عناصر من جيش النظام السوري
لندن ـ سليم كرم
كشف طيار سابق في جيش النظام السوري يَعمل في مجال الشحن الجوي عن "المهام السرية التي كان يقوم بها لحساب نظام بشار الأسد والتي كانت تتمثل في نَقل أموال نقدية وأسلحة إلى البلاد، وذلك تحسبًا لاحتمالات فرض عقوبات دولية على سورية".
وقال الطيار السوري الذي رفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي في حوار
لصحيفة "ذي صَنداي تلغراف" البريطانية واكتفى بإسم ناظم، إنه "كان يَقوم هو أو بعض من زملائه الطيارين بقيادة طائرة شحن مَرتين أو ثلاثة في كل شهر، لِنقل عُملات نَقدية من روسيا، بما فيها كميات ضَخمة من اليوروهات الأوروبية والدولارات الأميركية المطلوبة لدعم النظام السوري".
وأضاف أنه "كان هناك ما لا يقل عن 20 مُهمة طيران إلى طهران، قام باثنتين منها بنفسه لنقل أسلحة إيرانية ومواد متفجرة، لإستخدامها في قمع حركة التمرد التي قامت قبل عامين ضد النظام".
يُذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يحكي فيها أي من المنشقين عن النظام السوري، عن مثل هذه العمليات. وتأتي حكايات الطيار السوري المنشق هذه في الوقت الذي وصل فيه الصراع في سورية إلى مرحلة جديدة، يَتهم فيها كل طرف الطرف الآخر بإستخدام أسلحة كيماوية في هجوم جرى خلال الأسبوع الماضي في منطقة خان العسل، وهي بلدة قريبة من مدينة حلب.
وفي تلك الأثناء تَعهد الرئيس بشار الأسد بالإنتقام لمقتل أحد كبار رجال الدين المؤيدين للنظام السوري الذي راح ضحية هجوم إنتحاري على أحد المساجد في دمشق، أسفر عن مقتل ما لا يَقل عن 49 قتيلًا آخر، وقال الأسد إنه "سيَطُهر سورية من المليشيات المسؤولة عن هذا الهجوم".
وأضاف الأسد قائلا إن "الهجوم على الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي جاء في إطار مؤامرة إرهابية تستهدف حكومته".
وذكرت صحيفة "صنداي تلغراف" أن "ما قاله الطيار السوري المنشق يؤكد ما يعتقده المسؤولون في أجهزة الاستخبارات الغربية بأن حكومة الأسد تلقى دعمًا قويًا من روسيا، وأنها تتلقى أسلحة من إيران".
وقد تَحدث الطيار نَاظم "50 عامًا" إلى الصحيفة من بلدة أردنية على الحدود مع سورية، إذ فر إليها بصحبة عائلته خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي. وكان نظيم الذي كان في السابق يؤيد النظام السوري قد قرر مغادرة سورية، وذلك بعد اعتقاله هو وعدد من الطيارين وسجنهم لمدة 60 يومًا بسبب حادث تحطم طائرة َ إرْتاب النظام في ملابساته بعد مَقتل طيار كان من الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.
وقد منحه أحد الأردنيين المتعاطفين معه هو وعائلته سكنًا مجانيًا في مبنى سكني يسكنه أيضًا 26 عائلة من العائلات السورية اللاجئة.
ويقول نَاظم إنه "قام بالكثير من رحلات الطيران خارج سورية أثناء فترة خدمته في الجيش السوري، وقد بدأ كطيار على طائرة مروحية، ثم أمضى 18 عامًا في قيادة طائرات الْيوشن الروسية المصممة لحمولة قدرها 40 طنًا". وأضاف أنه "سافر إلى موسكو وشمال أفريقيا والهند وإنكلترا، كما شارك في الكثير من مهمات الشحن الجوى لنقل المساعدات الإنسانية والطبية، كما نقل في بعض الأحيان أسلحة". ولكنه يرفض الآن "نقل مثل هذه الأسلحة، لأنه يعلم أنها تُستخدم ضد المدنيين".
وقام ناظم في أواخر نيسان/ إبريل الماضي بأول رحلة جوية مكوكية إلى روسيا، لنقل مبالغ نقدية وكانت الرحلة تأخذ مسارها عبر العراق وإيران وأذربيجان وحتى مطار فنوكوفا في موسكو، ويقول إن "الشحنة كانت عبارة عن 30 طنًا من العملات الأجنبية، وأن بعض العملات كان يتم شَحنها من مدينة بيرم الروسية، وهي المدينة التي يتم فيها طَبع ورق البنكنوت الروسي".
وأوضح أنه "عندما هبط بالطائرة في دمشق كانت سيارات مؤمنة تابعة للبنك السوري تنتظر في المطار، لنقله إلى البنك مباشرة، وكانت تلك الرحلات الجوية الخاصة، تتم ثلاث مرات شهريًا، والعملات كانت عبارة عن مزيج من العملة السورية واليورو والدولار الأميركي". وقال أن شهر " آب/ أغسطس من العام الماضي شَهد ما لا يقل عن 15 رحلة مشابهة".
وفي أوائل العام الماضي وبالتحديد في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، قام نَاظم برحلتين ذهابًا وعودة إلى طهران، وفي كل مرة كان يصحبه السفير الإيراني في سورية، وكان يتم إقتياد الطائرة لدى هبوطها في طهران إلى أحد الهناجر، وإبعاد طاقم الطائرة الملاحي، حتى يتم تحميل الشحنة سرًا.
وعلى الرَغم من أنه لم يَكن يَرى ما يتم حمله على متن الطائرة، لكنه يذكر أنه كان يتلقى تعليمات بتجنب المناطق التي بها شغب أو اضطرابات أثناء عودته إلى دمشق، بما يعني أنه تَحذير لوجود مواد متفجرة على متن الطائرة.
ويعلق على ذلك بقوله "إنها مواد متفجرة فنحن لا نحتاج شيء من إيران سوى الأسلحة" وأضاف أن "الشحنة كانت تضم صواريخ وقطع غيار ومتفجرات وألواح نحاس لاستخدامها في صنع أسلحة داخل سورية".
وأضاف أن "الفترة من نيسان/ إبريل 2011 وحتى تموز/ يوليو 2012 شهدت عشرين رحلة مشابهة". مؤكدا أن "هذا الرحلات تلقت تصريحًا خاصًا من وزير الخارجية العراقي للتحليق في الأجواء العراقية "وربما كان ذلك من دون عِلم الأميركان".
وأضافت الصحيفة أنه "تعذر التأكد من صحة ما قاله نَاظم من تفاصيل"، ولكنها تؤكد أنها "إطلعت على إسمه الحقيقي من واقع بطاقة الهوية العسكرية بالدفاع الجوي السوري".
وقال إن "الطائرات التي كان يُحلق بها كانت تابعة لسلاح الجو السوري، ولكنها كانت تبدو في شكل طائرات مدنية في رحلاتها الخارجية ضمن أسطول طائرات شركة الطيران السوري، ولكن طاقمها ومهندسيها وملاحيها كانوا من العسكريين الذي يَحملون بطاقات هوية تابعة لشركة الطيران السوري، لإظهارها خلال الرحلات الدولية الخارجية".
وبشأن واقعة إعتقاله وسَجنه، يقول نَاظم وهو مسلم سني إنه "احتجز داخل زنزانة صغيرة مساحتها متر في مترين تقريبًا". وأضاف أنه "أمضى العقوبة هو و12 فردًا آخرين كانوا جميعًا من الضباط لمدة ستين يومًا، وكان يَتم إستجوابه يوميًا من دون معرفة الأسباب، ولكنهم أفرجوا عنه فجأة. وفي تلك اللحظة قرر مغادرة سورية، لاسيما وأنه وبعد عودته من مهمة في الجيش السوري وجد منزله محترقًا، وعلم من جيرانه أن ثلاث سيارات جاءت إلى منزله وكسر أفرادها الباب وأخذوا زيه الرسمي، وشنطة سوداء وبعض الهدايا التذكارية التي حملها معه من الخارج، وأنهم ألقوا على الأرض بالمساحيق والمواد الفسفورية، ثم قاموا بحرق المنزل، وعندئذ شعر بالخوف من إمكان إعتقاله من جديد أو قتله، بإعتباره طيارًا ليس من الطائفة العلوية الشيعية، ولهذا قرر الهروب بصحبة عائلته بعدما آواه أحد جيرانه في مكان أكثر آمانًا داخل سورية، ثم المخاطرة بالخروج من سورية إلى الحدود في رحلة إستغرقت أربعة أيام عبر الأراضي التي يسيطر عليها الجيش السوري الحر".
وأضاف أن "سيارته تعرضت شمال درعا لرصاص قناصة النظام وقد أصابت إحداها ذراع إبنه، ثم بطن إبنته، وسرعان ما قام بنقلهما في مستشفى ميداني لتلقي العلاج، وحكى معاناة المشي ثماني ساعات بقية الرحلة حتى الحدود الأردنية، إذ كانت إبنته في حاجة إلى عملية جراحية ، وفي الأردن أمضت 15 يومًا في إحدى المستشفيات وها هي الآن تتعافى".
ويرسم ناظم في مخيلته صورةَ أكثر تسامحًا لسورية المستقبل، تقبل بالتعددية ويقول إن "معظم أصدقائه من المسيحيين والعلويين والدروز ومسلمين مثله".
وأوضح أن "مشكلة سورية بدأت قبل 40 عامًا على يد حافظ الأسد الذي أهمل شَعبه، واهتم فقط بعائلته". وقال إن "الإنترنت غيرت أشياء كثيرة في الشعب السوري، ولاسيما هذا الجيل"، وأكد أن "ما يحتاجه هو قدر من الحرية، وليس كل الحرية التي يتمتع بها الغرب".