الأمن اللبناني في منطقة بعبدا
بيروت – جورج شاهين
توسعت الاهتمامات السياسية والحكومية تزامنا مع الأمنية منها في ضوء التطورات التي دخل عليها مطلقو الصواريخ الغامضة من بلونة في اتجاه وسط قضاء بعبدا واستهدفت مثلث القصر الجمهوري ووزارة الدفاع ومبنى السفارة السورية في المنطقة على وقع وضع أمني متوتر في أكثر من بقعة حساسة في لبنان ووسط استمرار
أزمة الثقة والتهديدات التي يطلقها محيط عرسال لأهلها بعد مشروع الحصار المضروب عليها الذي دفع بالجيش اللبناني السبت إلى نقل طلاب عرسال بالحافلات وبقوات حماية خاصة إلى المراكز التي حددتها وزارة التربية وبالإضافة إلى تطبيق خطة طارئة لنقل مراكز الامتحانات من مناطق التوتر في بعل محسن وباب التبانة في الشمال وصيدا وعبرا في الجنوب إلى مراكز أبعد توحي بالإطمئنان للتلاميذ والأهالي في آن.
وكشفت مصادر مطلعة لـ "العرب اليوم" أن الصورة ستكون أوضح فور انتهاء التحقيقات الجارية عن مصدر الصواريخ هذه التي حتى الآن لم يثبت أن أي طرف يمتلكها سوى الجبهة الشعبية، القيادة العامة وحزب الله دون غيرهما من الفصائل اللبنانية ما خلا وجود مجموعات إرهابية صغيرة يمكن أن تتملكها عن طريق المال من هاتين الجهتين.
وقالت مصادر التحقيق لـ"العرب اليوم" إن التحقيق من أجل تحديد الهدف انطلق من كيفية تثبيت الصاروخ الثاني الذي لم ينفجر بحيث أن طريقة نصبه وفق زاوية محددة يمكن تحديد الهدف، إلا أن التحقيق من هذه الزاوية بقي ملكاً للمراجع الأمنية التي تشرف على التحقيق.
وأكدت المراجع الأمنية أن الخيارات الأساسية أمام التحقيق هي أن يكون القصر الجمهوري في بعبدا هو الهدف أو وزارة الدفاع أو السفارة السورية في اليرزة رغم أنها الاحتمال الأبعد والأضعف، أو بهدف زرع الرعب في صفوف اللبنانيين وتعزيز الشكوك باستحالة دخول البلاد عهد الانتخابات النيابية في ظل التأزم السوري والانقسام اللبناني الحاد من هذه الأزمة والذي بات يهدد بفتنة مذهبية قد تصل إلى الذروة إذا استمر حزب الله في توسيع تورطه في الأزمة السورية.
وعلى هذه الخلفيات والاحتمالات غير المحسومة بانتظار ما هو ثابت قالت مصادر قضائية وأمنية إن التحقيقات مستمرة بإشراف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، في انتظار الوصول إلى نتائج عملية وملموسة.
وأفادت مصادر التحقيق بأن لا توقيفات في الملف ولا مشبوهين بعد في ملف الصاروخين، ولكن تم استدعاء عدد من الشهود للاستماع إلى إفاداتهم، مشيرةً إلى أن التحقيقات ستتركّز على الكاميرات المتوافرة في محيط المنصّتين حيث جُمعت الأفلام المثبتة في محطة للمحروقات وبعض المؤسسات التجارية المنتشرة على الطريق والتي قيل إنها فيها من الأدلة ما يقود إلى معلومات إضافية عن زوار تلك المنطقة قبل عملية إطلاق الصواريخ وبالتزامن معها.
كما أفيد عن النية بالاستماع إلى مزيد من الشهود أولا بأول كلما سمحت المعطيات بأي عنصر جديد وهي عملية معقدة لكنها مستمرة مهما أخذت من جهد ووقت لأن في هذه العملية ما ينبئ بوجود نيات خطيرة.
وفي أول موقف يشير إلى ما توصل إليه التحقيق الأولى اعتبر وزير الداخلية والبلديات مروان شربل أن من قام بإطلاق صاروخ بلونة خطط له ودرسه وهذا موضوع متنقل ومخطط له ومدروس كصواريخ الضاحية الجنوبية، قائلا "لا شك أن في كل مرة هناك رسالة من الصواريخ، ورسالة الجمعة كانت حسب المعاينة للصاروخ الذي لم ينطلق أنه كان في اتجاه محيط بعبدا أي وزارة الدفاع والقصر الجمهوري وقد يصل إلى الحدود الجنوبية للضاحية، مستبعدا في المقابل فرضية أن يكون موجّها إلى الضاحية لأن اتجاه الصاروخ الذي لم يطلق كان يمكن توجيهه إلى قلب الضاحية وليس أطرافها، مؤكدا أن الإحداثيات لا تزال موجودة ويجب دراستها لمعرفة وجهة الصاروخ تحديداً، لافتا إلى أن نوع الصواريخ في بلونة هي من نوع "غراد 122" بينما الصواريخ التي أطلقت على الضاحية كانت من نوع "غراد 107".
ولفت الوزير شربل إلى ان الاستخفاف والسهولة لدى من يعد هذه رسائل وكأن لبنان غير موجود على الخارطة بالنسبة إليهم، معتبراًَ أنه لم يكن يجب أن ندخل أنفسنا في أي صراع خارج لبنان لأنه الحلقة الأضعف في الشرق الأوسط وإذا حصل أي انفجار شبيه بعام 1975 فلن يهتم بنا أحد، متوجها بنداء إلى السياسيين كلهم "للاهتمام بلبنان فقط لأنه ليس لدينا إلا وطننا للعيش فيه، مؤكداً أن الجيش يمهل ولا يهمل".
واعتبر عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب عن منطقة كسروان نعمة الله أبي نصر أن صواريخ بلونة تؤكد وجود طابور خامس هدفه خلق بلبلة وفتنة بين اللبنانيين ومختلف المناطق اللبنانية، مشدّداً على أن هناك أشخاصاً مدسوسين من خارج أبناء منطقتي كسروان والجبل افتعلوا هذا الحادث، لأن لا مصلحة لأهالي المنطقتين في هذا العمل.
وطالب الأجهزة الأمنية من أمن عام ومخابرات بـ"كشف الفاعل"، مشيراً إلى أن لبنان مفتوح على الاحتمالات كافة في ظلّ وجود مليون ونصف مليون لاجئ داخله، خصوصاً في ما يتعلق بإشعال نار الفتنة بين اللبنانيين.
واستنكر أبي نصر حادثة إطلاق الصواريخ من بلونة من أي جهة أتت، لافتاً إلى أننا لا نملك أي معلومات عن هذه الحادثة ونحن في انتظار التحقيق، آملاً أن لا يكون للتيارات الأصولية الموجودة في المنطقة علاقة بهذه الحادثة"، موضحاً "أن النية إجرامية عند مطلقي هذه الصواريخ في ظلّ استهداف وزارة الدفاع والقصر الجمهوري"، معتبراً "أنها رسالة نحو الفتنة".
ووضع عضو كتلة "المستقبل" النائب عاصم عراجي صاروخي بلونة في خانة رسائل النظام السوري إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، بسبب مواقفه السيادية، خصوصاً الرسائل التي بعث بها الى الأمم المتحدة، والجامعة العربية بشأن الخروقات السورية للحدود الشرقية والشمالية.
واستبعد احتمال أن تكون الصواريخ رسالة إلى وزارة الدفاع وقيادة الجيش، نافياً احتمال وصول التحقيقات بشأن الصاروخين إلى نتيجة، خصوصاً أن من يقف وراءهما هو النظام السوري.
واعتبر عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب فادي كرم أن العثور على منصتين لإطلاق الصواريخ في منطقة بلونة في كسروان، يدخل في الطابع الفتنوي، ويهدف إلى ترهيب المسيحيين لينتج عنه فرض أمر واقع معيّن بقوة السلاح والضغط على الموقع الأساسي المدافع عن سيادة لبنان، أي رئاسة الجمهورية"، مشيراً إلى أن "هذه الصواريخ تهدف إلى شل موقع رئاسة الجمهورية.
ولفت في حديث متلفز إلى أن اختيار منطقة بلونة لإطلاق هذه الصواريخ، يأتي في سياق عملية ضغط على المجتمع المسيحي وعلى رئيس الجمهورية بالتحديد لأنه يدافع عن لبنان، وقال كلنا نعلم من يتقن استعمال الصواريخ على الأرض في البلاد ومن يملكها.
وأضاف "البلاد بدأت منذ فترة، بعد دخول "حزب الله" فعلياً إلى الحرب السورية، تدخل في نفق من الفتنة والمشاكل المتنقلة لوضع المجتمع اللبناني كلّه تحت ضغط الحرب السورية".
وإذ دعا من يغطي السلاح إلى الإقلاع عن الاستمرار في تغطيته، مهما كان هدفه، شدد كرم على وجوب أن تُعطى القوى الأمنية دائماً الغطاء السياسي للذهاب إلى التحقيقات من أجل إيقاف الفتنة، ومعتبراً أن التقليل من أهمية الصواريخ في بلونة، هو في حد ذاته محاولة لتغطية أداء عسكري لحزب لبناني لديه وحده هذه الإمكانيات العسكرية الضخمة، ويمكنه التحرك في لبنان كلها من دون أن يوقفه أحد.
واستنكر النائب السابق فريد هيكل الخازن حادثة صواريخ "الغراد" التي أطلقت من بلونة في كسروان، لافتاً إلى أنها محاولة لخلق أزمة وإشكال أمني كبير في البلد يزج لبنان برمته في الصراع السياسي الدائر في المنطقة، وأن ما يجري ليس إلا مسألة سياسية بحتة.
وناشد القوى السياسية جميعها التوافق على قرار سياسي واحد هو تحييد لبنان، مشيراً إلى أن الإشكالات الأمنية المتنقلة طاولت كسروان اليوم، والتي من المفروض أن تكون بعيدة البعد كله عن الصراع الدائر كونها المنطقة الوحيدة التي لا يوجد فيها اختلاط مذهبي أو طائفي، محذراً من المحاولات الواضحة لزج المسيحيين في الصراع السني الشيعي.