رئيس الحكومة التونسية علي العريض أمام المجلس التأسيسي
تونس ـ أزهار الجربوعي
أدت الحكومة التونسية الجديدة القسم الدستوري أمام الرئيس الدكتور محمد المنصف المرزوقي، الأربعاء، بعد أن نجحت في الفوز بثقة المجلس التأسيسي التونسي، بغالبية 139 صوتًا، وشدد الرئيس المرزوقي، على أن الحكومة الجديدة أمام امتحان أخير، لا بد فيه من فرض الأمن، وتحقيق العدالة الاجتماعية،
ومعالجة الإرث الثقيل التي تركه النظام السابق.
دعا المرزقي حكومة علي العريض إلى اتباع أجندة واضحة، لتحقيق الأهداف التي تتطلبها المرحلة الدقيقة، كما طالب الرئيس أن لا تتجاوز مهام الحكومة الجديدة شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، الذي يجب أن يكون موعدًا للانتخابات التشريعية.
وتلا الوزراء وكتاب الدولة الجدد في الحكومة التونسية القسم الدستوري أمام رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي ورئيس الوزراء علي العريض، وردد أعضاء الحكومة "أقسم بالله العظيم أن أبذل كل ما في وسعي في إخلاص وتفان، لأقوم بالواجب الوطني المقدس، وأضطلع على خير وجه بمسؤولياتي، رائدي الأسمى في ذلك مصلحة الوطن العليا، في كنف احترام القانون التأسيسي، المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية، وسائر قوانين البلاد".
وهنأ الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي الحكومة الجديدة ورئيسها علي العريض، الذي وصفه بـ"المناضل الصادق والصبور"، مشيدًا بمقاومته لدكتاتورية نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وبجهوده على رأس وزارة الداخلية في حكومة الجبالي السابقة، لا سيما دوره في حفظ أمن واستقرار البلاد.
وأشار المرزوقي إلى أن الحكومة الجديدة لا تملك "عصا سحرية" للتخلص من التركة الإجرامية الثقيلة للنظام السابق، وللتصدي لموجات المشاكل التي تواجهها، لكنه دعاها في الوقت ذاته إلى الالتزام ببرنامج واضح، يكون الأمن والاستقرار أحد أهم أولوياته، إلى جانب الحد من غلاء المعيشة، والتصدي لظاهرة للتهريب، التي استنزفت الاقتصاد، فضلاً عن محاربة الفساد، وحل المشاكل في مسالك التوزيع.
كما دعا المرزوقي المجلس التـأسيسي إلى معاضدة مجهودات الحكومة في هذا الظرف الحساس، من خلال تحديد تاريخ بات ونهائي للإنتهاء من صياغة الدستور، وللانتخابات المقبلة، التي شدد على ضرورة ألا تتجاوز تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، معتبرًا ذلك السبيل الأوحد للخروج من منطقة الزوابع، حسب تعبيره.
وأكد المرزوقي أن القيادة التونسية، رئاسة وحكومة، أمام امتحان أخير وكبير، لتبرهن للشعب "أنها لا تراوح مكانها، وإنما تمشي في خطى ثابتة، لتثبيت الأمن وإنجاح التجربة الديمقراطية في البلاد".
ووجه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي الشكر المؤسستين الأمنية والعسكرية، داعيًا قوى المعارضة إلى التهدئة، وتجنب مظاهر العنف اللفظي، والتخلي عن السجال العبثي، مراعاة لمصلحة الوطن والشعب، وأكد المرزوقي أن المعارضة الحقيقية عليها طرح البدائل والالتزام بالنقد البناء والمشاركة في إنجاح نموذج الثورة التونسية السلمية.
يأتي هذا، بعدما دافع رئيس الحكومة التونسية علي العريض عن تشكيلته الوزارية، نافيًا بشدة، اتهام بعض النواب بالانصياع لإملاءات خارجية، مشددًا على أن القيادة التونسية رئاسة وحكومة ووزراء تؤمن باستقلال القرار الوطني، وبحفظ سيادة البلاد، وتتعامل بندية مع بقية القوى الدولية الأجنبية.
وأضاف العريض "حكومتنا ليست حكومة حرب ولا حكومة إذعان، لكننا نسعى إلى بناء علاقات ندية مع شركائنا، قائمة على احترام السيادة الوطنية وربط أواصر التعاون"، جاء ذلك في معرض رده على تدخلات نواب المجلس التأسيسي التونسي، أثناء الجلسة العامة التي عقدت للتصويت على منح الثقة للحكومة، في حين اتهمت بعض قوى المعارضة في المجلس التأسيسي التونسي حكومة العريض بأنها "تشكل خطرًا على الديمقراطية وعلى مقاومة الفساد"، مشيرين إلى أن تركيبتها لا تمثل تونس، بما أنها اقتصرت على أحزاب الترويكا (النهضة، التكتل، المؤتمر)، وحافظت على 70% من وزراء حكومة الجبالي.
واعتذر علي العريض عن الحضور الضعيف للمرأة في تشكيلته الوزارية، مرجعًا ذلك إلى ضيق الوقت وبعض خصائص المرحلة الانتقالية الدقيقة، على حد قوله، واعدًا بتدارك غياب المرأة في مواقع أخرى، مضيفًا "إن وضع المرأة التونسية وإن كانت مكانتها في تقدم مطرد، إلا أنها في حاجة إلى إرادة سياسية لتتدعم منزلتها سيما في المجال السياسي، وهو ما يتطلب تطوير التشريعات وقوانين العمل في هذا الخصوص".
واعترف رئيس الحكومة التونسية التي حازت على ثقة المجلس التأسيسي التونسي، الأربعاء، بوجود مشكلة في المساجد، مرجعًا ذلك إلى حالة الانفلات التي شهدت البلاد بعد الثورة، من ذلك الانفلات في الساحات، وانتشار الخطابات التكفيرية المحرضة على العنف، وأوضح العريض أن وزارة الداخلية التزمت بعدم الدخول للمساجد، لكنها تعهدت بالتصدي لدعوات العنف والتكفير، بالتعاون مع وزارة العدل، مشيرًا إلى أنه تم القضاء على ظاهرة الفوضى في المساجد، التي انحصرت في قرابة 100 متبقية، سيتم معالجتها تباعًا، كما أكد رئيس الحكومة التونسية أن "التدخل في المساجد لن يكون المقصود به السيطرة على الخطاب، أو توظفيه لخدمة طرف سياسي معين، وإنما الهدف منه جعل المساجد مرفقًا عامًا يلتزم بحدوده وواجباته، لا منبرًا للدعايات الحزبية والدعوات التكفيرية."
وبشأن قضية التهريب التي أثارها النواب معتبرين أنها تهديد مباشر للأمن الغذائي في تونس، أكد علي العريض أن قوات الجيش والحرس والأمن مجندون للتصدي لهذه الظاهرة، لافتًا إلى أن قيمة المحجوزات المهربة قد ارتفعت من 40 مليون دينار في 2011 إلى 120 مليون دينار في 2012.
ولم يفت رئيس الحكومة الجديد أن يحي سلفه حمادي الجبالي، رادًا على انتقادات بعض النواب، الذين وصفوا حكومته بالفشل قائلاً "أنا لا أعتبر أن حكومة حمادي الجبالي فاشلة، ولم أسمع منه أنه وصفها بالفشل"، دون أن ينفي حصول ما أسماه بـ"الإخفاقات"، مؤكدًا أن نسبة النمو التي حققتها حكومة الجبالي، والتي بلغت 3.6%، قد تفوقت على نظيراتها في السنوات السابقة.
وانتقد الكثير من نواب التأسيسي حكومة علي العريض تشكيلة وبرنامجًا، قبيل تصويتهم على منحها الثقة بقليل، حيث استنكر النائب عن حزب الديمقراطيين الاشتراكيين أحمد الخصخوصي في تصريح إلى "العرب اليوم" استمرار التعيينات على أساس الولاءات الحزبية، داعيًا الوزراء الجدد إلى التزام الحياد، مشددًا على أن "الحكومة التي لا تلتزم الحياد والاستقلالية تتحول إلى عصابة مرتزقة".
كما دعا النائب أحمد الخصخوصي إلى إدماج قوات الحرس الوطني (الدرك) في الجيش بدلاً عن وزارة الداخلية، حتى تكون صمام الأمان، وتحقق التوازن بين سلكي الدفاع والداخلية، وهو ما من شأنه أن يُمَكِن الجيش التونسي من التفرغ لحماية البلاد من الأخطار الخارجية، والحفاظ على جاهزيته.
وحذر وزير الدفاع التونسي السابق عبد الكريم الزبيدي، قبل استقالته من أن الجيش التونسي منهك، لسبب اشتغاله على أكثر من جبهة، مشددًا على وجوب عودته إلى الثكنات لاستعادة إمكاناته، والحفاظ على نسق تدريباته، لدرء الأخطار الخارجية، التي تهدد تونس، من قبيل التهريب على الحدود، والتصدي إلى التنظيمات "الإرهابية" التي تهدد أمن البلاد.
ودعا النائب عن حركة "وفاء" علي الحويجي، إلى كشف حقيقة الحكومات السابقة والمتعاقبة بعد الثورة، من ذلك حكومة (رئيس وزراء المخلوع زين العابدين بن علي) محمد الغنوشي، وحكومتي الباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي، مطالبًا بكشف أرشيف الأمن السياسي، الذي اعتبره "واجبًا وليس منة".
من جانبه، أشاد النائب عن كتلة "الحرية والكرامة"، التي دعمت حكومة علي العريض ومنحتها الثقة رغم عدم مشاركتها فيها، عبد الرزاق الخلولي بتركيبة الحكومة، التي حيدت وزارة السيادة، منتقدًا في الوقت ذاته برنامجها، الذي رأى أنه نظري، ويحتاج آليات حقيقية للتطبيق على أرض الواقع.
في حين قال النائب عن حزب "الوطنيين الديمقراطيين" المنجي الرحوي أن "الحكومة أخطأت مسارها لأنها لم تعترف بأخطائها السابقة، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا"، داعيًا إلى اعتماد سياسة التقشف، والتقليل من النفقات الإدارية، وتفعيل التصريح على الممتلكات، سبيلاً للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وشدد النائب عن حزب "المسار" سمير بالطيب على أن حكومة علي العريض "لا تمثل تونس من حيث التركيبة"، مستنكرًا غياب الشباب والمرأة عنها، وأشار سمير بالطيب إلى وجود شخصيات وصفها بـ"الخطيرة" على النظام المجتمعي التونسي داخل التشكيلة الوزارية الجديدة، على غرار وزير التربية سالم الأبيض، الذي اتهمه المعارضة بأنه مقرب أيديولوجيًا من الفكر "الإسلامي المتشدد".
كما انتقد سمير بالطيب محافظة من أسماهم بـ"صقور حزب النهضة" الإسلامي الحاكم على مناصبهم الوزارية، معتبرًا أنهم يشكلون خطرًا على الديمقراطية، وأن بعضهم يرفض مقاومة الفساد والرشوة.
وأشاد نواب الغالبية الحاكمة، سيما نواب حركة "النهضة" برئيس الحكومة علي العريض، معتبرين أنه "الرجل المناسب في المكان المناسب"، منوهين بقدرته على تشكيلة الحكومة التونسية في وقت وجيز، وتجاوز غالب العراقيل السياسية، كما رحبوا بتوسيع الحكومة، وانفتاحها على "تكنوقراط" مستقلين مشهود لهم بالكفاءة.
وقد ظهرت دعوات في المجلس التأسيسي التونسي قبيل منح الثقة للحكومة، بلحظات، تطالب بالتصويت على الوزراء وزيرًا وزيرًا، وهو ما رفضه رئيس المجلس مصطفى بن جعفر، لأنه يخالف البنود القانونية التي نص عليها الدستور الموقت للبلاد (القانون المنظم للسلطة العمومية).
يذكر أن حكومة علي العريض الجديدة قد حصلت على ثقة 70% من أعضاء "التأسيسي التونسي" (البرلمان)، بعد أن حصدت غالبية مريحة متمثلة في 139 صوتًا، رغم أنها لا تحتاج إلا إلى 109 أصوات، لتضمن التزكية من السلطة التشريعية العليا في البلاد.