بيروت ـ جورج شاهين يُخيم الهدوء النسبي على مدينة صيدا، صباح الثلاثاء بعدما بسط الجيش اللبناني سيطرته على المربع الأمني التابع لإمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير في عبرا، فيما يواصل عمليات التمشيط داخل مجمع الأسير لتفجير بعض الألغام والعبوات داخل المجمع، في حين استنكر الرئيس ميشال سليمان محاولة التشكيك في حضانة السلطة السياسية للجيش ودعمها له.
وعزز الجيش اللبناني مواقعه في صيدا، وسحب الأسلحة الثقيلة إلى خارج الأحياء السكنية بعدما سيطر على المنطقة، وباشرت وحدات من جهاز الهندسة البحث عن الألغام في محيط مجمع الأسير وباحاته، حيث تبين أنه فخخ "صناديق" التبرعات في المسجد، وواصل الجيش عمليات التمشيط وتفكيك بعض الألغام الموجودة على مداخل بعض المباني، كما فجر عبوة زنتها 4 كيلوغرامات في بورة قرب أحدى المباني بعدما تعذر تفكيكها مما أحدث دويًا هائلاً، فيما استعادت منطقة عبرا شرق مدينة صيدا هدوءها صباح الثلاثاء، ودبت الحركة فيها، فشهدت شوارعها زحمة سير عندما تفقد المواطنون الذين نزحوا منها منازلهم وتفقدوا محلاتهم التجارية.
وأفاد تقرير أمني عن انفجار عبوة ناسفة تحتوي على مسامير على طريق المصنع الدولية، وضرب الجيش طوقًا أمنيًا محكمًا في محيط المنطقة، ولم تُفد المعلومات عن أي إصابات في الأرواحً، في الوقت الذي ترجم فيه الجيش بيانه الأخير على الأرض، وتمكّن من حسم المعركة في عبرا التي خرج منها الشيخ أحمد الأسير إلى مكان ما لا يزال مجهولاً حتى اللحظة، وتمّ القبض على مسلّحيه الذين استسلم عدد كبير منهم بعد مواجهات عنيفة خاضها، لكنّ كلفة العملية الأمنية الشاقة والمعمّدة بالدم كانت باهظة جدًا، فقدّم الجيش مجددًا عددًا جديدًا من الشهداء، حيث ارتفع عددهم إلى 21 شهيدًا، بعدما انتشل الصليب الأحمر اللبناني 5 شهداء جدد من أرض المعركة، كما سقط ما يزيد على 60 قتيلاً من أنصار الأسير، معظمهم من داخل مجمّع الأسير، حيث عُثر على ما يزيد على 24 قتيلاً توزّعوا في باحاته ومحيطه، فيما قال مسؤول في الصليب الأحمر اللبناني، إنّ فرقه نقلت 85 جريحًا مدنيّا من منطقة الاشتباكات حتى بداية ليل الإثنين.
وقد أحكم الجيش اللبناني، مساء الاثنين، قبضته على مجمع الأسير في عبرا، بعدما تمكن من الفرار ومعه الفنان المعتزل فضل شاكر وعدد من معاونيه إلى جهة مجهولة، بقيت لغزًا ذلك أن إعلان المستشار السياسي للجيش السوري الحر السيد بسام الدادا، أن الأسير بات في عهدة الجيش السوري الحر في مكان آمن وهو يستعد لـ "إعلان الجيش اللبناني الحر" لم يأخذه أحد على محمل الجد،  وقد أثار الاستغراب في بيروت لكون الإعلان تزامن مع أنباء عن بقاء الأسير في مكان قريب من مجمعه وهو لم يتمكن بعد من الفرار بعيدا عن المنطقة.
وأشار مصدر عسكري إلى أن أحمد الأسير اختفى ولم تعثر عناصر الجيش عليه في الشقق والزوايا التي مشطوها بعد دخولهم، فيما رجّح بأنه قد تمكن من الفرار مع فضل شاكر وحوالي عشرين من مقاتليه.
وقال المصدر نفسه، "إنه عند وقوع الاشتباك بين الجيش وأنصار أحمد الأسير وتطوّر الأحداث بعد عمليات القنص وإطلاق النار على العسكريّين الأحد الماضي، اتخذت قيادة الجيش قرارًا بحسم المعركة، وأبلغ قائد الجيش العماد جان قهوجي جميع القوى أنّ الجيش سيدخل بالقوة إلى المنطقة، على أن يكون الدخول وفق خطة سريعة ومحكمة، والسبب أنّ قيادة الجيش لم تضع خطة لمواجهة الأسير، إنما كانت هناك خطة لضبط الوضع الأمني في صيدا"، موضحًا أنّ "الأسير جهّز منذ فترة خنادق ومستشفى ميدانيًا تحت الأرض، واستقدم أطبّاء قبل 3 أيّام، إضافة إلى تحصينات أقامها داخل الشقق، مما يكشف نيّته المسبقة في القتال".
وتزامنا بقيت تسمع رشقات نارية من وقت لآخر في محيط مجمع الأسير أثناء قيام الجيش بعملية تمشيط للمنطقة في ما علا الدخان من إحدى زوايا المجمع بعدما اشتعلت النيران في مخزن للذخيرة فيه.
وإيذانًا بانتهاء العملية العسكرية الكبرى، وجّه قائد الجيش العماد جان قهوجي كلمة إلى العسكريين لمناسبة الظروف الراهنة، وجاء فيه "لقد مر لبنان في الساعات الأخيرة بمرحلة صعبة وحساسة، وتمكن بفضل جهود الجيش اللبناني وتضحياته من احتوائها، إن الضباط والعسكريين الذين استشهدوا والجرحى الذين أصيبوا إنما بذلوا دماءهم من أجل سلامة الوطن ودفاعاً عن وحدته، لقد أنجزتم مهمة صعبة ودقيقة، وخرجتم منها ورؤوسكم مرفوعة، لأنكم أنقذتم بلدكم من الفتنة، في وقت كان الجيش يتعرض لحملة سياسية تستهدفه وتضعه في خانة هذا الطرف أو ذاك، وتحاول حماية المعتدين عليه، لقد برهنتم، وعيون الدول العربية والغربية تتطلع إليكم، إن الجيش وحدة متماسكة وانه لم يتعرض لطائفة ولا لدور عبادة ولا لأي رجل دين، وهو ليس مع فريق ضد آخر ولا مع طائفة دون أخرى. بل هو ردّ على مجموعة مسلحة اعتدت عليه عن سابق تصور وتصميم، بعدما حذر مراراً انه سيرد على النار بالنار، وإن الجيش جيش وطني ولا يفرق بين طائفة وأخرى ومذهب وآخر، وهو للبنانيين جميعهم، ويسمو باحتضانهم له وحريص على علاقته مع الطوائف والقوى السياسية كافة على حد سواء شرط احترامها القانون والحفاظ على المؤسسات، وإننا نتوجه إلى أهلنا في طرابلس والبقاع وبيروت وجبل لبنان والجنوب بالتعزية باستشهاد أبناء الجيش اللبناني، وندعوهم إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب جيشهم بدل تحويل مناطق لبنان بؤر مسلحة، مؤكدين لهم أننا لن نسكت عن استهدافنا. لكننا جاهزون لكل مبادرة طيبة تريد الحوار والعمل على حل المشاكل الأمنية أينما تقع واستيعاب محاولات البعض إشعال الشارع ونقل الفتنة من منطقة إلى أخرى، ونقول للقوى السياسية كلها على اختلافها، أن وقوفكم إلى جانب الجيش اللبناني يجب أن يكون معبراً من أجل توطيد السلم الأهلي في المناطق اللبنانية كافة والتغطية لأي مخل بالأمن تساهم في توسيع رقعة المشاكل وتدخل لبنان في متاهة طائفية ومذهبية لا خلاص منها، إن وطننا يمر بمرحلة صعبة والحل لا يكون باستهداف الجيش بل بقيام القوى السياسية كلها بسحب ذرائع التفجير والتنسيق مع الجيش من أجل استتباب الأمن وإنقاذ لبنان".
ونعت قيادة الجيش أحد الشهداء، قبل ظهر الثلاثاء، وصدر عن قيادة الجيش - مديرية التوجيه، البيان الآتي، "إلحاقًا لبياناتها السابقة، تنعي قيادة الجيش - مديرية التوجيه، الجندي الأول الشهيد طالب حسن ماما، الذي استشهد أثناء قيامه بمهمة حفظ أمن واستقرار في منطقة صيدا، وفي ما يأتي نبذة عن حياته:
- من مواليد 3/1/1980 طرابلس - الشمال.
- تطوع في الجيش بتاريخ 4/9/2006 ورقي إلى الرتبة الأعلى بعد الاستشهاد.
- حائز على أوسمة عدة، وتنويه العماد قائد الجيش وتهنئته مرات عدة.
- الوضع العائلي: متأهل من دون أولاد .
وثمّن الرئيس ميشال سليمان الجهود والتضحيات التي بذلها الجيش اللبناني، من أجل ضبط الأمن وبسط سلطة الدولة في صيدا، وفرض هيبة المؤسسة العسكرية، وإذ حيّا أرواح الشهداء الأبطال، فإنّه قدّم أحرّ التعازي إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي ومن ذويهم ومن المواطنين اللبنانيين، فيما أثنى على وقوف المواطنين والمرجعيات الوطنية والتفافهم حول مؤسستهم الوطنية، وعلى وحدة المؤسسة العسكرية وتماسك العسكريين والتزامهم، مشيرًا إلى أنّ الدعوة إلى "الجهاد" ضدّ الجيش ودعوة العسكريين إلى الانفصال عن مؤسستهم لتقسيمها، لم ولن تجدي نفعًا، ولم تلق تجاوبًا أو آذانًا صاغية، لافتًا من جهة اخرى إلى محاولة التشكيك في حضانة السلطة السياسية للجيش ودعمها له.
وتوجّه سليمان إلى العسكريين مؤكدًا، أنّ "قيادتهم العسكرية، وعلى رأسها العماد قهوجي، تنال ثقة رئيس الجمهورية والحكومة في آن واحد، وانطلاقًا من هذه الثقة، فإنّ الغطاء والقرار السياسييّن أعطيا لهذه القيادة منذ أول حادثة تعرض لها الجيش والوطن، وتجدد في كل مرة، وترك لها حرية اختيار الظرف والتوقيت المناسبين، ووضع الخطط الملائمة للردّ، والقيادة تدرك جيدًا هذا الأمر"، داعيًا العسكرييّن إلى "عدم المبالاة بالمحاولات الانتهازية التي ترمي إلى التمّلق السياسي والشعبي وكسب الصدقية على حساب دماء العسكريين، وزرع الشكوك بشان علاقة القيادتين العسكرية والسياسية وبين القائد الأعلى للقوى المسلحة، الذي يشجع القوى العسكرية دائمًا على الحزم والحسم، ويؤمن أنّ لبنان قوي لأنّ لديه قيادة عسكرية شجاعة تلتزم القرار السياسي، ولديه ضباطًا وجنودًا مستعدون للذود عنه وبذل التضحيات مهما غلت أو ارتفعت أثمانها."
وتفقد وزير الداخلية العميد مروان شربل، موفدًا من رئيس الجمهورية، ظهر الثلاثاء، صيدا، حيث التقى القيادات الأمنية في سرايا صيدا، ناقلاً تعليمات وتهاني رئيس الجمهورية، وفي هذه الأثناء، كان قائد الجيش يتفقد الوحدات العسكرية في صيدا، وجال على مواقع انتشار الجيش اللبناني في عبرا وصيدا ومحيطها، حيث التقى الضباط والجنود وناقش معهم التطورات المحيطة بالعملية، وما أسفرت عنه، مهنئًا بالتضحيات التي بذلت، وبنجاح العملية، ومعزيًا في الشهداء، متمنيًا للجرحى الشفاء العاجل ليعودوا إلى ممارسة مهماهم الوطنية.
وتم العثور على جثة المستشار الإعلامي للأسير ومرافقه الدائم أحمد الحريري من بين الجثث التي تم جمعها من مقر الأسير، كما تبين أن الجيش عثر الثلاثاء، على 5 جثث عائدة لمسلحي الأسير، ومن بينهم جثة الحريري التي كانت ملقاة داخل سيارته، في ما كان يستعد للفرار على ما يبدو.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، اللبنانيين جميعًا بأن يحترموا بالكامل سلطة الدولة ومؤسساتها، ولا سيما الجيش اللبناني الذي خسر 21 من عسكرييه في معارك ضد مسلحين تابعين للشيخ أحمد الأسير في مدينة صيدا.
وأعلن مارتن نيسيركي المتحدث باسم بان، أن الأمين العام يعتبر أن دور القوات المسلحة اللبنانية أساسي في حماية كل اللبنانيين، وأنه يدين الاعتداء الذي استهدف الجنود اللبنانيين.