الرئيس اللبناني ميشال سليمان
بيروت ـ جورج شاهين
كشفت مصادر مقرّبة من ، لـ"العرب اليوم"، عن أنّه أعطى الأطراف اللبنانية والكتل النيابية في المجلس النيابي، كافة ما يكفي من المهل، لتأتي الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة الأسبوع المقبل نهائية وحاسمة، وبخاصة أنه لن يقبل بأن يُترك له أمر التسمية بشأن الرئيس المكلّف
، باعتبار أنّ هذه الصيغة غير دستورية، وليس هو من يسمّي، وقد يضطرّ إلى اعتبار أصوات من يطرحون عليه هذه الصيغة، بمثابة أوراق بيضاء لا يمكن احتسابها في خانة هذه الشخصية المحتملة أو تلك.
وقالت المصادر ذاتها، "إنّ سليمان دعا في الساعات القليلة الماضية الفريق المتخصص في إدارة طاولة الحوار إلى اجتماع عمل تقييمي موسّع، للبحث في المستجدّات على هذا الصعيد، وبخاصة أنّ المواقف السياسية التي أطلقت كانت قد طلبت منه جمع طاولة الحوار في هذه الظروف الراهنة، قبل الاستشارات النيابية الملزمة أو بعدها، وهو أمر رفضه في المطلق، باعتبار أنّ للطاولة جدول أعمال محدّد، وليست لجنة نيابية فرعية للبتّ، سواء في الملف الحكومي أو قانون الانتخاب، وقال الرئيس إنّ طاولة الحوار باتت جسمًا مستقلاً عن المؤسسات الأخرى، وليست بديلاً من أيّ منها على الإطلاق، ولا علاقة لها بتشكيل الحكومة الجديدة أو من يُكلّف بتشكيلها، أو بقانون الانتخاب، وباتت تعمل وفق آلية مستمرّة تواكب ما هو مطروح على مستوى الإستراتيجية المطلوبة للحوار في لبنان، وإن تعطّلت يومًا ما لخلاف سياسيّ، فإنّها ستعود إلى العمل في توقيت تتوافر فيه مصلحة وطنية عليا، وإلا ما معنى طاولة الحوار التي حقّقت انجازات مهمة في مراحل معينة، ولا سيّما منها (إعلان بعبدا) في 12 حزيران/يونيو من العام الماضي؟".
كما نُقل عن سليمان تشديده على "أهمّية أن يسعى اللبنانيون إلى ضبضبة الملفات الداخلية، وإجراء الاستحقاقات في مواعيدها الدستورية، فحماية الوضع الداخلي مهمة كبيرة وليست سهلة، وهي مسؤولية تقع على عاتق أهل الحكم والحكومة والمعارضة والمؤسسات الدستورية كافّة، ومن لا يصدّق أنّ لبنان مقبل على مزيد من التطورات، فلينتظر ما ستشهده المنطقة من أحداث، قد تكون دراماتيكية لا سمح الله، وإن لم يكن اللبنانيّون مستعدّين للمواجهة، فالأمور ستكون كارثية".
وعن شكل الحكومة الجديدة، أوضحت المصادر أنّ "سليمان كان واضحًا عندما اعتبر أنّه من المهم جدًا أن تنتهي الاستشارات إلى تفاهم على شكل الحكومة ودورها، لأنّ فقدان هذه الصورة الجامعة سيُدخل الرئيس المكلف والبلاد في عطلة قسرية، قد تطول إلى ما لا نهاية، وعلى هذا الأساس فإنّ السعي اليوم إلى حكومة مستقلة مهمّتها وضع قانون انتخابات جديد، والدعوة إلى إجرائها في مهلة محدّدة، على خلفيات تقنية ولوجستية وإدارية، أمر ضروريّ للغاية".
ونقلت مصادر مطلعة، عن رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي، قوله "إنه لا صحة على الإطلاق لما أُشيع عن تلقيه نصائح دولية، وبخاصة أميركية، بوجوب الاستقالة من الحكومة، في ظل تعذّر فرصة إقالة وزيري (حزب الله) في حكومته، وسجلوا عليّ أن لا حكومة سياسية من دون الحزب، وهذه الحقيقة يعرفها القاصي والداني، وأرى أن استقالة الحكومة انعكست بصورة إيجابية على واقع البلد السياسي والأمني والاقتصادي، وآمل بأن يكون موسم الصيف المقبل واعدًا".
وتعترف مراجع نيابية وسياسية لبنانية، تواكب التحضير للاستشارات النيابية الملزمة لاختيار من سيشكل رئيس الحكومة، بأن الخلاف بين رئيس مجلس النواب، رئيس حركة "أمل" نبيه بري، ورئيس "تكتل الإصلاح والتغيير" العماد ميشال عون، بات يهدد مصير الجلسة النيابية لإقرار اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، والتحالف الهش القائم بينهما على أساس اعتبار عون أن بري ليس حليفه، إنما هو حليف "حزب الله"، موضحة أن هذا الخلاف بين بري وعون يهدد بأن يمتد إلى العلاقة بين عون و"حزب الله"، الذي دخل على خط الوساطة بين عين التينة والرابية، فيما عاد إلى الأضواء الحديث عن قانون "الستين" لإجراء الانتخابات النيابية وفقًا له، بعد إدخال تعديلات عليه.
وأفادت المصادر، أن النائب ميشال عون يشعر بأنه بات وحيدًا في دعم اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي، وبدأ يعطي توجيهاته إلى نواب تكتله بالعمل على الأرض كما لو أن "الستين" بات أمرًا واقعًا، وأن المعركة مفروضة عليه وفقًا لهذا القانون، الذي تبرّأ منه الجميع، وبخاصة أن الواقع السياسي المتأزم يتجه يومًا بعد آخر إلى المزيد من تفريخ الأزمات، مثل أزمة تكليف رئيس جديد للحكومة، وأزمة تأليف الحكومة، والأزمة المستمرة لقانون الانتخاب، وفي ظل رفض العدد الأكبر من القوى السياسية التمديد للمجلس النيابي، إلا تقنيًا، عاد الحديث داخل الصالونات السياسية للبحث في إمكان العودة إلى قانون "الستين"، كأمر واقع، فالاشتباك بين رئيس المجلس النيابي ورئيس "تكتل التغيير والإصلاح" وصل إلى حد كاد معه أن يمتد أيضًا إلى العلاقة بين عون و"حزب الله".، فعون يصر على ضرورة انعقاد جلسة تشريعية، يكون بند اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي بندًا وحيدًا على جدول أعمالها، فيما رفض بري ذلك، ولا يزال، على قاعدة عدم انعقاد جلسة يغيب عنها النواب السنّة، وكتلة النائب وليد جنبلاط، وجرى نقاش بين الطرفين، كان كل منهما فيه يتمسك بموقفه، فعون يقول إن انعقاد جلسة كهذه سيسمح على الأقل بكشف مواقف جميع القوى، من يريد تصحيح التمثيل النيابي ومن لا يريده إلا شعارًا كاذبًا، وفي المقابل، يكرر بري مقولته التي باتت تستفز عون بأنه لن يكرر خطيئة فؤاد السنيورة التي ارتكبها بعد 11/ 11 / 2006 عندما استمر في رئاسة حكومة انسحب منها جميع الوزراء الشيعة، والأمر عنده مبدئي، حتى وصل التوتر إلى ذروته في اللقاء الأخير بين عون والمعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين الخليل.
وطالب عون حلفاءه بالضغط على رئيس البرلمان، وكان رد "حزب الله"، "نحن معك في الأرثوذكسي إلى النهاية، وسنصوت عليه، وحاولنا إقناع بري بعقد جلسة، لكنه مصر على موقفه"، في حين جرى نقاش آخر بين عون والخليل، حيث يرفض الأول قطعًا أي تمديد للمجلس النيابي، لأنه يعني التمديد لاحقًا لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، وعون، بحسب بعض مقربيه، يُفضل خسارة الانتخابات النيابية على التمديد لسليمان، حيث عبّر عن غضبه بطريقة واضحة عندما قال "لن أقبل أي قانون غير الأرثوذكسي، وإذا لم يتحقق ذلك، فسأخوض مضطرًا الانتخابات على أساس قانون (الستين)، الذي يريدون إيصالنا إليه كأمر واقع، ووضعي في المناطق المسيحية جيد، وافعلوا ما ترونه مناسبًا في المناطق التي لكم وجود فيها"، ولم ينته اللقاء على افتراق، لكن أجواءه لم تكن إيجابية، وجرى الاتفاق على استكمال المشاورات.
ولم تكن مساعي "حزب الله" وحتى ليل الجمعة السبت، بين بري وعون قد توصلت إلى ما يتيح حدوث أي انقلاب في المشهد، قبل أن يُنقل بري إلى المسشتفى، وتُجرى عملية جراحية له، وُصِفَت بالبسيطة، بحسب مصادر طبية وسياسية، وما جرى خلال الساعات الأخيرة بين الحلفاء كانت له تتمة، فعون أبلغ عددًا من نواب تكتله ما مفاده بأن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي لن يُقر، فحزب "القوات" انقلب عليه، وكذلك "الكتائب"، ويبدو أن بري لا يريده أيضًا، ويستحيل أن يُقرّ، والظاهر أن قانون "الستين" صار أمرًا واقعًا، وعليكم أن تبدأوا العمل في مناطقكم على أساس أن الانتخابات قريبة، في موعدها أو في موعد آخر قريب جدًا.
وبموازاة كلام عون، عاد الكلام في بعض الأروقة السياسية عن الخيار ذاته، وكذلك عادت صيغة تعديل قانون "الستين" إلى البحث مجددًا، والحديث عن التعديل يشمل بالتحديد فصل مدينة زحلة عن قضائها، ونقل المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، وتقسيم كل من دائرتي بعلبك ـ الهرمل وعكار، وفصل البقاع الغربي عن راشيا، وحاصبيا عن مرجعيون، وهذه التعديلات هي أقصى ما يجري الحديث عنه.