غزة ـ محمد حبيب يعتقد الكثير من المحللين أنه بالتزامن مع المتغيرات الجارية في المنطقة العربية، التي أجبرت المجتمع الدولي على الاعتراف بشرعية وجود التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمون" الذي استطاع أن يصعد إلى سدة الحكم في دول "الربيع العربي"، فإن حركة "حماس" تحاول تسويق نفسها في الساحة الدولية بصفتها حركة شرعية، ورقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه، وذلك بسعيها الحثيث حتى يجري شطبها من قائمة الإرهاب الدولي، التي وضعتها عليها أميركا وبعض الدول الأوروبية، لتجبرها على الاعتراف بشروط الرباعية.
ورغم التزام الاتحاد الأوروبي القرارَ الأميركي فإن عددًا من رجال السياسة الأوروبيين أعلنوا مرارًا أن هذا القرار كان خطأً فادحًا، ما يمهد الطريق أمام الحركة لاختراق الساحة الدولية، التي بدأت ترى أن فتح قنوات التواصل مع "حماس" يصب في مصلحتها، وهو ما يعني أن الاعتراف بالحركة بات مسألة وقت.
وتدعو اللجنة الرباعية المسؤولة عن السلام في الشرق الأوسط، التي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، حركة "حماس" إلى الاعتراف بشروط اللجنة، وهي: الاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الموقعة معها، بما فيها مشروع خريطة الطريق للسلام، ونبذ العنف، وذلك لرفعها من قائمة الإرهاب، وهو ما ترفضه الحركة.
وأكد المحلل السياسي د. وليد المدلل أن مسعى شطب "حماس" من قائمة الإرهاب الدولي يأتي في سياق محاولات الحركة تسويق نفسها في الساحة الدولية "فلا يمكن إحداث اختراق دولي في علاقاتها ما دام أنها على هذه القائمة".
واعتبر المدلل أن شطبها من قائمة الإرهاب سيفتح لها آفاقًا لاختراق الساحة الدولية "خاصة بعد الحدث الأخير الذي جرى مع وفد الحركة في بلغاريا، وكان تجربة مؤلمة، ما سيزيد عزمها على تحقيق مطلبها، بما سيعطيها مزيدًا من القوة لتمرير أفكارها وسياساتها، ومنع الاحتلال من احتكار الرواية على المستوى العالمي".
أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية د. هاني البسوس من جانبه "وجود مساعٍ من الدول الأوروبية التي لم تضع حماس على قائمة الإرهاب، لرفعها من هذه القائمة".
وبيّن البسوس أن المجتمع الدولي مضطر إلى الاعتراف بحماس "خاصة في حال جرت انتخابات فلسطينية على مستوى الرئاسة والتشريعي والمنظمة، وحققت فيها الحركة نجاحًا كبيرًا"، معتبرًا أن رفعها عن قائمة الإرهاب مسألة وقت فقط.
أما عن طبيعة الموقف الأميركي ومدى تجاوبه مع الأصوات المنادية للاعتراف بـ "حماس"، فشدد على أن الموقف الأميركي لم يشهد أي تغير يذكر في نظرته إلى "حماس"، "وذلك لطبيعة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، فالأخيرة تعتبر حماس عدوة لها"، مستبعدًا أن تغير أميركا موقفها من "حماس" ما دام أن الحركة باقية على مبادئها، وترفض الاعتراف بإسرائيل، والرضوخ لشروط الرباعية الدولية.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن الدول الأوروبية باتت تؤمن بضرورة التعامل مع "حماس" بطريقة أخرى، بعيدًا عن قضية الإرهاب "لذلك هناك عدد من الدول بات يطالب برفعها عن القائمة، حتى تتمكن من التعامل معها رسميًا".
ولفت البسوس إلى أن الولايات المتحدة ستبقى تتعامل مع حماس على أنها حركة إرهابية، "ولن تغير موقفها منها إلا في حال اعترفت حماس بإسرائيل".
وأشار إلى أن تركيا وقطر ومصر تلعب دور الوسيط بين حماس وهذه الدول, "خاصة أنها دول ذات وزن في المنطقة، وقدمت نماذج سياسية مميزة خلال المدة الماضية".
وأكد وكيل وزارة الخارجية في الحكومة الفلسطينية في غزة غازي حمد أن صورة "حماس" تغيرت في اتجاه إيجابي في ذهن المجتمعات العربية والغربية "فالرأي العام الدولي آمن بأن سياسة الحصار والعزل السياسي ضد قطاع غزة سياسة غير سليمة، ولم تُجدِ نفعًا".
وأوضح حمد أن هناك جملة من العراقيل التي تقف في وجه تعزيز العلاقة مع بعض الدول الأوروبية على المستوى الرسمي، "وأهمها الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي دعا السياسة الخارجية إلى الانقسام بين غزة والضفة الغربية".
وذكر أن الزيارات الخارجية تنطلق من تجنيد الدعم الوطني الفلسطيني، "وتوحيد الصورة، وإبراز الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، خاصةً على مدينة القدس المحتلة"، مؤكدًا أن الحكومة نجحت في استقطاب عدد من الدول، "فقوبلت باستقبالات رسمية في تركيا وقطر والمغرب والسودان وإندونيسيا وماليزيا".
واعتبر المدلل أن "حماس" حركة شعبية مدعومة من الشارع الفلسطيني والعربي أيضًا، "وتمكنت من الوصول إلى السلطة، ولديها قدرة على التأثير في القرار الفلسطيني، كما أنها تغلبت على الحصار السياسي والاقتصادي الذي فُرض عليها، وانتصرت في حربين ضروسين شنتهما إسرائيل عليها في غزة، ما جعلها لاعبًا أساسيًا وقويًا لا يمكن تجاوزه".
ولفت إلى أن "حماس" جزء من حركة إسلامية عالمية، تمكنت من الوصول إلى السلطة في المنطقة العربية "لذلك لا يمكن للدول الغربية المحافظة على مصالحها في المنطقة وهي ترفض جزءًا من النظام الحاكم فيها".
وقال "التنكر للحركة الإسلامية في فلسطين يعني النكران للتغييرات التي تجري في المنطقة، وهو ما يضر المصالح الغربية، وهذا هو المدخل للاعتراف بـ "حماس"، وشطبها من قائمة الإرهاب".
أما عن الثمن الذي ستدفعه الحركة مقابل الاعتراف الدولي بها فأوضح المحلل السياسي أنه لا يوجد شيء في السياسة من دون ثمن، متوقعًا أن تضطر الحركة لإبداء تفهم أكثر للمصالح الغربية في المنطقة، "وتقديم بعض المرونة المقنعة لتسويقها داخل الغرب".
وشدد المدلل على أن حماس لن تتخلى عن الكفاح المسلح، وأنها لن تعترف بإسرائيل، "خاصة أن سنوات الحصار القاسية أخفقت في جلب الحركة إلى بيت الطاعة، وجعلها ترضخ للمخططات الغربية"، معتبرًا أن الحديث عن شروط الرباعية أصبح من الماضي، "وحماس تجاوزته".
وأوضح البسوس أنه لا يوجد أي ضغوط على "حماس" من مصر، "لكن جماعة الإخوان ستسعى إلى جلب الاعتراف بحماس باعتبار أنها جزء منها، خاصة أن دول العالم بدأت تعترف بالجماعة بصفة (تنظيم عالمي)".
وشدد على أن "حماس" لن تتخلى عن الكفاح المسلح، ما دام أنها تعيش تحت الاحتلال, "كما أنها ستبقى متمسكة وثابتة على مواقفها، حتى لا تخسر قيمتها على الساحة الفلسطينية".
في السياق، القيادي في حركة "حماس" أحمد يوسف أكد أن شطب الحركة من قائمة الإرهاب "بات مسألة وقت", مبينًا أن "هناك اتصالات تجريها الحركة بمساعدة دول عربية وإسلامية، مثل قطر ومصر وتركيا، لإقناع الدول الكبرى والأوروبية برفع اسم "حماس" عن القائمة"، موضحًا أن تلك الاتصالات لاقت تجاوبًا إيجابيًا من بعض الدول الأوروبية، ولكنه رفض كشف أسماء تلك الدول.
ولفت يوسف إلى أن زيارات ممثلي الأحزاب والدول الغربية إلى غزة مؤشرات إيجابية على تحقيق الهدف، قائلاً "رغم اشتراط الرباعية الدولية الاعتراف بإسرائيل، كي ترفع حماس من قائمة الإرهاب، فنحن لن نعترف بهذا الشرط".