عناصر من الأمن اللبناني
بيروت ـ جورج شاهين
فشلت المساعي الجارية كلها على أكثر من مستوى سياسي وأمني وعسكري لضبط الوضع الأمني في طرابلس الذي بدى أنه متفلت من الضوابط السياسية والعسكرية كافة واستمرت الاشتباكات بعنف متقطع وواصلت وحدات الجيش اللبناني الرد على مصادر النيران بشكل محدد من دون أن تتمكن من فرض وقف للنار وارتفعت مواقف
التنديد والمناشدات دون جدوى.
وعلى وقع الإجراءات الأمنية الجديدة التي اتخذتها وحدات الجيش والقوى الأمنية في طرابلس استمرت أجواء التوتر في المدينة واستمر رصاص القنص موزعاً على المحاور وسط تبادل الاتهامات بين بعل محسن، حيث يتمركز الحزب العربي الديمقراطي من جهة وقادة المحاور في باب التبانة من جهة أخرى والذين كانوا قد التقوا مع النائب أحمد كبارة في قاعة مسجد حربا في المدينة، حيث جرى نقاش مستفيض عما يجري في المدينة من دون الوصول إلى أي قرار نهائي وواضح. واستمهل قادة المحاور النائب كبارة لبعض الوقت لإعطائه الأجوبة النهائية عما يمكن أن يقوموا به لتعزيز المساعي الهادفة لوقف النار في ما اعتبر آخرون أن الاجتماع كان فاشلاً.
وكان رصاص القنص المتفرق أدى إلى إصابة عدد من المدنيين ومرافق النائب خضر حبيب وهو العنصر في أمن الدولة يوسف الفقير في جبل محسن، كما أفيد بتعرض موكب النائب كبارة لإطلاق نار قرب براد البيسار من دون إصابات وقد رد مرافقوه بالمثل لكن كبارة نفى ذلك لاحقاً معتبراً أن الرواية إشاعة.
ووزعت في أحياء طرابلس للمرة الأولى بيانات غامضة أحدها باسم "صقور طربلس" وآخر باسم "أسود السنة" أكدت في مضمونها استمرار القتال وعدم السماح للمواطنين العلويين بالتوجه إلى المدينة كما قال البيانان اللذان حملا كلاماً تحذيرياً إلى من سمّوهم بـ"وكلاء النظام السوري وعملائه في لبنان".
ومساء، تزامن الاعتصام الذي نفذته الهيئات المدنية في طرابلس رفضاً للتحريض الطائفي والعنف المستمر في المدينة مع طلقات نارية متقطعة على مختلف المحاور التقليدية في التبانة وحارة البرانية ومشروع الحريري والريفا والبقار وسط تخوف من ارتفاع وتيرة الاشتباكات ليلا خصوصا بعد فشل المفاوضات. وتوقف حركة السير على الطريق الدولية التي تربط طرابلس بعكار بسبب أعمال القنص.
وفي ما يتصل بالتوتر الحدودي توغلت وحدات من الجيش السوري في جبل أكروم داخل الأراضي اللبنانية بمسافة 50 مترا وقام عناصرها بإحراق المزروعات من الناحيتين اللبنانية والسورية تسهيلاً لـ"الرؤية الكاشفة" في المنطقة التي لم تشهد أية عمليات عسكرية من قبل.
وفي الوقت الذي سلمت فيه مستشفى الخميني في بعلبك جثث قتلى حزب الله التي نقلت إليها من القصير ومحيطها شيّعت مناطق عدة في الجنوب والبقاعين الغربي والشمالي وصيدا قتلاها. ومنها ما جرى في بلدة راس أسطا الجبيلية التي شيعت ابنها عبد الله عدنان الحيدري الملقّب، السيد خيبر، باعتباره من وحدة الصواريخ في المقاومة على ما قال رفاق له. وأشارت معلومات وردت إلى المنطقة إلى مقتل عنصر آخر من الحزب من بلدة كفرسالا في عمشيت ولم تصل جثته بعد الى المنطقة بعد.
وفي صيدا عطل مناصرو إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير والجماعة الإسلامية محاولة تشييع أحد قتلى السرايا التابعة لحزب الله أحمد الصباغ في مقبرة صيدا الجديدة في سيروب وقطعوا الطرق المؤدية إليها وأشعلوا الإطارات منعاً لدفنه فيها. وبعد وساطات قام بها محافظ الجنوب نقولا بو ضاهر من خلال اتصالات بالقيادات السياسية والدينية المعنية صلي على جثمان القتيل في مجمع الزهراء في صيدا ودفن في المقبرة الشيعية في المدينة التابعة لدار الافتاء الجعفري.
من جهتها، نفت "الجماعة الإسلامية" في صيدا في بيان، "ما تناقله بعض وسائل الإعلام بشأن محاصرة بعض شبابها في أحد المساجد في صيدا"، مؤكدة أن "ما حصل هو محاولة اعتداء على عدد من شباب الجماعة وتم التعامل مع المعتدين الذين فروا من المنطقة بعد تدخل الجيش اللبناني".
وكان "حزب الله" قد شيع في الساعات الأخيرة في مناطق متعددة من الجنوب والبقاع عدداً من القتلى عرف منهم كل من حسـين مستراح، علي الجشي ومحمد خليل، حسين أحمد أبو الحسن، محسن سمير برّو، محمد علي أسد بكري، محمد فؤاد رباح.
وفي هذه الأجواء كانت التطورات الأمنية من الوضع في طرابلس إلى صيدا والنقاط الحدودية على طاولة اجتماع القادة الأمنيين الدوري النصف شهري الذي عقد بعد ظهر الأربعاء في مكتب المدعي العام التمييزي القاضي حاتم ماضي والذي حضره بالإضافة إلى القاضي ماضي قادة الأجهزة الأمنية أو من يمثلهم.
وناقش المجتمعون الأوضاع الأمنية من جوانبها كافة واتخذوا الإجراءات التنسيقية المناسبة الآيلة إلى تثبيت الأمن والاستقرار في البلاد وذلك بناء على توجيهات رئيس الجمهورية وتنفيذا لقرارات مجلس الدفاع الأعلى.
وعلم "العرب اليوم" أن البحث تركز بشأن عدد من العناوين الأمنية والعدلية والقضائية وأبرزها ما يتصل بالوضع على الحدود اللبنانية – السورية وطرابلس وصيدا بالإضافة إلى حجم النزوح السوري الكثيف غير المنضبط وما تسبب به إلى حالياً من توتر أمني وسرقات وأعمال مخلة بالأمن بالإضافة إلى ملف السجون اللبنانية باعتباره بنداً ثابتاً على لائحة اهتمامات السلطات القضائية والأمنية ولا سيما الاكتظاظ الذي تعاني منه والذي تسبب به توقيف آلاف السوريين المرتكبين.
وأجمعت القيادات الأمنية على تخوفها مما يدبر للأوضاع الأمنية في طرابلس من مكائد كما في طرابلس حيث تتعزز المخاوف من ترددات أحداث سورية وتورط اللبنانيين في أحداثها بشكل واسع ما يعزز المخاوف من إمكان انتقال التوتر إلى الداخل اللبناني وهو ما تحذر منه التقارير الداخلية والدولية كلها التي تلقتها المراجع الأمنية المختصة.
وعلم من مصادر المجتمعين أن أنهم تبلغوا تجاوباً سورياً ملحوظاً في ملف مخطوفي إعزاز وأن الجواب السوري بات قريبا ومن ملامحه وجود أسماء وهمية وغير صحيحية من بين السجينات اللواتي يقول خاطفو اللبنانيين التسعة في إعزاز أنهن في السجون التابعة للنظام السوري وان اللائحة تحتاج الى المزيد من التدقيق.
ورأى رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي" إنه إذا كانت سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة في خلال عملها أدت غايتها في حينه ويتم تجاوزها اليوم بعد استقالة الحكومة من قبل أطراف داخلية عدة ،فانني ادعو قيادات وفاعليات طرابلس الى الالتزام بها وتجنيب مدينتنا خطرا داهما".
وقال" إن ما يجري في طرابلس مسؤوليتنا جميعا وأناشد الجميع تغليب العقل وممارسة ضبط النفس، فالحكمة ومصلحة الجميع تفرض علينا منع تدمير مدينتنا" .
وكان الرئيس ميقاتي كثف اتصالاته مع وزراء ونواب مدينة طرابلس وقادة الأجهزة الأمنية بعد ظهر اليوم لمعالجة الوضع الأمني في المدينة.
وصدر عن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام بيان أكد فيه أنه "تابع بقلق وأسى كبيرين ما يجري منذ أيام في عاصمة الشمال من أحداث مؤلمة أسفرت عن سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين وأفراد القوات المسلحة وتسببت في أضرار مادية جسيمة في الممتلكات العامة والخاصة، إن هذه المواجهات بين أبناء المدينة الواحدة، ومهما كانت الذرائع والحجج التي تقدم لتبريرها، ليست سوى فتنة بغيضة تشكل خدمة مجانية لكل متربص بأمن واستقرار لبنان الذي يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التعقل والحكمة بديلا من التوتير والتشنج وإثارة العصبيات السياسية أو المذهبية، وإلى إعلاء لغة الحوار سبيلا وحيدا للتعامل مع الخلافات مهما كان نوعها وعمقها، وإنني، إذ أترحم على الشهداء الأبرياء وفي مقدمهم شهداء الجيش، أدعو الأطراف كافة أيضا إلى تسهيل مهمات قواتنا المسلحة لتمكينها من القيام بدورها في التصدي للفوضى وإعادة السكينة والهدوء الى طرابلس".
وكان الرئيس سلام أجرى اتصالا هاتفيا مع قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي أطلعه على حقيقة الأوضاع في طرابلس والإجراءات التي يتخذها الجيش لوقف المواجهات وإعادة دورة الحياة في المدينة إلى طبيعتها.
وأجرى رئيس "كتلة المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة اتصالا هاتفيا مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، جرى خلاله التطرق إلى "جملة من القضايا السياسية والأمنية الشائكة التي تعصف بالبلاد في هذه الآونة"، بحسب بيان لمكتبه الإعلامي.
كذلك، اتصل السنيورة بالرئيس المكلف تمام سلام ثم بعدد من نواب مدينة طرابلس وفعالياتها، وتداول معهم في جملة من القضايا السياسية والأمنية بما في ذلك ما يتعلق بمدينة طرابلس والأوضاع الأمنية المتفجرة "التي يستغلها من يحاول إشعال الفتنة في البلاد".
واتصل السنيورة برئيس مجلس الوزراء في الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي مؤكدا له "المخاطر التي تترتب على لبنان نتيجة مشاركة وتورط "حزب الله" في المعارك العسكرية الدائرة في سورية إلى جانب النظام البائد ضد شعبه، ومشاركة الحزب عبر شباب لبنانيين في عمليات الاقتحام والقتل والتنكيل".
واعتبر السنيورة ان "للدولة اللبنانية والأجهزة القضائية دور يجب أن تقوم به، إذ أن هناك جهة سياسية ممثلة بالحكومة اللبنانية تقوم بتجنيد شباب لبنانيين وترسلهم للقتال والموت في أراضي دولة مجاورة وهو ما يعتبر تعديا واضحا وسافرا على سيادة الدولة اللبنانية وعلى سيادة دولة عربية مجاورة. هذا إلى جانب أن هذا التدخل يعتبر توريطا للبنان واللبنانيين في صراعات وخلافات تؤدي إلى إشعال الفتن في العالم العربي. هذا فضلا عن أن هذا التورط يؤدي إلى ارتكاب مخالفة فاضحة للمبادئ التي تم التوافق عليها في اعلان بعبدا وكذلك للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن.
واعتبر أن "ما حصل ويحصل لا يمكن السكوت عنه ويوجب على الدولة اللبنانية تحمل مسؤولياتها التي لا يجوز لها أن تتخلى عنها وبالتالي يقتضي التحرك على أكثر من مسار داخلي وكذلك على صعيد الجامعة العربية للمسارعة إلى وقف هذا التورط الخطير الذي يلحق الأضرار الفادحة بلبنان وبجميع اللبنانيين".
وسأل السنيورة: "لماذا لا تقوم الأجهزة اللبنانية المعنية بالتحري عن عدد القتلى من الشباب اللبناني ومن أرسلهم ومن دفعهم للذهاب إلى سورية وتوريط لبنان واللبنانيين في لجة هذا الصراع؟".
وأثار السنيورة موضوع الاشتباكات التي تشهدها مدينة طرابلس "والتي يقع ضحيتها الأبرياء من المواطنين وتنتهك الأمن الوطني وترتكب الاعتداءات بحق الجيش اللبناني وتوقع الضحايا الشهداء والجرحى في صفوفه وهي الاعتداءات التي تبدو أنها مفتعلة ومركبة بهدف حرف الأنظار وتشتيت الانتباه عن الدور الذي يمارسه حزب الله في القتال في سورية".
وطالب "باتخاذ الإجراءات الرادعة بحق المعتدين على الجيش اللبناني وعلى الذين ينتهكون الأمن الوطني ويوقعون الضرر بالآمنين وبالممتلكات ويلحقون الأذى بالاستقرار وبالتالي بالاقتصاد الوطني وبلقمة عيش اللبنانيين".