مشهد من المظاهرات المصرية
القاهرة – أكرم علي
طالبت منظمة العفو الدولية الرئيس المصري محمد مرسي أن يترجم وعوده إلى واقع ملموس، وأن يبرهن على تحليه بإرادة سياسية قوية تهدف إلى إقامة العدل على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت ضد المحتجين، وذلك بالتزامن مع استعداد أكثر من 36 حركة وحزبا سياسيا لتظاهرات 25
كانون الثاني/يناير غدا الجمعة.
وأكدت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بالتزامن مع الذكرى الثانية للثورة أن 12 شخصا قتلوا أثناء الاحتجاجات العنيفة منذ أن تسلم الرئيس محمد مرسي مهام منصبه، واعتباره أول رئيس منتخب لمصر.
وقالت المنظمة الدولية "إنه يتعين على مصر أن تحرص على التحقيق بشكل مستقل وفعال في مقتل مئات المحتجين منذ أوائل العام 2011، وذلك في حال أراد هذا البلد الابتعاد عن الانتهاكات التي وسمت حقبة حكم مبارك؛ وجاء تصريح المنظمة هذا في إطار تقرير موجز تنشره بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الثانية لانطلاقة "ثورة 25 كانون الثاني يناير".
وفي التقرير الموجز الصادر بعنوان "تفشي الفساد لم تتحقق العدالة لقتلى "ثورة 25 كانون الثاني يناير" حتى الآن، أوردت منظمة العفو الدولية تفاصيل أوجه النقص التي شابت التحقيقات والملاحقة القضائية للمسؤولين عن مقتل حوالي 840 شخصاً أثناء التظاهرات؛ قائلة "إن تلك التظاهرات هي التي وضعت حداً لحكم مبارك القمعي الذي استمر أكثر من 30 عاماً، وقادت إلى انتخاب أول رئيس مدني لمصر. كما أُصيب ما لا يقل عن 6600 شخص بجروح مختلفة أثناء تلك الاحتجاجات التي قمعتها قوات الأمن بكل وحشية.
وبحسب المعلومات التي حرصت منظمة العفو الدولية على جمعها في مصر، قالت في تقريرها "استخدمت قوات الأمن أثناء الانتفاضة قنابل الغاز المسيل للدموع، ومدافع المياه، وبنادق الخرطوش، والرصاص المطاطي، والذخيرة الحية ضد المتظاهرين، حتى في العديد من الحالات التي لم يشكل المتظاهرون فيها خطراً على تلك القوات، ولم تجرِ بعد إدانة أي مسؤولين أو ضباط أمن رفيعي المستوى، أو معاقبتهم بشكل عادل على قتلهم للمحتجين أو إصابتهم".
وفي معرض تعليقها على الموضوع، قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، حسيبة حاج صحراوي "لقد عبّر الرئيس مرسي غير مرة عن إشادته بالذين سقطوا في "ثورة 25 كانون الثاني يناير" وتوقيره لهم، بيد أن قلة هي التحركات الفعالة التي تم القيام بها في سبيل مقاضاة المسؤولين عن مقتلهم. وفي واقع الأمر، وبعد مضي عاميْن على الانتفاضة، يظهر أن قوات الأمن قد نجحت في الإفلات من العقاب على ما ارتكبته من جرائم القتل العمد"
واضافت حاج صحراوي قائلةً: "من خلال عدم حرصه على ضمان معاقبة الجناة، فلا يظهر أن الرئيس مرسي يبذل الكثير كي ينأى بنفسه عن عقود من الانتهاكات".
وأكد التقرير "أنه لا زالت محاكم مصر ماضية في تبرئة ساحة كبار المسؤولين وضباط الأمن. وفي بعض القضايا، صدرت أحكام البراءة على اعتبارات تتعلق بنقص الأدلة، أو لأن المحكمة قد ارتأت أن المتهمين كانوا يمارسون حقهم في الدفاع عن النفس، بالرغم من توافر أدلة جيدة التوثيق بما يثبت لجوء الشرطة إلى استخدام القوة المفرطة والمميتة، حتى في الحالات التي لم يكن ذلك ضرورياً".
وعلاوة على ذلك، "قامت محكمة النقض في 13 كانون الثاني يناير الجاري بنقض الحكم الصادر بإدانة الرئيس حسني مبارك ووزير داخليته، حبيب العادلي، بتهمة التواطؤ على قتل المحتجين، وهو ما فتح الباب أمام إعادة محاكمتهما".
وبحسب روايات محامي الضحايا وأقاربهم الذين أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهم، "فُعزى الحكم ببراءة الكثير من المسؤولين، وحتى عدم إحالة بعض القضايا ضد آخرين غيرهم إلى المحكمة ، إلى أوجه النقص التي تتخلل عملية جمع الأدلة -- وبما فيها ما يتعلق بالمواد والمقاطع المصورة، وتقارير الطب الشرعي والبحث الجنائي، والأدلة المرتبطة بالأسلحة والمقذوفات، حيث لم يتم معاينة تلك الأدلة والتقارير في الكثير من القضايا، أو حتى تقديمها إلى المحاكم".
وأكدت صحراوي أنه لم يتسنَّ الحصول من وزارة الداخلية على ما بحوزتها من معلومات أخرى ضرورية من قبيل تسجيلات الاتصالات الهاتفية التي جرت بين مسؤولي أجهزة الأمن، وكشوفات وسجلات توزيع عناصر قوات الأمن على المواقع المختلفة، ولوائح الأسلحة والذخائر التي جرى تقديمها لعناصر تلك القوات.
كما تضمنت الشكاوى بهذا الخصوص مشاركة ضباط الشرطة في التحقيقات، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن احتمال إقدامهم على التلاعب بالأدلة والعبث بها، أو رفضهم الإفصاح عن المعلومات بغية إعفاء زملائهم ومؤسساتهم من المسؤولية القانونية.
ويضيف التقرير "بعد فترة وجيزة من تسلمه مقاليد الحكم في حزيران يونيو 2012، شكل الرئيس مرسي لجنةً لتقصي الحقائق تُعنى بالنظر في حوادث قتل المحتجين وإصابتهم التي وقعت قبل تسلمه منصبه. كما عين مرسي نائبا عاما جديدا، والذي وعد بدوره أن يقوم بإجراء تحقيقات جديدة، وإعادة محاكمة الذين جرى تبرئتهم من تهمة قتل المحتجين في حال ظهور أدلة جديدة".
وأخبر أقاربُ القتلى منظمة العفو الدولية أنه قد طُلب منهم تقديم أدلة جديدة، مُضيفين في الوقت نفسه أن العديد من الشهود قد تعرضوا للترهيب.
وأضافت حاج صحراوي قائلةً: "كان تشكيل لجنة لتقصي الحقائق خطوة أولية جيدة للمضي قُدُما، بيد أنه إذا أُريد لها أن تتحول إلى تطور إيجابي، فينبغي أن يتم نشر تقرير اللجنة، وأن يجري التصدي للثغرات وأوجه النقص في التحقيقات التي أُجريت. الضحايا والمجتمع برمته لهم الحق في معرفة الحقيقة بكاملها".
واختتمت حاج صحراوي تعليقها قائلةً: "يجدر بالرئيس مرسي أن يترجم وعوده إلى واقع ملموس، وأن يبرهن على تحليه بإرادة سياسية قوية تهدف إلى إقامة العدل على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت ضد المحتجين، مع حرصه على محاسبة جميع المسؤولين عن ارتكابها بغض النظر عن رتبهم، أو مواقعهم في سلم القيادة، أو انتماءاتهم السياسية. وحينها فقط سيكون بمقدور الرئيس مرسي أن يضع حداً لإرث انتهاكات الماضي، ويتفادى وقوع المزيد من حوادث قتل المحتجين".
في السياق ذاته شرعت الأجهزة الأمنية المصرية في إرسال تقاريرها ومتابعاتها والسيناريوهات المتوقعة لتظاهرات الذكرى الثانية للثورة المصرية، الجمعة، والأيام التالية له، وآليات المواجهة والسيطرة على الأوضاع في البلاد خلال تلك الفترة، تجنباً لتكرار الانتكاسة الأمنية التي حدثت قبل عامين عندما انسحبت الشرطة من مواقعها، خلال أحداث "جمعة الغضب" التي كانت البداية الحقيقية لسقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
وفيما طالب جهاز الأمن الوطني بزيادة تشكيلات الأمن المركزي في الإسكندرية خوفاً من أن تصبح شرارة الثورة الثانية، أوصت الأجهزة السيادية بتكوين مجموعات استطلاع بملابس مدنية لمتابعة تحركات المتظاهرين وتتبع اتصالات كبار الشخصيات السياسية، نقلاً عن "اليوم السابع" المصرية.
فيما أعلن رئيس هيئة الإسعاف المصرية محمد سلطان في بيان له،عن تخصيص 1950 سيارة إسعاف، مشيرا إلى أنه تم رفع درجة الاستعداد القصوى في المستشفيات وأقسام الطوارئ لتأمين تظاهرات الذكرى الثانية لثورة 25 كانون الثاني يناير.
وقال سلطان "إن خطة التأمين تتضمن توفير فريق طوارئ بالإسعاف المركزي تحت الاستدعاء لمدة 24 ساعة، مشيراً إلى أنه سيتم الدفع بـ 202 سيارة إسعاف لتأمين التظاهرات بمحافظة القاهرة ، و142 بالجيزة، و74 سيارة بالإسكندرية، و62 سيارة بمحافظة القليوبية، و65 سيارة بالبحيرة، و92 بمطروح، و41 بدمياط، و49 بالمنوفية، و50 بكفر الشيخ، و50 بالغربية، و62 بالدقهلية، و45 ببورسعيد، و115 بالشرقية، و65 بالإسماعيلية، و60 بالسويس، و60 بشمال سيناء، و66 بجنوب سيناء، و61 بالفيوم، و54 في بني سويف، و60 بالمنيا، و80 بأسيوط، و61 بالوادي الجديد، و75 بالبحر الأحمر، و60 بمحافظة قنا، و67 بأسوان، و70 في سوهاج، و61 بالأقصر".
وأشار البيان إلى أنه تم تزويد المستشفيات بالأدوية، والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى ضخ كميات كافية من أكياس الدم بجميع فئاته.