 2: في مؤتمر صحافي عاصف في البيت الأبيض، ذكر إن الإعلام الأميركي غير شريف، ولا يخدم الشعب الأميركي، و17 - 2: غرد بأن صحيفة "نيويورك تايمز" وتلفزيونات "إن بي سي" و"سي بي إس" و"آي بي سي" و"سي إن إن" هي "أعداء للشعب الأميركي".

فيما يبدو أن الإعلام كسب "جولة أول 100 يوم"، حيث كان ترامب قد راهن، ليس فقط على عدم أهمية هذا اليوم الرمزي، ولكن، أيضًا، على أنه لن يهتم به، لكن، مع اقتراب اليوم، زاد اهتمامه به، بسبب زيادة اهتمام الإعلام به، وخسر رهانًا ثانيًا، ربما من دون أن يدري، تلك المرة، ضد التاريخ الأميركي، وذلك لأن قياس إنجازات الرئيس الأميركي خلال أول 100 يوم له في البيت الأبيض جزء من التاريخ الأميركي، منذ عام 1933.

ففي ذلك العام، ألقى الرئيس فرنكلين روزفلت خطابًا عن أول 100 يوم له في البيت الأبيض، وصار التركيز على الرئيس، لا على الكونغرس، وفي أول أسبوع له في البيت الأبيض، وعندما بدأ ترامب يقرأ ويشاهد "أول 100 يوم" على صفحات الصحف وشاشات التلفزيونات، غرد قائلًا: "ما هي أول 100 يوم؟ ومن وراءها؟ ومن مخترعها؟ لا بد أنها صحافة الأخبار الكاذبة"، مضيفًا: "لا تصدقوا كل تلك الضجة بشأن أول 100 يوم، هذا اختراع صحيفة "نيويورك تايمز"، متابعًا: "100 يوم فترة وهمية في خيال صحافيين واهمين".