أطفال سوريين في أحد مخيمات النازحين
دمشق ـ جورج الشامي
انعكست الأزمة السورية الطاحنة المستمرة منذ 22 شهرًا، سلبًا على الأطفال السوريين، حيث قُتل 4350 طفلاً منذ اندلاع الاحتجاجات، وسجلت الوثائق الرسمية لجوء 200 ألف طفل سوري بما يُعادل 30% من اللاجئين السوريين المسجلين في الخارج والذي يصل عددهم إلى 700 ألف من الأطفال، وتعرّض 50 ألف طفل للاعتقال با يُعادل
نسبة 5% من المعتقلين داخل البلاد ويبلغ عددهم (مليون معتقل، جزء منهم تعرض للتعذيب، وألفين طفل تعرضوا لإطلاق الرصاص، معظمهم فقد أطرافًا أو في حالات خطرة، وأعداد هائلة من الأطفال النازحين في الداخل السوري مع أسرهم ما يقارب 3 ملايين طفل خارج النظام التعليمي (بعد خروج 15 ألف مدرسة عن الخدمة).
وكشفت الاحصاءات عن أرقام تُوثّق معاناة الطفل السوري، التي تتنوع بين موت، اعتقال، تعذيب، تشريد، نزوح، لجوء، جوع، برد، مرض، مشاكل نفسية، مشاكل اجتماعية، غياب التعليم، التيتم، العمالة، الاضطهاد، الاستغلال، العنف، الحياة في ظل القصف والموت، وغيرها من الصفات التي تُشكل يوميات الطفل السوري في الداخل والخارج في ظل الأزمة منذ آذار/مارس 2011.
وقد تناقل الإعلام قصص كثير لأطفال في اللجوء أو النزوح، وتطرق في معظمه إلى حالات القتل والتعذيب، وربما يكون أبرزها الطفل حمزة الخطيب (13 عامًا) الذي قضى في بداية الأحداث تحت التعذيب في سجون الحكومة السورية قبل أن تلقى جثته، ومن القصص المؤثرة التي تداولها الإعلام لفترات طويلة، مقتل الطفلة هاجر الخطيب (11 عامًا) وتقطيع أوصالها، والكثير من القصص الأخرى، عن مقتل وتعذيب الأطفال في سورية.
ومن هذه القصص يروي المواطن السوري محمد، قصة شقيقته مها لـ"العرب اليوم"، قائلاً "فقدت شقيقتي ثلاثة من أبنائها جراء القصف على مدينتنا، الأول في عمر (3 سنوات)، الثاني (5 سنوات)، والثالث (10 سنوات)، ومنذ ذلك الحين فقدت عقلها، ولم تعد تستوعب ما يحدث من حولها"، فيما تقول مرام عن حالة ابنها الذي شهد مجزرة الحولة، إنه "لم يعد موجودًا في عالمنا، رغم أنه يأكل ويشرب ولكنه لا يتكلم، ولا يبدي أي رد فعل لأي شئ، لا يلعب، وكأنه قد فقد عقله تمامًا"، مضيفة في حديثها لـ"العرب اليوم": روع المجزرة أذهل الكثيرين، وعدد كبير من الأطفال أصابهم الهلع والرعب، أما ابني فكان تأثره كبيرًا، وضمن هذه الظروف لا يمكننا أن نفعل له شئ، وفي كل يوم يحترق قلبي عندما أشاهده جالسًا في عالمه، من دون أن ينطق بأي حرف.
فيما تصف سعاد حالة ابنها حمودة، فتقول لـ"العرب اليوم"، "مع تزايد عدد الدبابات في الحي، والانتشار الواسع لعناصر الأمن والجيش المدججين بالسلاح والعتاد الكامل، بدا حمودة ابن السبع سنوات مذهولاً بالمشهد الجديد الذي لم يألفه سابقًا، وسؤاله الأول كان لماذا يقوم رجال الأمن بإخافتنا؟، أليس وجودهم لحمايتنا؟، مع الأيام بدأ ينطوي على نفسه، ويرفض اللعب، ويرفض الأكل، وحتى وصل الأمر لرفضه للكلام بعد اعتقال والده، وخلال ثلاثة أيام بعد اعتقال والده لم ينم إلا بصعوبة، وكانت تراوده الكوابيس بشكل يومي ويستيقظ مرعوبًا، وفي صباح اليوم الرابع سمع طرق على الباب فخرج مسرعًا معتقدًا أن والده قد عاد، وعندما فتح الباب وجد جثة والده مسجاة على عتبة الباب ومضرجة بالدماء، ومن يومها يرفض أن يناديه أحد باسمه، ويقول أنا اسمي (أبو راكان) على اسم والده الراحل، وأصبح حلمه في الحياة أن يحمل السلاح ليثأر لوالده"، وتعبر هذه القصص الثلاثة وغيرهما من القصص، عن الحال الذي وصل إليه أطفال سورية.
في حين نقلت قناة "سكاي نيوز" أخيرًا، معاناة بعض الأطفال الذي تعرضوا للرصاص، وصرخات طفل صغير يتلقى العلاج من دون تخدير من شظايا بجرح في وجهه، تملأ مستشفى حلب الميداني، الذي كان بالأصل متجرًا، تتناثر على جدرانه الدماء، ويعج بالمسعفين الذين يحاولون إنقاذ الحالة الجديدة، وعلى بعد مسافة قصيرة، وفي غرفة أخرى يتمدد حامد ساكيا (9 أعوام) على سرير ويئن من الألم، حيث كان يلعب كرة القدم عندما أصابه قناص برصاصة ستفقده كليته، والطاقم الطبي بانتظار جراح يجري له العملية، ووالدته تحاول كفكفة دموعها، فقد دفنت ابنتها هذا الأسبوع، وأسرتها صارت تتفكك، أما في الغرفة المقابلة، تجلس آية حسين وهي تحدق بحزن، فقد احترق وجهها بشكل مخيف، أما جسدها الصغير فتملؤه الكدمات والحروق الناجمة عن حريق شب في بيتها عندما أصابته قذيفة مدفعية، وأكثر المتواجدين في شوارع المدينة هم أطفال، تراهم يلعبون أو يجوبون أكوام القمامة يبحثون عن أشياء ذات قيمة يمكن نقلها لمنازلهم، لذا هم الأكثر تعرضًا للهجوم.
ويؤكد أخصائيون في علم النفس لـ"العرب اليوم"، أن "العلاج النفسي له دور كبير في تأهيل الأجيال القادمة، والدور الذي يجب أن تقوم به الأسرة أولاً والمدرسة تاليًا، يعتبر جوهريًا في إعادة تأهيل الأطفال في سورية في المرحلة المقبل، فمع الوضع الذي ترزح تحته سورية يتعرضون للعنف المباشر والتشريد واليتم والإعاقة والخطف، وفي ظل عدم فهمهم لما يجري من حولهم تبدو المهمة أصعب وأكثر تعقيدًا، وبخاصة أن عدد كبير منهم حرم من التعليم، إضافة إلى عدم قردتهم على حماية أنفسهم من التعرض لهذه الأهوال، فضلاً عن أن ما يحدث أكبر بكثير من أن تتحمله طاقاتهم".
فيما نبّه الأخصائيون إلى "خطورة الأحداث الجارية على الصحة النفسية للطفل، وبخاصة لهؤلاء الذي شهدوا المجازر، أو الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب، وأشاروا إلى التقرير الذي أصدرته أخيرًا اللجنة السورية لحقوق الإنسان، قالت فيه إن "سلطات المخابرات والأمن المتعددة والميليشيات المسلحة تمارس التعذيب الشديد على الأطفال أمام ذويهم بهدف إرغامهم على الإدلاء باعترافات والإدلاء بمعلومات، ولقد مات كثير من الأطفال وأعمارهم لا تتجاوز بضع سنين تحت التعذيب الوحشي الذي لم تحتمله أجسادهم الغضة، وقد وردت أخبار حول ممارسات تتنافى مع الإنسانية بحق الأطفال، مثل اغتصابهم على مرأى من ذويهم وأُسرهم وإرغامهم على فعل أشياء تتنافى مع الأخلاق العامة والقيم المجتمعية والتلفظ بألفاظ منافية للحشمة والآداب العامة، هذا بالإضافة إلى ممارسة تعذيب الأطفال حتى الموت بطرق وحشية ومهينة بقصد العقاب والتشفي وإطفاء نار الحقد والغضب في صدور المعذبين، ضمن هذه المعطيات فالأمر معقد جدًا، ورغم أن الطفل سريع النسيان والتأقلم، ولكن هول الحدث قد يسبب إضرابات ما بعد الصدمة والتي تتمثل في الهيستريا والصراخ والبكاء، والتبول اللاإرادي، والكوابيس، والاضطرابات الفيزيولوجية، والانطواء وغيرها، وهنا يجب التدخل بشكل إسعافي وفوري، فقد يفقد الطفل في المستقبل القدرة التأقلم والتكيف مع الأسرة والمجتمع، مما يؤدي إلى قلق دائم، وعدم قدرة على الاندماج في أي مجتمع كان".
وتقول المدرسة والمربية هيفاء لـ"العرب اليوم"، "حتى الأطفال الذين لم يتعرضوا للتعذيب أو الاعتقال، أو الذي لم يشهدوا مجازر ودماء، للأزمة أثر عليهم، وبخاصة في ما يتعلق بالعنف، الذي تحول مع الوقت إلى ثقافة سائدة، أو حالة مقبولة اجتماعيًا، فمع نزوح ولجوء عدد من الأطفال مع عائلاتهم، يشعر الطفل بعدم الأمان، ويفقده مقومات الاستقرار، وبخاصة أنه ينتقل إلى بيئة غريبة عنه، وهذا له أثر كبير في التنشئة النفسية والتربوية وحتى الأخلاقية، وقد يحكم سلوكه وثقافته لأجيال قادمة"، فيما يرى الباحث الاجتماعي في معرض كلامه مع "العرب اليوم"، أن "ما يحدث في سورية، ومتابعة الطفل لمشاهد العنف والدمار، سيُفقد الطفل في المستقبل، وثقته بالمؤسسات والهيئات الحكومية، من جيش وأمن وإطر منظمات نقابية وإعلام وغيرها من جهات الدولة، وبخاصة أن معظمها مشاركة في ما يحدث ولن يكون من السهل إعادة هذه الثقة، أو بناء صلة أخرى في المستقبل بشكل سهل، ويمكن أيضًا أن نضيف أن غياب التعليم بسبب التهجير والنزوح، والظروف المادية الصعبة، وفقدان المعيل في الأسرة، أن يدفع عدد كبير من الأطفال للعمالة، ويتعرض هؤلاء للاستغلال والاضطهاد، فضلاً عن ساعات العمل الطويلة، ويتلقون في النهاية أجور زهيدة، وهذا أمر بالغ الخطورة، ويمكن أن يؤثر على جيل كامل".
ويشير عضو الهيئة العامة للثورة السورية، أن "أوضاع الأطفال في دول اللجوء (تركيا، لبنان، الأردن)، ليس أفضل حالاً من أطفال الداخل، حيث يعاني الأطفال في مخيمات اللجوء وبخاصة مخيم الزعتري في الأردن، من الجوع والبرد، إضافة إلى تفشي الأمراض بينهم لغياب العناية الصحية اللازمة، كما أن معظمهم لم يلتحق بالمدارس رغم محاولات بعض الناشطين لإنشاء مدارس داخل هذه المخيمات، كما أن غالبيتهم يعاني من مشاكل نفسية نتيجة ما شهدوه من دمار وقتل في الداخل السوري قبل لجوئهم إلى دول الجوار، وهم بحاجة ماسة لمختلف متطلبات الحياة، ومن أبسط حقوقهم الحياة الكريمة والغذاء والرعاية الصحية، وهي مفقودة في هذه الأماكن".
جدير بالذكر أن مؤتمر لصندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، انعقد الشهر الماضي، قد أكّد أن "أطفال اللاجئين السوريين في حاجة ماسة وعاجلة لمختلف أشكال المساعدة، وأنهم في مخيم الزعتري للاجئين في الأردن محرومون من أبسط حاجاتهم الأساسية، حيث قال ممثل "يونيسيف" في دول الخليج العربية ابراهيم الزيق، إن "نسبة الأطفال في مخيم الزعتري تبلغ نحو 30 % من إجمالي عدد اللاجئين في المخيم، والأطفال هناك بحاجة إلى مأوى وتدفئة وتعليم، وبحاجة إلى مساعدة نفسية للتغلب على المآسي التي مروا بها".