الرباط ـ تونس اليوم
لا يختلف اثنان على أن الموضة المغربية بدأت تشهد نهضة في عالم الأزياء العصرية، يقودها سرب من المصممين الشباب الذين اقتحموا الساحة موظفين كل خبراتهم ومواهبهم لرسم صورة جديدة لمغرب يجمع الأصالة بالمعاصرة؛ هؤلاء المصممون قبلوا خوض تحدٍ كبيرٍ في سوق يتربع فيه القفطان متسلطناً مستقوياً بحب المرأة المغربية وولائها له، فمن المحال أن يخطر ببال أي واحدة، أياً كانت مكانتها وعمرها وثقافتها، أن تستغني عنه في أي مناسبة من المناسبات.
المصمم سعيد محروف هو العراب الذي يقود هذا السرب، ليس فقط لأنه أقدمهم أو أكثر من فرض نفسه على الساحة من الناحية الإبداعية، بل لأنه أكثر من حصل على حبهم وتقديرهم له.منذ بدايته التي يقول إنها كانت منذ نحو 10 سنوات، لم يحاول ركوب الموجة السائدة المضمونة التي اقتصر فيها كثيرون على محاولة تجديد القفطان واللعب على بعض تفاصيله حتى لا يفقدوا شعبيتهم، بل رسم لنفسه في المقابل خطاً لم يكن سهلاً، لكنه كان يغذي إحساسه الفني، ويتماشى مع قناعته، بصفته شاباً درس تصميم الأزياء في أكاديمية الفنون بأمستردام، ثم معهد «برات» بنيويورك، قبل أن يحصل على شهادة الماجستير في تصميم الأزياء في أكاديمية الفنون «ريتفلد» بأمستردام.
يأتي صوته متفائلاً وهو يُصرح بأن «ساحة الموضة تغيرت بشكل واضح في المغرب منذ دخوله إليها. آنذاك، كانت الموضة بشكلها العصري تتبوأ مكاناً ثانوياً، تتجاهلها المنابر المهتمة بالموضة، مثل (فيستي مود كازابلانكا) -وهو أسبوع الموضة الذي كان يقام بمدينة الدار البيضاء- والمجلات النسائية التي كانت تخصص أغلفتها للأزياء التقليدية لمعرفتها المُسبقة بأنها هي التي تبيع وتجذب الإعلانات. الآن، هناك عدة مصممين شباب درسوا تصميم الأزياء، وتخرجوا في معاهد في المغرب وخارجه، يتفننون فيها، ويُلبون رغبات وأذواق شابات تواقات للجديد المبتكر».
اليوم، وبعد مرور نحو 10 سنوات على بدايته في مدينة الدار البيضاء، يقول سعيد إن أجمل شيء في المغرب أن الأصالة والمعاصرة وجهان لعملة واحدة، وهو ما نلمسه في شتى المجالات، وليس في الموضة وحدها؛ يشرح قائلاً: «بالنسبة لي، بصفتي مصمماً لفساتين سهرة، يسعدني أن أرى أن إقبال شابات وصبايا على هذه الأزياء لا يُؤثر على احترامهن وشغفهن بجمال الأزياء التقليدية»، مستدلاً بالتغيير الذي شهدته الأعراس المغربية، فقد أصبحت تُخصص يوماً للأزياء التقليدية، تلبس فيه العروس والضيفات القفاطين المطرزة بسخاء، ويوماً خاصاً بالفساتين العصرية. ويعيد التغيير في الثقافة والأذواق إلى المرأة المعاصرة التي أصبحت أكثر استقلالية وجُرأة في اختياراتها، فـ«أحياناً، أطلق العنان لخيالي في عدد من التصاميم غير متوقع أن تكون تجارية على الإطلاق، لأتفاجأ بأنها هي الأكثر جذباً ومبيعاً».
بعض المعجبات بسعيد محروف يُطلقن عليه لقب إيلي صعب المغرب، ليس لأسلوبه بل من باب حبهن له. عندما أشير إلى هذا التشبيه، يرد بخجل أنه يُسعده ويشرفه، على الرغم من اختلاف أسلوبيهما. ففي حين يتميز أسلوب إيلي صعب بفخامة الشرق الأوسط من ناحية التطريز وترف التفاصيل، فإن أسلوبه هو يتميز ببساطة خطوط الغرب. ويضيف «إيلي صعب، إلى جانب كل من زهير مراد وربيع كيروز، رموز نفتخر بها، ونقتدي بها في عالمنا العربي؛ كم كنت أتمنى لو كان لديّ بعض من إمكانياتهم، لتستوي المقارنة، فمعملي لا يسع أكثر من 3 حرفيين ينفذون تصاميمي، وأنا من يقوم بالرسم والقص».
وعلى الرغم من شُح الإمكانيات وغياب الدعم، فإن ما حققه سعيد محروف من نجاح داخل وخارج المغرب لا يستهان به، حسبما تؤكده صور النجمات المتداولة على منصات «السوشيال ميديا». غير أن المشكلة أن شُح الإمكانيات المادية يجعل المصممين من أمثاله يعتمدون على العلاقات الشخصية للتعريف بإبداعاتهم وتسويقها، إذ إنه «من الصعب مثلاً الاستعانة بوكالة علاقات عامة تكون جسراً بيننا وبين الزبائن، وغيرهم من صناع الموضة.
لهذا، فإن ربط علاقات مبنية على الصداقة والود مع الزبونات تبقى الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامنا لحد الآن. فكلما تألقن في فستان من تصميم أي واحد منا، وجذبن الأنظار إلى أناقتهن، خدمننا بشكل غير مباشر».ومن يعرف سعيد محروف يعرف أن الاعتماد على هذه العلاقات الشخصية عملية مُتعبة بالنسبة له، فهو خجول بطبعه. وعلى الرغم من أن علاقاته مع الكل جيدة، فإن شخصيته لا تسمح له بتخطي حدود معينة مع زبوناته خارج نطاق العمل «فأنا لا أشعر بالراحة ولا الارتياح في المناسبات الاجتماعية وأي من التجمعات، إلى حد أني قد أشعر فيها بنوع من الغربة؛ مكاني الطبيعي المريح هو معملي».
وبسبب خجله الاجتماعي، كان من البديهي أن يجد في وسائل التواصل الاجتماعي مُنقذاً ومنفذاً، لا سيما أنها فتحت الأبواب على مصراعيها لعرض ابتكارات مصممين من أمثاله، وكسب ولاءات زبونات شابات. وهو «أمر كان له مفعول السحر على الموضة المغربية العصرية»، كما يقول.ويعكف سعيد محروف حالياً على تصميم وإطلاق أول تشكيلة خاصة بالعرائس، وهو ما يبدو متناقضاً مع الوضع الحالي في العالم عموماً، والمغرب خصوصاً، بسبب جائحة كورونا التي ألغت الأفراح والفرح على حد سواء. بيد أنه بتفاؤله يقول إن «الفرج قريب، ويجب أن نستعد له بالفرح». ويستطرد قائلاً إنه على الرغم من كل السلبيات التي يعيشها العالم بسبب الجائحة، فإنها نجحت في خلق سلوكيات إيجابية، تتمثل في زيادة الوعي بمفهوم الاستدامة وتقدير الحرفية. فالمرأة مثلاً بدأت تختار أزياءها بعناية أكبر لأنها تريدها أن تبقى معها طويلاً، وليس لموسم واحد.
ويتابع: «ليس هذا فحسب، بل بدأت ألاحظ على (السوشيال ميديا) شخصيات مختلفة تلبس الفستان نفسه في عدة مناسبات، وهو ما يُسعدني، لأنه شهادة بأنه ناجح. وحتى من الناحية التجارية، لا يضايقني الأمر لأني أطرح مجموعاتي أساساً بعدد محدود جداً، لأني أومن بأن الموضة الحقيقية هي أن نقع في حب القطعة ونستعملها لسنوات وبأشكال مختلفة، حسب المناسبة».
المشكلة في جائحة كورونا بالنسبة له لم تقتصر على تأثيراتها الاقتصادية بقدر ما كانت في تأثيراتها على القدرة على الإبداع، حيث أصيب بما يشبه الصدمة في بدايتها «إلى حد أنني فقدت الرغبة في العمل»، حسب اعترافه. وفقط في النصف الثاني من عام 2020، بدأ يستعيد طاقته، ويتأقلم مع الوضع الجديد.والآن، يسكنه الأمل بقُرب انفراج الجائحة، وهو ما استحق منه العمل على أول تشكيلة خاصة بالأفراح، لتكون إعلاناً عن أن الفرح قريب.
قد يهمك ايضا: