برنامج "البشير شو"

أعلن الكوميدي العراقي الساخر أحمد البشير، عبر مقطع فيديو يصوّره كسجين يتم التحقيق معه، ويسعى فريقه إلى تحريره، عن عودته إلى شاشات التلفزيون، وتحديدًا لشاشة DW عربية. وعُرف برنامج "البشير شو" بسخريته اللاذعة من الأوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية في العراق، لاسيما قضايا الإرهاب والفساد، ما أكسبه عداوات لدى بعض أفراد الطبقة السياسية والدينية في العراق.

ولكن "البشير شو" لم يكتف فقط بالسخرية من المشهد السياسي العراقي عن بُعد، بل عمد أيضاً إلى استضافة عدد من البرلمانيين والبرلمانيات العراقيات في الاستوديو، وهم نفس الأشخاص الذين كان يسخر منهم، في بادرة نادرة من نوعها في العالم العربي. وعبّر فريق DW عربية عن سعادته بعودة البرنامج إلى شاشته، وهي سعادة شاركه فيها العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما من العراق، والذين أكدوا اشتياقهم للبشير وبرنامجه وفرحتهم بما سيقدمه من جديد.

وتبث حلقات الموسم الجديد من "البشير شو" كل جمعة في التاسعة مساءً بتوقيت بغداد. ومثل هذه البرامج خطرة بالنسبة إلى من ينتجها ويعدها، لأنها تضع مذيعًا يتحدث بمفرده أمام الجمهور، لنحو ساعة من الزمن، يقف فيها على خيط رفيع بين الملل والمتعة. ولكنّ الإعلامي العراقي أحمد البشير غامر في ظل هذه المعطيات ليستنسخ برنامج باسم يوسف في مادة ســياسيّة ســاخرة باســم "البشير شو". وبدأ البشير مراسلاً ميدانياً في العراق، ومن ثم مُعداً للأفلام الوثائقية ومحاوراً في برامج سياسية، حتى عام 2011 عندما بدأ تقديم برامج الكوميديا السياسية.

والحال، أن المشهد السياسي العراقي يضج بمواد وأحداث كانت تنتظر من ينقدها أو "يسخر" منها، ولكن كان كثيرون يخشون الاقتراب من هذا الميدان، خوفاً من الاستهداف، وربما ساعدت إقامة أحمد البشير في عاصمة عربية أن يقدم على هذا المشروع. ووصل البرنامج العراقي إلى حلقته الخامسة عشرة، وبات من الواضح أنه يرزح تحت لعنة باسم يوسف، بل إنه يعيد إنتاج تقنياته وأدواته في السخرية السياسية في شكل نصي. فالنسخة العراقية تفتتح بالمقدم وهو يقلد حركات الترحيب ذاتها التي كان باسم يوسف يقوم بها، إلى جانب "غرافيك" الشخصيات السياسية والاجتماعية التي تظهر في زاوية من الشاشة، واستعماله الأغاني المحورة، كما أنه أعاد بث القطع الموسيقية التي كانت معتمدة في برنامج "البرنامج".

ولجأ "البشير شو"، أيضاً إلى استدعاء تفاصيل وتقنيات من برنامج باسم يوسف من دون تعديل أو تطوير، اذ حشرت "الطبعة العراقية" حركة باسم يوسف بيديه حين يشير إلى الحب ومعها عبارة " "we love you، أو قوله كما كان يكرر يوسف، "اشتقتم ألي".

وفي البرنامج العراقي يستعين المقدم بممثلين مساعدين يدخلون الاستوديو لتأدية مشاهد لها علاقة بالمادة السياسية التي يتناولها، تماماً كما حال باسم يوسف، بل إن "لوغو" البرنامج العراقي مستوحى، إلى حد بعيد، من "لوغو" النسخة المصرية. ونجح البرنامج العراقي في استقطاب جمهور واسع. في قناة "يوتيوب" ثمة ٧٠ ألف مشترك مع الحلقة ١٥ من البرنامج، وفي "فايسبوك" و"تويتر" ثمة نحو ١٢٩ ألف متابع. وتحولت مقاطع من البرنامج إلى مواد مرئية يجري تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، في ما يبدو أنها اختصرت على المدونين العراقيين الكثير من الكلمات التي توجه النقد للقوى السياسية.

لقد استهدف "البشير شو" في حلقاته الماضية شخصيات سياسية، وقدم نقداً لاذعاً لأدائها وتصريحاتها، في مناخ سياسي متشابك ومعقد، ينتظر فيه العراقيون أن يسمعوا صــوتاً يفرغ غضبهم على أداء نخبهم.

ويبدو أن جمهور "البشير شو" لا يكترث للتقليد "النصي" للمنتج الذي قدمه باسم يوسف ولا يقف عنده كثيراً، حتى حين يتحايل على الألفاظ في الإيحاءات الجنسية، لأنه، ببساطة، في حاجة ماسة ليتعاطى مع كوارث السياسة العراقية بالنكتة، وها قد وفرها لهم أحمد البشير. وتعرض قناة NRT عربية اضافة إلى قناة "دويتشه فيله DW" الألمانية  البرنامج كل يوم الجمعة.

ووفق العقد المبرم بين القناتين، فإن حلقات البرنامج "البشير شو" الذي يقدمه الإعلامي أحمد البشير، تعرض على شاشة قناة NRT عربية مساء كل يوم جمعة في تمام الساعة 9:15 بتوقيت بغداد. ويقول رئيس تحرير صحيفة الصباح فلاح المشعل السابق، إن برنامج البشير شو  يرصد أخطاء المسؤولين ولا يتردد عن فضح فسادهم بسخرية مضحكة ، مبينا أن البرنامج حقق نجاحا غير مسبوق في فضاء الإعلام الفضائي، كما أسس الفنان الإعلامي أحمد البشير منعطفا وريادة في تشكيل كوميديا الموقف من خلال الشاشة في عرض ناقد لأزمات الواقع السياسي والاجتماعي من خلال نقد الشخصيات.

وأضاف أن ضغط الواقع في العراق على المواطن المحاصر الأزمات والقلق، يلجأ إلى ( البشير شو) للتنفيس عن معاناته، هذا الأسلوب يمثل ذروة أهداف فن الكوميديا الذي يخفف عن أحزان الإنسان في واقع معادي، لافتًا إلى أنه الفن الأصعب الذي يعيد صياغة مواقف البؤس واللامعقول والفوضى والقهر ويحيلها لقطات ساخرة ، تجعل المقهور يضحك إنطلاقا من الشعور بالتضامن والقوة أحيانا.

ويرى المشعل أن نجاح البشير في ملامسة مشكلات الواقع اليومي أعطى له ملايين من المتابعين والراصدين لحلقاته الأسبوعية من ( البشير شو)، كما دعى محطات فضائية معروفة مثل الألمانية ( DW) و( NRT ) العراقية، إلى عرض البرنامج بتزامن مع قناته الشخصية على (اليوتيوب) ، ما يجعله يحظى بتأثير يفوق رؤساء العراق مجتمعين.

وبين أن انتشار "البشير شو يدعونا إلى إعادة تذكيره بأهمية أن تتوزع دقائق البرنامج على انتخاب ابرز المواقف في وقائع حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، وابتكار المزيد من الفقرات التي تزيد البرنامج غنى وتنوع. وأوقفت السلطات العراقية العام الماضي  البرنامج الساخر "البشير شو" بعد أقل من أسبوعين على بدايته على شاشة قناة السومرية وعاد بثه من جديد هذا العام على شاشة قناة "دويتشه فيله DW" الألمانية. وحلقتان للبرنامج بثتهما القناة أثارتا لغطاً في الأوساط الشعبية بين مؤيد ورافض للانتقادات الساخرة التي يطلقها مقدم البرنامج أحمد البشير.

وأصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية بياناً بوقف البرنامج عن البث، موضحةً أن السبب هو "مخالفات لمدونات ممارسة المهنة لوسائل الإعلام". وأشارت الهيئة إلى أن "المخالفات تتعلق باللياقة والآداب العامة فضلاً عن مخالفات أخرى تتعلق بالمهنية والشفافية في نقل المعلومات والابتعاد عن الإيحاءات المسيئة".

أطلقت قناة السومرية الفضائية التي تبث البرنامج على موقعها الرسمي توضيحاً بهذا الصدد، قالت فيه إن "البرنامج ليس من إنتاجها وأنها تعاقدت مع الجهة المنتجة، لتشجيع البرامج النقدية وأن الآراء الواردة فيه لا تعبر عن رأي المؤسسة، مشيرة إلى أن "القناة ملتزمة بمعايير المهنية واحترام الأديان والمعتقدات والمذاهب وحرية الرأي والرأي الآخر شرط عدم التعدي على تلك المعتقدات". وكانت الحلقة الأخيرة من البرنامج بعنوان (معتصمدا) وتناولت ضمن فقراتها آراءً لرجلي دين عراقيين بطريقة ساخرة أحدهما طه الدليمي الشهير بدعواته لإنشاء إقليم سني، والآخر صباح شُبَّر الشهير بفتوى دينية تجيز رضاعة حليب من بقرة ميتة.

ويعتبر برنامج "البشير شو" أحد أكثر البرامج الشعبية الساخرة انتشارًا في العراق، والذي يتضمن نقداً ساخراً لسياسيين ورجال دين بطريقة كوميدية. وبدأ البرنامج بثّه على قناة الشاهد ليتم إيقافه فيما بعد ثم انتقل للبث على قناة DW الألمانية وقناة السومرية الفضائية العراقية من أستوديو في الأردن، قبل أن يصدر قرار بإيقافه. وتلقى البشير خلال مسيرة برنامجه تهديدات عديدة من جماعات مسلحة وأحزاب سياسية عراقية، وصلت إلى حد تدخل سياسيين كبار في العراق لدى حكومة الأردن لإيقاف البرنامج.