جندي أميركي في أفغانستان
واشنطن ـ يوسف مكي
أفادت إحصاءات دقيقة أن عدد المنتحرين بين صفوف الجنود الأميركيين المتواجدين في بلاد تقوم فيها الولايات المتحدة بمهام عسكرية، وصل خلال العام 2012 إلى 6500 حالة، بمعدل حالة انتحار كل 80 دقيقة، فيما ارجع علماء النفس ذلك إلى ما يُعرف بـ"الإصابة الأخلاقية". وفي 20 آذار/مارس
2012، أغلق الجندى ليبي بوسبي سيارته على نفسه وأطلق النار على نفسه وسط صراخ وعويل من أمه وأخواته البنات.. لم يكن الأمر مفاجئًا حيث كان هذا الشاب البالغ من العمر "23عامًا" جنديًا أميركيًا عائدًا من أفغانستان لتوه، وكانت لديه بعض المشكلات النفسية التي لم يستطع أحد اكتشاف أسبابها، حيث كان من بين ما يقوم به أن يفرك يديه ويحدق فيهما لوقت طويل، ويقول لأمه إن يديه لم يُغسلا جيدًا ولا زال عليهما أثار دماء.
لم تكن هذه حالة الانتحار الوحيدة، التي رُصدت بين الجنود الأمريكيين العائدين من أفغانستان، حيث وصل عدد الحالات إلى 177 أقدموا على الانتحار بعد العودة إلى أرض الوطن، بينما وصل عدد المنتحرين في أرض المعركة إلى 176 فردًا.
ووصل عدد من أقدموا على الانتحار من بين صفوف القوات المسلحة الأميركية التي تخدم في أفغانستان في جميع الفروع 349 حالة، إضافة إلى 295 لقوا حتفهم أثناء العمليات العسكرية على مدار العام 2012.
وفي العام ذاته اي 2012 وصل عدد المنتحرين من المحاربين الاميركيين القدامى في أفغانستان وغيرها من الدول التي تقوم فيها الولايات المتحدة بمهام عسكرية إلى 6500 حالة، بمعدل حالة كل 80 دقيقة، ما يشير إلى أن "هناك الكثير من الحالات التي تعاني من مشكلات نفسية خطيرة بين صفوف القوات المسلحة الأميركية، والتي ينتج عنها في أغلب الأحيان حالات انتحار ولا يجدي معها نفعًا أو علاجًا ما تقوم به أسرهم وما يقوم به رجال القوات المسلحة من الرتب الأعلى من جهود لاحتواء معاناة هؤلاء.
والجندى ليبي بوسبي، لم يكن مراهقًا عاديًا، بل كان من ذوي الفكر العالي منذ الصغر، وكان لا يقدم على فعل أي شيء إلا بعد تقييمه ومعرفة ما يريده وتحديد أهدافه بدقة، وكان أيضًا محبًا للجيش، ما دفعه إلى الانضمام إلى القوات المسلحة الأميركية ليصل إلى أفغانستان، ويخدم هناك لمدة 3 سنوات.
وأثناء الخدمة شعر أن هذا ما كان يريده بالضبط، وأن حلمه بدأ يتحقق حتى أُصيب بارتجاج في المخ ذات مرة وهو في أحد المهام العسكرية، وهي الإصابة التي كانت نقطة تحول في حياته.
وبعودته إلى الولايات المتحدة بدا الشاب غريبًا ومختلفًا تمامًا عما اعتاد عليه الجميع.. كان سريع الغضب.. كثير الصمت، وغير قادر على التواصل مع المجتمع من حوله، وعاجز عن التعامل مع المدنيين تمامًا.
واستمر الأمر على هذا الحال مع حدوث بعض التطورات السلبية التي طرأت على حالته النفسية حتى انتحر في آذار/مارس من العام الماضي.
من ناحيته، طوَّر أحد الأخصائيين النفسيين السابقين في الجيش الأميركي ويليام ناش، مفهومًا جديدًا يشرح ظاهرة الانتحار بين صفوف الجنود أطلق عليه "الإصابة الأخلاقية"، مرجعًا حالات مثل بوسبي الذي انتحر بعد 3 سنوات فقط في أفغانستان، إلى أن "الشاب اندمج مع غيره من الجنود الذين يحملون فكرًا انتحاريًا منذ إرسالهم إلى الفالوجة في العراق عام 2004 وبعدها إلى أفغانستان مرة ثانية، وهو ما جعل الشباب يتشبعون بالفكر الانتحاري والمشكلات النفسية التي يعاني منها الجنود الأقدم في صفوف القوات الأميركية".
وأرجع ناش، ظاهرة "الإصابة الأخلاقية" إلى "فعل شيء أو العجز عن فعل شيء، أو حدوث شيء لم يتمكن المصاب من منعه"، رابطًا الانتحار بـ"الصدمة الأخلاقية التي يتعرض لها الجنود عندما تتعارض الأوامر العسكرية مع ما تعلموه وغُرس في نفوسهم عن الخطأ والصواب".