واشنطن - تونس اليوم
أكد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أن النظام العالمي "على شفا الانهيار"، ووعد بإنقاذ سمعة أميركا قائلاً، "إنه متعجل لتنفيذ ذلك. ليس أمامنا وقت لنضيعه"، كما كتب في مجلة السياسة الخارجية في وقت مبكر من هذا العام.
وضمن القائمة المطولة لما يتعين عليه القيام به، يأتي تعهده بإعادة الانضمام للاتفاق النووي الإيراني -أو ما يعرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة- والذي يعد واحداً من أبرز انجازات سلف دونالد ترامب في البيت الأبيض باراك أوباما. ومنذ انسحابه من الاتفاق في مايو/ أيار 2018، يبذل ترامب قصارى جهده للقضاء عليه.
غير أنه وبالرغم من سياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجها ترامب لما يزيد عن عامين، فإن الجمهورية الإسلامية لم تتراجع وأصبحت أقرب إلى امتلاك التكنولوجيا التي تحتاجها لإنتاج سلاح نووي مما كانت عليه حين بدأت الولايات المتحدة ممارسة ضغوطها.
فهل سيعود جو بايدن الذي سيتولى الرئاسة في يناير/ كانون الثاني إلى الوضع السابق؟ وهل يمكنه أن يفعل ذلك، بالنظر إلى مرور الوقت، والانقسام الذي تشهده السياسة الأمريكية؟
"الاستراتيجية واضحة للغاية"، كما تقول أنيسة بصيري تبريزي خبيرة الشؤون الإيرانية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن. "لكن الأمر لن يكون سهلا".
"لا عودة إلى الوراء"
من الإنصاف أن نقر بوجود تحديات كبيرة؛ فالشبكة المعقدة من العقوبات الأميركية التي فُرضت على مدى العامين الماضيين تمنح بايدن مساحة كبيرة من النفوذ الممكن، في حال قرر استخدامها. وهو لم يتحدث حتى الآن سوى عن تمسك إيران بالتزاماتها بموجب اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة.
وكتب في يناير/ كانون الثاني قائلا: "يجب على طهران العودة إلى الالتزام الصارم". غير أن هذا يمثل تحدياً في حد ذاته. إذ أن إيران بدأت التراجع عن التزاماتها بعد انسحاب دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة.
وفي تقريرها ربع السنوي، ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران قامت بتخزين اثني عشر ضعفا من كمية اليورانيوم المخصب المسموح بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. وبدأت كذلك تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء أعلى من نسبة 3.67% المسموح بها حسب الاتفاق.
ويُستخدم اليورانيوم منخفض التخصيب في الكثير من الأغراض المدنية المتعلقة بالطاقة النووية، لكن في صورته الأعلى نقاءً (والتي لم تكن إيران قريبة منها ولا يُعرف أنها كانت تسعى للوصول إليها) يمكن أن يُستخدم في تصنيع قنبلة نووية، وهنا يكمن القلق.
وفي حين أن هذه القضايا ربما تكون واضحة نسبياً في التعامل معها، فقد قال مسؤولون إيرانيون مراراً إن خطواتهم باتجاه عدم الالتزام بالاتفاق "لا رجعة فيها"، وإنه لا يمكن ببساطة محو التقدم الذي يتم إحرازه في مجالات البحث والتطوير في إيران.
ويقول علي أصغر سلطانية المندوب الإيراني السابق لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية: "لا يمكننا أن نرجع إلى الوراء. نحن الآن نصل من النقطة أ إلى النقطة ب، وهذا ما وصلنا إليه حاليا".
ضغط سياسي
لكن إيران، التي نجت من عاصفة ترامب، لديها مطالبها. إذ يقول مسؤولون إن رفع العقوبات لن يكون كافيا. وتتوقع إيران أن يتم تعويضها عن عامين ونصف من الأضرار الاقتصادية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في يونيو/ حزيران من العام القادم، يتنافس معسكرا الإصلاحيين والمتشددين من أجل الفوز بالمنصب، وقد تراجع التأييد الشعبي للرئيس حسن روحاني مع تدهور الوضع الاقتصادي في إيران. فهل يشعر جو بايدن بحاجة لتعزيز فرص روحاني من خلال البدء في تخفيف العقوبات؟
يقول ناصر هديان- جازي أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران إنه يتعين على بايدن أن يوضح نواياه قبل تولي المنصب. " أن يقدم رسالة عامة مفادها أنه سيعود لخطة العمل الشاملة المشتركة بدون شروط، وعلى وجه السرعة، سيكون ذلك جيداً بما يكفي".
ويضيف أن عدم قيامه بذلك يمكن أن يسمح لـ"المفسدين" في إيران والولايات المتحدة والمنطقة بتقويض فرص التقارب.
بيد أن مساحة المناورة قد تكون محدودة أمام بايدن. فقد انهار إلى حد كبير دعم الاتفاق النووي داخل الولايات المتحدة على مستوى الحزبين، مع معارضة أغلب الجمهوريين له.
ومن شأنه نتائج جولتي الإعادة لمقعدي مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا في يناير/ كانون الثاني أن تحسم توازن القوى في واشنطن، و- ربما- مدى حرية الإدارة القادمة في التصرف.
تحالفات جديدة
بالطبع لم تكن خطة العمل الشاملة المشتركة شأناً ثنائياً قط. إذ أن رعاتها الدوليين الآخرين، روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي راهنوا من أجل إنجاحها، بطريقة أو بأخرى.
والرعاة الأوروبيون على وجه الخصوص حريصون على يروا واشنطن وقد عادت من جديد لالتزامها بإنجاح الاتفاق. وكانت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا (الثلاثي الأوروبي) قد حاولت الإبقاء على الاتفاق حياً خلال سنوات ترامب، ويمكنها الآن أن تلعب دوراً من أجل التفاوض بشأن شروط عودة واشنطن.
غير أن ثمة إقرار في لندن وباريس وبرلين بأن العالم قد تحرك وأن عودة بسيطة للاتفاق الأصلي أمر غير مرجح. "حتى دول الثلاثي الأوروبي تتحدث بصورة متزايدة الآن عن اتفاقية متابعة لخطة العمل الشاملة المشتركة "، كما تقول أنيسة بصيري تبريزي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
وتضيف أن أي اتفاق كهذا سيسعى إلى أن يشمل تحركات إيران الإقليمية وتطوير الصواريخ الباليستية إلى جانب تقييد أنشطة طهران النووية مع قرب انتهاء سريان شروط خطة العمل الشاملة المشتركة.
كذلك، حقيقة أن بعض الدول الإقليمية التي عارضت الاتفاق - إسرائيل والإمارات والبحرين- وقعت مؤخراً اتفاقيات لتطبيع العلاقات برعاية وتشجيع إدارة ترامب، سيجعل تجاهل مصالحها أكثر صعوبة.
وقال سفير الإمارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة، في لقاء نظمه معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب: " إذا كنا سنتفاوض بشأن أمن الجزء الذي نعيش فيه من العالم، فيجب أن نكون هناك".
ووافقه الرأي المحاور الإسرائيلي عاموس يادلين مدير المعهد قائلاً " إسرائيل أيضاً تريد أن تكون على الطاولة مع حلفائنا في الشرق الأوسط".
من جانبه، دعا العاهل السعودي الملك سلمان إلى اتخاذ "موقف حاسم من جانب المجتمع الدولي ضد إيران". وبالتالي سيكون إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع مراعاة رؤى ومصالح هؤلاء الذين يخشونها بمثابة مهمة دبلوماسية بالغة التعقيد بالنسبة لجو بايدن. ولا ننسى أن سلفه لم يكمل ولايته بعد.
فقد أفادت وسائل إعلام أمريكية بأن ترامب سأل مستشاريه البارزين الأسبوع الماضي عن خيارات مهاجمة موقع نووي إيراني، قبل أن يُنصح بالعدول عن ذلك.
غير أنه وفي تحدٍ للأعراف التقليدية المرتبطة بما يعرف إدارة "البطة العرجاء" (أي الأيام الاخيرة من إدارة الرئيس المنتهية ولايته)، مازال ترامب يمارس ضغوطاً على إيران بإدخاله عقوبات جديدة بعد هزيمته في الانتخابات، مهدداً بفرض المزيد منها. وأياً كان ما سيفعله من الآن وحتى نهاية يناير/ كانون الثاني، تبدو نيته واضحة، وهي أن يجعل إصلاح الضرر أصعب ما يكون على جو بايدن.
قد يهمك ايضا
النتائج الأولية لـ"الانتخابات الرئاسية" تكشف عن فوز دونالد ترامب في 20 ولاية وبايدن 19 فقط