بغداد ـ جعفر النصراوي اتهم رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي أجهزة مخابرات إقليمية، بالتحريض على إشعال حرب طائفية في العراق، والوقوف وراء عمليات القتل والتخريب الذي تشهده البلاد، في حين أعلن تنظيم "القاعدة" في العراق، مسؤوليته عن التفجيرات التي شهدتها البلاد، الثلاثاء، فيما اعتبر رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي أن قرار مجلس الوزراء بتأجيل انتخابات محافظتي الأنبار ونينوى تجريفًا لإرادة الشعب.
وأكد مصدر في وزارة الداخلية العراقية، في تصريح خاص لـ"العرب اليوم"، الأربعاء، مقتل 7 أشخاص وإصابة 33 آخرين، في حصيلة أولية لتفجيرين منفصلين بسياراتين مفخختين جنوب غربي وشرق العاصمة بغداد، فيما فجرت قوة أمنية سيارة مفخخة مسيطر عليها، بعد يوم دام سجلت فيه العاصمة مقتل وإصابة نحو 207 أشخاص في تفجير 15 سيارة مفخخة، موضحًا أن "سيارة مفخخة كانت مركونة على جانب الطريق انفجرت، الأربعاء، في حي الأطباء في منطقة حي الجهاد، جنوب غربي بغداد، ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 17 آخرين بجروح متفاوتة، وأن سيارة مفخخة ثانية انفجرت في ساحة ميسلون، شرق العاصمة، ما أدى إلى مقتل مدنيين وإصابة 16 آخرين بجروح متفاوتة".
ورجح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، "ارتفاع حصيلة الضحايا لسبب شدة التفجيرين"، مضيفًا أن "سيارات الإسعاف نقلت الجرحى إلى مستشفيي اليرموك والكندي لتلقي العلاج، وجثث القتلى إلى دائرة الطب العدلي، فيما اتخذت القوات الأمنية إجراءات مشددة تحسبًا لوقوع هجمات مماثلة"، مشيرًا إلى أن "قوة من وحدة مكافحة المتفجرات تمكنت، صباح الأربعاء، من تفجير سيارة مفخخة تحت السيطرة عند مدخل ناحية الرضوانية، جنوب غربي بغداد"، دون وقوع خسائر بشرية أو مادية".
وقال تنظيم "القاعدة" في العراق، في بيان على أحد المواقع التابعة له على شبكة الإنترنت، إن "تفجيرات الثلاثاء التي قام بها التنظيم جاءت تحديًا لوزير العدل العراقي حسن الشمري، وردًا على إعدام معتقلي أهل السنّة، وأن تفجيرات عملية (غضبة الموحّدين) ليست الأخيرة ولن تكون، ونتوعد بتنفيذ المزيد من الهجمات خلال الأيام المقبلة".
وتأتي تفجيرات، الأربعاء، بعد يوم دام شهدته العاصمة بغداد، إثر ضربها بتفجيرات منسقة بأكثر من 15 سيارة مفخخة، في حين أكدت مصادر في وزارة الصحة العراقية، أن ما لا يقل عن 207 أشخاص سقطوا بين قتيل وجريح في تلك التفجيرات، واتهمت قيادة عمليات بغداد قوى "الإرهاب والتكفير وبقايا البعث الصدامي" بتفجير عدد من العجلات المفخخة والعبوات الناسفة في بغداد، وفي حين اعتبرت أن ذلك يُشكل محاولة لـ"النيل من الإنجازات" الأمنية والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه"، أكدت أن "قواتها اعتقلت 26 إرهابيًا ضبط بحوزتهم 33 عبوة ناسفة، و13 صاروخًا.
وأكد رئيس مجلس النواب العراقي أسامة النجيفي، في حديث خاص لـ"العرب اليوم"، أن "الانتخاب حق كفله الدستور للمواطن العراقي في أي مكان، وليس بإمكان المالكي أو غيره سلبه منه"، معتبرًا قرار مجلس الوزراء بتأجيل انتخابات محافظتي الأنبار ونينوي "تجريفًا لإرادة الشعب".
وقال النجيفي إن "الانتخاب حق كفله الدستور وليس بإمكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وحكومته سلب هذا الحق من مصدر السلطات وهو الشعب، تحت أي ظرف كان، وأن الشعب العراقي وحده من يقرر ممارسة حق الذهاب إلى صناديق الاقتراع وممارسة العملية الانتخابية أو عدم ممارسته أو الامتناع عن الذهاب، هكذا تقول الديمقراطية وليس أن يدفع الناخب بالقوة إلى صناديق الاقتراع، كما كان يفعل النظام السابق، أو تؤجل الانتخابات بحسب مزاجيات القائمين على الحكومة كما يحصل في الوقت الحاضر".
واتهم النجيفي الحكومة ورئيسها بـ"الإصرار على ركوب العزة بالإثم، من خلال استهانتها بالدم العراقي وبالإرادة العراقية، وتجنح إلى قرار سيئ في مقاصده وفي توقيته، ومبيت في إعلانه وتنفيذه، وهو تأجيل انتخابات مجالس المحافظات في نينوي والأنبار، والتعكز على ضعف الوضع الأمني فيهما، في حين تؤكد الوقائع أن بغداد العاصمة تتعرض يوميًا إلى حملة تهديم وتدمير وتجريم منظم، ولنا في فاجعة الثلاثاء خير مثل تفوق في حجمها وقوتها ما تتعرض لها هاتين المحافظتين".
واعتبر رئيس مجلس النواب "ضعف الوضع الأمني الذي تعكزت عليه الحكومة في قرارها، لا يُشكل عذرًا لحجب حق الانتخاب الدستوري عن المواطنين، إنما هو إدانة من الحكومةلنفسها وبلسانها عن هزال أدائها الذي لا يرتقي إلى مستوى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، مما يجعلها غير قادرة على ضمان السلم والأمن الأهليين، وأن قرار التأجيل تجريفًا لإرادة الشعب، بجرافة ديكتاتورية وقصدًا مبيتًا لارتكاب مجزرة بحق الحقوق الدستورية لا تحمد عقباها"، مشيرًا إلى أن "القرار سيئ ويعبر عن نية مبيتة لمحق إرادة شعبنا في محافظتي الأنبار ونينوي، ومحاولة لمحاصرة رموزهما الوطنية التي أكدت ثباتها وإخلاصها للشعب كله ولناخبيها بخاصة"، ناصحًا الحكومة العراقية ومن يترأسها بـ"العودة إلى رشدها الغائب"، مضيفًا أن "ما يُثير الانتباه والدهشة في بيان مجلس الوزراء، تجاهله التام عامدًا للرأي الغالب الأعم، لأسباب سياسية وانتخابية، وتبني قراره ورأيه على طلب القلة القليلة كذريعة أكثر منه سببًا"، حسب تعبيره.
وقال رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، إن "الخطب والهتافات التي تطلق في مواقع التظاهر، هي المحرك الأساس للقتل والتخريب الذي يشهده العراق"، فيما اتهم مطلقيها بأنهم "يسعون إلى حرب طائفية بإيعاز من أجهزة مخابرات إقليمية، لا يربح فيها أحد غير المتطرفين"، مشددًا على أنه "سيواجه هذه الموجة بحزم"، مطالبًا الأجهزة الأمنية بـ"اعتقال وملاحقة كل المطلوبين ودعاة الطائفية والتخريب".
وأضاف المالكي في بيان صدر الأربعاء، ردًا على التفجيرات التي طالت بغداد الثلاثاء، وتلقى "العرب اليوم" نسخة منه، "لم تكن صيحات وخطب المتطرفين في مواقع التظاهر إلا المحرك الأساس للقتل والتخريب، الذي يقف خلفه مشروع إقليمي تدميري لا يريد لهذه الحكومة الاستقرار ولا لهذا البلد البناء والإعمار، وأن هناك تصريحات تحريضية تستفز مشاعر العراقيين وتحفز حالة التوتر والتوثب إلى عمليات إرهابية استهدفت بغداد، لأنها لم تستجب للفتنة الطائفية وبقية المحافظات، وتستهدف المؤسسات والمواطنين الأبرياء على حد سواء، لجرّ مكونات الشعب العراقي إلى صراع طائفي والعودة إلى الحرب الأهلية"، محذرًا من أن تلك "الحرب إذا ما انفجرت هذه المرة ستقضي على كل ما تم بناؤه وإعماره، ولا يستفيد منها عراقي شريف، إنما يستفيد منها فقط دعاة الطائفية والعصابات وأمراء القتل والإرهاب".
ودعا رئيس الحكومة "العراقيين الشرفاء" جميعًا إلى "الوعي والالتفاف حول الحكومة ومواجهة دعاة الفتنة ميدانيًا لإسقاط مؤامراتهم ومخططاتهم، وليكون الهدف هو سحب فتيل الفتنة وعدم الانجرار إلى رد الفعل الطائفي لا سيما من قبل بعض أبناء المناطق المستهدفة"، مضيفًا "أدعو أن نعضّ على الجراح ونتماسك في إطار الوحدة الوطنية والوقوف بحزم تجاه هذه الموجة العدوانية، التي تحركها أجهزة مخابرات إقليمية يشقى عليها أن ترى العراق يتقدم ويتطور ويزدهر والعراقيين يعيشون بأخوة وإيجابية"، مؤكدًا أن "الأيدي ستبقى على الزناد، ولن تنال هذه الجرائم من عزيمتنا، وأن رد الفعل على التفجيرات سيكون بملاحقة كل المطلوبين والمتهمين ورفض دعوات التساهل مع الإرهابيين والإرهاب حواضنهم وارتباطاتهم"، مطالبًا الأجهزة الأمنية بـ"اليقظة والحذر وألا يغمض لها جفن إلا باعتقال وملاحقة كل المطلوبين ودعاة الطائفية والتخريب، ودعاة الطائفية والتخريب"، مؤكدًا "شعبكم سيكون معكم وشيوخ عشائره وشرائحه المختلفة، كما كان معكم في إحباط الفتنة الطائفية في السنوات السوداء التي شهدت مثل هذه الموجة القذرة، ولن نتساهل ولن نضعف، وإن كل ما أظهرناه من صبر وسعة صدر وحكمة لا يعني ضعفًا ولا يعني أن صبرنا بلا حدود، فما معنى الحكمة والصبر مع ناس مجرمين لا يهمهم إلا تدمير مكتسبات الشعب والبلاد".
وتشهد بغداد منذ مطلع شباط/فبراير 2013، تصعيدًا أمنيًا واضحًا، كان أخرها، في 14 من آذار/مارس 2013، إذ قُتل 30 من موظفي وزارة العدل و22 من رجال الأمن وإصابة ما لا يقل عن 80 شخصًا بين موظفين في الوزارة وقوات الشرطة، بتفجير 3 سيارات مفخخة يقودها انتحاريون وحزام ناسف، قرب مبنى وزارتي العدل والخارجية ومعهد الاتصالات في منطقة العلاوي وسط بغداد، اقتحم على إثرها 4 انتحاريين وزارة العدل واحتجزوا رهائن داخلها قبل أن تتمكن القوات الأمنية من قتل أحدهم، فيما فجر الثلاثة أنفسهم، كما تشهد العاصمة حوادث اغتيال بالأسلحة الكاتمة والعبوات اللاصقة بالجملة وبشكل يومي، تستهدف شخصيات سياسية أو رجال أعمال أو منتسبين في الأجهزة الأمنية.