بيروت - غيث حمّور
تتفوق السينما الهوليودية على نظيرتها الأوروبية في نواحٍ عدة، مع اختلاف كبير في الطروحات والأفكار المعالجة، وطرق تقديمها وتوظيفها، ويضاف إلى ذلك أيضًا المتابعة الجماهيرية الكبيرة للسينما الأميركية، ولكن تبقى السينما الأوروبية تحتل موقعاً مرموقاً في الساحة السينمائية العالمية، ومن الملاحظ عبر تاريخ السينما التواجد الأوروبي
في الإنتاجات الأميركية، في مجالات عدة من الإخراج والكتابة إلى التمثيل.
ويوضح الخبراء السينمائيون أنَّ السينما الأوروبية عبر مدارسها المتنوعة، الطبيعية في ألمانيا، والواقعية في إيطاليا، والواقعية الجديدة في فرنسا وغيرها، عملت على ترسيخ مكانة الفيلم الفكرية، والجمالية، وتراكمات القراءات النظرية لهذا الفن، ولم تضع فاصلاً بين الفيلم والنظرية، واعتمدت كلاسيكية البناء مختزنة الواقع الحياتي في صناديق التراث، كما استخدمت البنى الرمزية بطريقة واقعية، عبر مفردات اللون والحركة والشكل والبناء المكاني، وحرصت على نقل الواقع على شكل صورة فيها الكثير من المصداقية إلى مجتمعاتها، التي جرت بها هذه الوقائع والأحداث، كصورة من صور المجتمع، ومنها الفيلم الإيطالي "The Bicycle Thief"(سارق الدراجة) عام 1948، وفيلم المخرج الإسباني اليخاندرو امينايار "البحر في داخلي"، وفيلم "مخاوف خاصة في أماكن عامة" للمخرج الفرنسي آلان ريسنيه.
وأشار الخبراء إلى أنّ هذا الالتحام مع الواقع واجه آراء مناقضة له في السينما الأميركية، التي اعتبرت أنّ قوة الفيلم تكمن في تمرده على الواقع، وإعادة تقديم الشكل الاجتماعي، عبر بناء فني خالص، يعتمد في بنائه الدرامي على عوالم مختلفة عن الحياة الواقعية، فوضعت فاصلاً بين شخوص الفيلم وانتمائها الحقيقي لمجتمع من المجتمعات، كفيلم "بوني وكلايد"، وسلسلة "العراب"، و"المحصنون"، وإن كانت في بعض الأحيان تقدم الواقع الاجتماعي الأميركي كفيلم "أميركان بيوتي"، الذي يقدم صورة للنسيج الاجتماعي عبر الأم المدمنة على الكحول، غريبة الأطوار، والابنة الضائعة بين الأم والأب المتصابي، والضابط الذي يعيش على أمجاد الماضي.
ويبيّن الخبراء أنّه على الرغم من هجرة الممثلين الأوروبيين للعمل في هوليوود، كالممثل البريطاني دانيال داي لويس، والممثلة الإيطالية صوفيا لورين، والفرنسية ماريون كوتيار، ومواطنتها جولييت بينوش، وغيرهم الكثير، لكن هذه الهجرة فتحت المجال للسينما الأوروبية لتقديم نفسها على الساحة العالمية، وتسويق ممثليها بالشكل الأمثل، حيث يعد فوز جولييت بينوش بجائزة أفضل ممثلة في دور ثان عام 1997، عن دورها في فيلم "ذي إنغليش بيشنت"، وفوز ماريون كوتيار بجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة عام 2007 عن دورها في فيلم "الحياة الوردية"، الذي يحكي قصة حياة المغنية الفرنسية الشهيرة إديث بياف، والبريطانية كيت وينسلت كأفضل ممثلة في عام 2008 عن دورها في مسلسل "القارئ"، وفوز البريطاني دانيال داي بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل عن فيلم "سيكون هناك دم"، والممثل كولن فيرث عام 2010 عن دوره في "خطاب الملك"، والفرنسي جون دوجردان عن فيلم "الفنان" عام 2011، وحتى أخيراً فوز الممثل البريطاني دانيال دي لويس بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "لينكون" 2012، وفي قائمة 2013 للممثلات هناك إيطالية وأسترالية.
واعتبر الخبراء أنّ احتواء القائمة في 2013 اسمين من خمسة غير أميركيين، يؤكد أن السينما الأميركية تعتمد في بنائها على الأيادي الأجنبية، لاسيما الأوروبية، وما يعزز ذلك وجود المخرج الإيطالي فورد كوبولا، الذي شارك في صنع تاريخ السينما الأميركية، بثلاثيته المعروفة العراب، وحصوله على جوائز أوسكار عدة، إضافة إلى المخرج الإيطالي أنطونيوني، مخرج فيلم "بلو أب"، الذي قام ببطولته ديفيد همينجز وفانيسا ردجريف، والذي رشح عام 1966 لجائزتي أوسكار، والمخرج الألماني ماكس أوبهيلس بأهم أفلامه "رسالة من امرأة مجهولة"، كما يأتي في الوقت الراهن العديد من المخرجين الشباب كالإيطالي غابريل ماتشنيو، الذي قدم فيلم "Seven pounds"، من بطولة ويل سميث، كما فاز المخرج البريطاني داني بويل بجائزة أفضل مخرج عام 2009 عن فيلم "المليونير المتشرد".
ويؤكّد الخبراء السينمائيون أنّ سطوة السينما الأميركية تأتي عبر وفرة إنتاجها، والكلف الإنتاجية الكبيرة التي تنفقها على هذه الصناعة، فمثلاً يأتي فيلم "التايتانك"، الذي أنتج عام 1997 بكلفة إنتاجية وصلت لأكثر من 200 مليون دولار أميركي، مع استخدام آخر ما توصل له العمل من تكنولوجيا في مجال الصورة والصوت، فيما نجد في المقابل أنّ الكلفة الإنتاجية لأكبر الأفلام الأوروبية لا تتعدى الـ 50 مليون دولار، وهذا يكرّس السيطرة الأميركية على صالات العرض في العالم، وقدرتها على نشر إنتاجها بشكل واسع واستقطاب جمهور كبير في المعمورة عامةً.
ويتابعون "على الرغم من أنّ جمهور السينما الأوروبية لا يقارن بجمهور نظيرتها الأميركية إلا أن فيلم (مدرسة البيانو)، الذي حصل على السعفة الذهبية لمهرجان (كان)2001، والذي جاء نتيجة للتراكم الجمالي الذي خلفه فليني وتروفو ورينوار وغودار وأنطونيوني وفيسكونتي، ومع ازدياد قوة المهرجانات الأوروبية، وتوجه السينما الهوليوودية إلى المشاركة فيها بقوة، كل ذلك مهد لعودة قوية للسينما الأوروبية على الساحة العالمية، وفتح الطريق للأفلام الأوروبية في دور العرض العالمية بشكل أكبر وأوسع، ووضعها على خارطة السينما العالمية من جديد، بعد أن غابت لفترات طويلة".