تونس ـ أزهار الجربوعي لم تمنع التعزيزات الأمنية المكثفة وتمركز عناصر الجيش التونسي، من نشوب أحداث عنف وتخريب وسرقة رافقت جنازة المعارض التونسي شكري بلعيد الذي إغتيل الأربعاء عقب تعرضه لإطلاق نار من مجهولين. واشتبكت مجموعات من الشباب مع قوات الأمن والجيش في محيط مقبرة  الجلاز، بعدما بادرت بإطلاق الحجارة على الوحدات الأمنية وإشعال النيران، ولجأت قوات الامن ، إلى  إطلاق قنابل  الغاز المسيلة للدموع لتفريق المجموعات التخربيـة واعتقلت 15 شخصا في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة والطرق المتفرعة عنه.
وقد شارك الألاف من الشخصيات الوطنية والسياسية والشعبية قي تونس،في تشييع المعارض والقيادي في "الجبهة الشعبية" شكري بلعيد، الذي اغتيل الأربعاء، وسط انتشار عسكري وأمني كثيف من قوات الجيش، فيما أكد عدد من أفراد عائلة المعارض التونسي لـ"العرب اليوم"، أنهم يرفضون استقبال العزاء من حزبي "النهضة والمؤتمر"، بسبب ما اعتبروه "تواطئًا من الأحزاب الحاكمة في عملية اغتيال ابنهم".
وكان الآلاف تجمعوا امام دار الثقافة في منطقة جبل الجلود، مسقط رأس بلعيد، متحدين سوء العوامل الجوية والأمطار للمشاركة في الجنازة التي قام بتأمينها الجهاز العسكري ووحدات الجيش ، إلى جانب حالة الاستنفار الأمني الكثيف المرفقة بتحليق للطيران العسكري في الأجواء، ووقد مثل رئيس الجمهورية في الجنازة كل من وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي، وقائد أركان الجيوش الثلاثة الفريق أول رشيد عمار.
موكب الجنازة كان انطلق في اتجاه مقبرة الجلاز للشهداء في تونس العاصمة، على متن سيارة عسكرية تابعة للجيش الوطني، تصدرتها الإبنة الكبرى لشكري بلعيد فيروز (7سنوات) وعدد من رفاقه في حركة "الوطنيين الديمقراطيين" إلى جانب الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" مي الجريبي، فيما رفع المشاركون شعارات سياسية وأخرى وطنية على غرار "كلنا شكري بلعيد"، كما ارتفعت بعض الأصوات المطالبة بـ"إسقاط النظام"، و"إقتلاع حكم حركة النهضة الإسلامية من البلاد".
وقد أكدت شقيقة المعارض بلعيد وزوجته ووالده لـ"العرب اليوم"، أنهم يرفضون قبول العزاء من قيادات حزب "النهضة" الإسلامي الحاكم، وحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" الذي يتزعمه الرئيس المنصف المرزوقي، بسبب ما يعتبرونه "تواطؤًا منهم في عملية الاغتيال ، حيث ترى عائلة بلعيد أن "الحكومة التونسية لم تتعامل بجدية مع التهديات السابقة بالقتل التي وجهها مجهولون لشكري بلعيد، فضلاً عن تهاونها في التصدي إلى الدعوات المتطرفة التي تطلق من المساجد بتكفير إبنهم والدعوة لقتله، على اعتباره أحد قادة اليسار الذي يصفه الإسلاميوون المتعصبون بالكفر والإلحاد والمعاداة للإسلام".
من جانبه، زار رئيس الحكومة التونسية الأسبق ورئيس حزب "نداء تونس" الباجي قائد السبسي، الجمعة، منزل عائلة الفقيد شكري بلعيد في منطقة جبل الجلود، لتقديم واجب العزاء، في حين اتهمت النائب في البرلمان التونسي وزوجة الأمين العام لحزب "المؤتمر" سامية عبو، السبسي صراحة بالتورط في اغتيال بلعيد، وكشفت عبو لـ"العرب اليوم" عن أنها "تعتبر أن السبسي المستفيد الأكبر من عملية الاغتيال التي ترمي إلى الإنقلاب على الحكومة، وبخاصة أنه سبق وأن وجه تهديدات للترويكا، بأنها لن تكمل مشوارها في الحكم حتى موعد الانتخابات المقبة", على حد قولها.
وفي سياق متصل ، دعا حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد"، في بيان له، إلى "ضرورة وضع حد للحملة التي يتعرض لها سائق شكري بلعيد، زياد الطاهري"، وجاء في البيان أن "زياد الطاهري، يتعرض إلى حملة دعائية كاذبة، مفادها احتمال تواطئه في عملية اغتيال شكري بلعيد الأربعاء"، فيما طالب الحزب بالتحقيق المستقل العاجل للكشف عن ملابسات اغتيال أمينه العام.
ويخشى مراقبون من سقوط تونس في مستنقع الاغتيالات السياسية، الذي قد يُنبىء بتكرار النموذج اللبناني خوفًا من أن تتجدد ظاهرة التصفية الجسدية غير المسبوقة في تاريخ البلاد، ما يشكل تهديدًا وابتزازًا للسلم الأهلي، وأكد القيادي فى حزب "الوطنيين الديمقراطيين" محمد جمور، ترحيب الحزب بحضور رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي للجنازة الوطنية، في حين عبر الأمين العام لـ"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" عبدالستار بن موسى، عن مساندة الرابطة لكل المبادرات التي تهدف إلى تكريم بلعيد، داعيًا إلى إقرار يوم 6 شباط/فبراير، تاريخ اغتياله، يومًا وطنيًا ضد العنف، وتأكيد مساندته للإضراب العام الذي أقره الاتحاد العام التونسي للشغل الجمعة.
كما أعلن الناطق الرسمي باسم "الجبهة الشعبية" حمة الهمامي، أن تنسيقية المعارضة تدعو التونسيين إلى الحفاظ على الطابع السلمي والمدني للإضراب العام في جهات الجمهورية كافة، مطالبًا التونسيين بعدم الانزلاق وراء الاستفزازات.
هذا وقد شهدت غالبية محافظات ومدن تونس، الجمعة، مسيرات احتجاجية تنديدًا باغتيال بلعيد، رافعين جثامين رمزية، وقد ردد الألاف شعارات معادية لحكومة الترويكا التونسية التي تقودها حركة "النهضة" الإسلامية، منادين بثورة ثانية، يأتي ذلك فيما تعيش الحركة الاقتصادية والتجارية في تونس شللاً كليًا بسبب قرار الإضراب العام الذي أعلنت عنه المنظمة الشغيلة، وساندته بقية النقابات احتجاجًا على تدشين حقبة التصفيات الجسدية في تاريخ البلاد