بغداد ـ العرب اليوم
شهدت الفترة الممتدة ما بين 3 أيار/ مايو 2014 إلى 3 أيار/ مايو 2015، عمليات مميتة بحق الصحافيين العراقيين والأجانب، حيث أصيب وقتل 34 مراسلًا ومصورًا صحافيًا، واختطف
أكثر من 27 آخرين، بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات شاسعة من البلاد.
واتخذت السلطات الحكومي، بعد وقوع تلك المناطق تحت سيطرة التنظيم المتطرف في حزيران/ يونيو 2014، مجموعة إجراءات تتعلق بعمل وسائل الإعلام ووسائل الاتصال وخدمة
الانترنت، حيث عمدت الأجهزة الأمنية ووزارة الاتصالات ومعهم هيئة الإعلام إلى قطع خدمة الانترنت في معظم محافظات ومدن العراق.
وشددت الرقابة على القنوات الفضائية والمنافذ الإخبارية ووكالات الأنباء، فضلًا عن حجبها جميع مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" وخدمات أخرى مثل
"سكايب" و"فايبر" و"واتس آب"، ومن الحالات الأمنية النادرة شهد إقليم كردستان العراق عمليات قتل لصحافيين وعمليات احتجاز وتضييق.
وصرَّح رئيس مرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي، بأنَّ غياب الصحافيين عن مشهد التواصل مع الكثير من مناطق البلاد جعل التغطية الصحافية غير موضوعية، وفي الوقت الذي مارس فيه المتطرفون حرية السيطرة على عملية نشر المعلومات في المناطق التي يبسطون سيطرتهم عليها، فسح المجال إلى هيمنة صحافيين متحزبين متطرفين بدلًا من صحافيين محترفين.
وأوضح العجيلي أنَّ هذه التغطيات تركت أثرها على الصورة الكبيرة للأحداث وسط روايات متناقضة أدت إلى إضعاف الثقة في بعض ممن تبقى من الصحافيين الحقيقيين الذين يحاولون نقل حقائق الأحداث وإنقاذ مصداقية الإعلام، وهو ما دفع عناصر "داعش" إلى ممارسة أبشع الجرائم والترويع ضد الصحافيين ومندوبي الأخبار في محاولة منه لاستكمال حريته في نشر ما يريده وإخفاء الجوانب المظلمة من عملياته".
وأضاف: "بعد الهجمات الشرسة التي تعرضت لها المؤسسات الإعلامية والصحافيين من قبل تنظيم "داعش"، أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات يوم 18 حزيران/ يونيو 2014 قائمة تتضمن توجيهات وإرشادات يتعين على وسائل الإعلام إتباعها، وأقدمت الهيئة على إصدار قرارات بوقف بث بعض وسائل الإعلام وإغلاق مكاتب قنوات فضائية محلية وعربية كالبغدادية والبابلية والعربية والعربية الحدث وقناة الجزيرة، وصحيفة الشرق الأوسط".
وأبرز أنَّ "الحكومة العراقية السابقة عمدت إلى تفعيل مذكرات إلقاء قبض أصدرتها بتهم مختلفة ضد صحافيين وناشطين إعلاميين، وفقا لقوانين سابقة تبالغ في المعاقبة على ما يسمى "جرائم النشر" وتحدد حرية الصحافة بما ينسجم مع نظام القمع والاستبداد والدكتاتورية في النظام السابق، وهو أمر يتقاطع مع أحكام الدستور الحالي جملة وتفصيلًا".
وتابع العجيلي: "وفيما لايزال العمل الصحافي الميداني وحمل الكاميرا أمرًا معقدًا للغاية، تحصر السلطات أمر السماح لحركة الصحافيين وتجوالهم بالقيادات العسكرية والأمنية في جميع المدن العراقية، ويتعرض الصحافيون في معظم الأحيان للمنع من التصوير والتغطية الإعلامية ما لم يحصلوا على موافقات أمنية سابقة تكون معقدة وكيفية في الغالب، على الرغم من صدور أمر من قبل رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي يقضي بإلغاء الوصاية العسكرية على الفرق الإعلامية".
وأشار إلى أنَّ السلطات الأمنية بالتعاون مع وزارة الاتصالات حجبت العام الماضي في 15 حزيران/ يونيو، 20 موقعا إخباريا، إلا أنها رفعت الحجب تباعا عن معظم المواقع الالكترونية، باستثناء موقع قناة "البغدادية" و"البغدادية نيوز" وموقع قناة "العربية" وموقع وكالة "القرطاس نيوز"، دون إعطاء مبررات منطقية.
واستدرك: "في خضم تلك الأحداث كان تنظيم "داعش" يمارس أبشع الجرائم بحق صحافيين وإعلاميين في مناطق سيطرته، وشن حملات بحث عن الصحافيين المتوارين ونجح في اختطاف أكثر من 27 منهم في مدينتي تكريت والموصل، ووثق مرصد الحريات الصحافية من داخل المحافظتين تعميم بيانات مختومة بختم "داعش" مفادها إصدار أوامر إلى جميع عناصره بتصفية الإعلاميين المتواجدين في المحافظتين ومصادرة جميع ممتلكاتهم بتهمة "تضليل صورة التنظيم لصالح الحكومة العراقية".
وبيَّن مرصد الحريات الصحافية، أنَّ التنظيم المتطرف نفذ 3 عمليات إعدام بحق صحافيين عراقيين، ففي 6 أيلول/ سبتمبر عام 2014، أعدم التنظيم الصحافي رعد محمد العزاوي، الذي يعمل مصورًا في قناة "سما صلاح الدين"، بعد أسابيع من اختطافه من قرية سمرة شرق مدينة تكريت، وفي 19شباط / فبراير عام 2014 أعدم مراسل قناة "سما الموصل" قيس طلال رميَا بالرصاص وسط المدينة ، وفي 28 نيسان / أبريل أعدم الصحافي ثائر العلي، بعد اختطافه من مقهى في منطقة الدواسة، وسط المدينة، عندما "كان يجري اتصالات هاتفية مع وسائل إعلام محلية وتزويدها بالأخبار".
وأوضح المرصد في بيان له: "في حزيران/ يونيو 2014 شن التنظيم المتطرف في الموصل حملة اعتقالات بعد إعداد قائمة مطلوبين تتضمن أسماء 50 صحافيًا ومساعدًا إعلاميًا واعتقل أكثر من 14 صحافيًا، بعد أن تمت مهاجمة منازلهم في مناطق متفرقة من مدينة الموصل، ولم تقتصر الاعتقالات على مراسلي ومصوري القنوات الفضائية، بل شملت فنيين عاملين في مجالات الهندسة الضوئية والمونتاج وإدارة المؤسسات الإعلامية".
وبحسب إحصاءات مرصد الحريات الصحافية فإنَّ تنظيم "داعش" مازال يحتجز ثمانية كتاب وصحافيين ومصورين في محافظة نينوى، اختطف القسم الأكبر منهم في العاشر من حزيران/ يونيو من عام 2014 ، منهم الكاتب والصحافي فاضل الحديدي والإعلامي مهند العكيدي، والمصور الصحافي علي النوفلي، ومقدمة البرامج في قناة "الموصلية" الفضائية ميسلون الجوادي والكاتب الصحافي جمال المصري.
واختطف التنظيم في نهاية كانون الأول / ديسمبر من عام 2014 ثلاثة آخرين هم مراسل وكالة "عين الإخبارية" محمد إبراهيم وشقيقه مصعب إبراهيم الذي يعمل بصفة مصور فوتوغرافي في ذات الوكالة ومراسل قناة "الموصلية الفضائية" عبد العزيز محمود.
ولم تنته المخاطر عند المناطق التي هرب منها الصحافيون بعد سيطرة تنظيم داعش عليها، إنما أدت معارك التحرير، التي تخوضها القوات العراقية بكل تشكيلاتها وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد التنظيم المتطرف، إلى مقتل وإصابة 34 مراسلًا ومصورًا في ساحات المعارك.
وقتل في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2014 المصور الصحافي عماد عامر لطوفي في تفجير عبوة ناسفة كانت تستهدف موكب قائد شرطة الأنبار أحمد صداك حين كان يرافقه ويقوم بتغطية مواجهات مسلحة عنيفة مع تنظيم "داعش".
كما قتل في 23 كانون الثاني/ يناير من هذا العام مراسل قناة "الغدير" الفضائية علي الأنصاري، خلال اشتباكات مسلحة وقعت بين قوات الأمن العراقية وعناصر من "داعش" في محافظة ديالى، وفي 9 آب / أغسطس قتلت الصحافية الكردية دنيز فرات، إثر إصابتها بشظايا قذائف هاون أصابت قلبها في مخيم بالقرب من مدينة مخمور، وقتل في 13 مايو / أيار 2014 مراسل قناة "التغيير" في الأنبار همام محمد، إثر سقوط قذيفة بقربه، أثناء تصويره لمعارك بين قوات الجيش العراقي وتنظيم "داعش".
وأطلق مسلحون في 14 حزيران / يونيو 2014 الرصاص من أسلحة رشاشة تجاه فريق عمل قناة العهد الفضائية في محافظة ديالى، أثناء تغطيتهم لعمليات عسكرية لتحرير منطقة العظيم، ما أدى إلى مقتل المصور الصحافي خالد علي حمادة، وفي 20 كانون الثاني / ديسمبر قتل الصحافي نوزاد محمد في محافظة السليمانية في ناحية خورمال.
وأعدم "داعش" في 15 شباط / مارس من عام 2015 الإعلامي في صحيفة "الموصل اليوم"، أحمد حسكو رميًا بالرصاص في الجانب الأيمن من مدينة الموصل، بعد فتوى صادرة عن المحكمة الشرعيّة للتنظيم الذي اتهمه بـ"التخابر والتواصل مع وسائل إعلام حكومية".
وأكد مرصد الحريات الصحافية، أنَّ معظم المراسلين الحربيين لا يلتزمون بشروط السلامة المهنية أثناء التواجد في مناطق النزاع، ولم يرتدوا الستر الواقية من الرصاص وخوذ حماية الرأس، في عملهم الميداني، ما تسبب بإصابة البعض منهم أثناء المعارك التي تقودها القوات العراقية ضد التنظيم.
وتعرض مراسل قناة "الحرة" ميثم الشيباني ومصوره ميثم الخفاجي لإصابات جسدية أثناء تغطيتهم للمعارك الشرسة التي كانت تقودها القوات الأمنية في ناحية جرف الصخر شمالي بابل، فيما أصيب حيدر نصيف مراسل قناة "أفاق" ومصوره احمد خضير، إضافة إلى إصابة مصور قناة "الفرات" علي رشيد.
كما وتعرض مراسل قناة "العراقية" حيدر شكور لإصابات بالغة خلال هذا الشهر عندما كان يرافق القوات الأمنية وقوات الجيش العراقي في عملية تحرير قضاء بيجي، حيث أصيب إصابات بالغة في منطقة الظهر نتيجة تفجير استهدفه ومجموعة جنود من القوات الخاصة في وقت كان لا يرتدي السترة الواقية من الرصاص وخوذة الرأس.
وفي 23 كانون الثاني / يناير 2015 أصيب مراسل قناة العراقية مصطفى حميد والمصور قصي صاحب، بجروح جراء سقوط قذيفة هاون قربهما أثناء تواجدهما مع القوات الأمنية في ناحية منصورية الجبل شمال قضاء المقدادية في محافظة ديالى". كما وأصيب المراسل ليث أحمد بجروح جراء سقوط صاروخ من نوع (كاتيوشا) قربه، أثناء تغطيته للعمليات العسكرية التي تنفذها القوات الأمنية في منطقة مكيشيفة شمال مدينة سامراء.
وتمكن قناص من تنظيم "داعش" من إصابة مراسل قناة "العراقية" علي جواد ومصوره علي مفتن في 26 كانون الأول / ديسمبر أثناء مرافقتهما القوات الأمنية في محيط تكريت، وتعرض كذلك مراسل قناة "الغدير" أحمد البديري لإصابة بشظايا في يده جراء سقوط صاروخ من نوع "كاتيوشا" قربه، أثناء تغطيته العمليات العسكرية في ناحية العلم.
ونجا من الموت بأعجوبة مصور قناة "الإشراق" أحمد حاتم، الذي أصيب بجروح خطيرة، أثناء مرافقته للقوات الأمنية العراقية، في عملية عسكرية في قضاء الاسحاقي.
وشدَّد مدير مؤسسة "بيت الإعلام العراقي" المعنية بدعم الاعلاميين المستقلين الصحافي العراقي مشرق عباس، على المؤسسات الإعلامية ضرورة تأمين سلامة مراسليها وأن تعتبر ذلك من مهامها الأساسية، وأن تتحمل مسؤولية مباشرة عن تعرض المراسل لحوادث سواء بسبب عدم ارتداء مستلزمات الحماية الصحافية، أو عدم خضوعه إلى دورات تدريبية وتأهيلية لرفع مستوى قدرته على التعامل مع ساحات المعارك، وقدرته على التصرف بشكل صحيح أثناء تغطية أحداثها.
وأضاف عباس، إنَّ "هناك مسؤولية على الجيش والقوى الأمنية توفير أقصى الحماية اللازمة للمراسل الصحافي، ووضعه في سياق المعلومات عن الأماكن المؤمنة تماما والتي بإمكانه التحرك فيها".
ولفت عباس إلى أنَّ "طبيعة المعارك التي تجري على الساحة العراقية شديدة التعقيد، فليس هناك جبهات بالمعنى الحرفي وإنما هناك ساحات متداخلة وخطرة وان العمل الإعلامي في مثل هذه الظروف يتطلب المزيد من الاحتياطات الأمنية".