الفن الغنائي السعودي

أشار تقرير صحافي إلى أن الحقبة الزمنية التي عاشها السعوديون ما بين ستينيات القرن الماضي إلى منتصف الثمانينيات كانت فترة ذهبية للفن الغنائي في السعودية وشهدت تنافسًا كبيرًا بين عدد كبير من الرموز الغنائية التي ظهرت آنذاك وساهمت في تكوين حراك فني لافت، مبينًا أن المجتمع السعودي كان حاضنًا ومتفاعلًا في ذلك الوقت مع كل أنواع الفنون.

وأضاف التقريرأن بداية الثمانينيات شكلت فترة نموذجية لبروز عدد من الأصوات الغنائية التي بدأت عملها من خلال الحفلات الاجتماعية الخاصة والمسارح المتحركة ومنهم الفنانين "فهد عبدالمحسن" و"سعد جمعة" و"عبدالرحمن النخيلان" و"سعد النخيلان" و"مزعل فرحان " و "عيسى الاحسائي" و "فهد بن سعيد" و" بشير حمد شنان"، و" سعد إبراهيم" و"سلامة العبدالله" و"حمد الطيار "و"صالح السيد" و"حمدي سعد" وغيرهم.

ولفت التقرير أن المجتمع السعودي كان متناغمًا مع الأعمال الفنية آنذاك ولم يكن يخجل من الفنان ولا من الاعتراف به، وذلك قبل أن يتغير الواقع منذ نحو ثلاثين سنة بعد أن انتشرت قناعات أثّرت على فكر المجتمع.

وحتى ذلك الحين كانت كل الشواهد تقول إن الفن كان طقسًا اجتماعيًا يتعاطى معه جميع أفراد المجتمع بأريحية ودون عُقد، ومن ذلك ما شهدته نشأة الأغنية في نجد عندما كان رموزها المؤسسون يجتمعون في منزل عبدالله السلوم وفي حضور أبنائهم ليحيوا ليالي السمر والفرح، وكذا الحال في الحجاز حين كان عبدالرحمن المؤذن يحيي حفلات الأعراس، فهذه الشواهد المثبتة تاريخيًا تعطي حقيقة مفادها أن أهم سبب لتطور الفنون هو قبول المجتمع واحتضانه للفن والفنانين.

وأورد التقرير الأمثلة التي توضح حالة  تفاعل المجتمع السعودي مع الفن وقال "ما قام به الراحل طلال مدّاح عندما غنّى في حفل زواجه أغنيته الشهيرة "وردك يا زارع الورد" في نهاية الخمسينيات رفع من قيمة الفن والفنان  وجعل الأغنية قريبة من وجدان المجتمع تعبّر عنه وعن مزاجه وذوقه ومشاعره بصدق كبير.

ومن أهم الإشارات على تفاعل المجتمع مع الفن ذكر التقرير إنشاء سوق في قلب الرياض للآلات الموسيقية هو سوق "الحلة" الذي شكل مركزًا مهمًا للفنانين الكبار والمواهب الناشئة التي تبحث عن تقديم نفسها في الغناء وشراء بعض الآلات الموسيقية والتعلم على العزف.

واعتبر التقرير أنه بعد منتضف الثمانينيات أصبح موقف المجتمع ضد الفن والفنان إلى الحد الذي تم فيه تجريم هذا الفعل وتشويه سمعة من يتعاطى معه.

وقال التقرير "منذ منتصف الثمانينيات انتشرت أيديولوجيا تستهدف "الفرح" وتحارب الفن والجمال، وتغلغلت إلى عمق المنزل السعودي التي رفضت انتماء أبنائهم للفن، وهمّشت دور الفنان في الحفلات والمناسبات الاجتماعية، وبرزت في تلك المرحلة  ملاحقة الشباب وتكسير أعوادهم وآلاتهم الموسيقية أمام أعينهم

ولفت التقرير إلى أن هذه الأفكار التي تأخذ بأقوال معينة من الفقه الإسلامي، والتي أهملت أقوالًا أخرى من فقهاء أكثر تسامحًا مع الغناء، أدت إلى تدمير الأغنية السعودية وابتعاد المواهب الحقيقة عن المشهد الغنائي تاركة الساحة لانصاف الموهوبين وهو ما أدى بالنتيجة إلى الفقر الفني الكبير الذي يعيشه المجتمع السعودي الآن والذي جعل من الشباب فريسة سهلة لأفكار متطرفة كارهة للحياة والفرح.