المسلسلات البدوية

بين تصدّر عدد من الممثلين البطولة للمرة الأولى وإسناد الأعمال إلى مخرجين ليس في رصيدهم محطات درامية مشابهة، والاعتماد على مؤلفين غير معهودين، يتصدّر المشهد الفني الأردني حالياً سؤالٌ رئيسي: هل تحوّلت المسلسلات البدوية المزمع عرضها في رمضان المقبل إلى حقل تجارب أم فتحت بابا لتجديد الوجوه واستقبال الشباب في ربوعها؟ ويجيب عنه أهل الدراما في هذا التحقيق .

حسين دعيبس مخرج "الفيديو كليبات" يتولى وللمرة الأولى عملاً بدوياً يحمل عنوان "وعد الغريب" جار تصويره وفق رؤية يؤكد مشاركون أنها مختلفة من حيث طريقة "لقطات" الكاميرا عبر أكثر من عدسة وزاوية، مع عدم تحديدهم مدى إيجابيتها أو سلبيتها قبل ظهور النتيجة .

دعيبس بدأ مشواره الفني في الدراما غير البدوية والتحق في التلفزيون الأردني خلال ثمانينات القرن الماضي، وأسهم في تصوير أعمال مختلفة بينها فيلم "نزهة على الرمال" مع نجدت أنزور، وأخرج المسلسل التاريخي "عرس الصقر" عام 1999 ثم أخذته "الكليبات" مع مطربين معروفين بينهم كاظم الساهر ونجوى كرم وعبد الرب إدريس وعمر العبداللات وغيرهم، قبل أن يؤكد مؤخرا رغبته في العودة إلى المسلسلات، معتبرا تجربة "وعد الغريب" ثرية ومشجعة أراد من خلالها خوض المجال البدوي في تحدٍ مختلف نحو تقديم ما أطلق عليه "نموذجا جديدا غير مُعتاد" متمنيا تحقيق ذلك .

ورغم إعلانه في آب/ أغسطس الماضي اعتزام تعويله على نحو 20 شابا وشابة من الوجوه الصاعدة في بطولات رئيسية، بعضهم أدّوا أدواراً محدودة في "كليبات" سابقة معه، إلاّ أن التنفيذ بين مواقع التصوير جاء اعتماداً على أصحاب خبرة ارتبطوا غالباً بالدراما البدوية في مقدمتهم ياسر المصري الذي كان قد اعتذر عن المشاركة في العمل قبل موافقته لاحقا .

دعيبس يرى وجوب إطلاق مواهب جديدة في الدراما البدوية قادرة على إتقان لهجتها وفهم بيئتها وأداء شخصياتها، بعيدا عن الإطار التقليدي المرتكز على ما يصفه "مغالطات مُقحمة أحياناً"، معتقداً أن أعمال البيئة الصحراوية التي تمرّس شقيقه أحمد دعيبس في تقديمها ستبقى مطلوبة طالما ارتكزت على الجودة والإتقان .

وليس بعيدا يخوض حسام حجاوي مخرج الإعلانات و"الكليبات" تجربته الدرامية الأولى عبر مسلسل "حنايا الغيث" الجاري إنهاء مراحل تصويره الأخيرة، واضعاً الممثلة الشابة لونا بشارة أمام أول بطولة مطلقة، فيما يُعد العمل المحطة البدوية الثانية على التوالي للمؤلفة وفاء بكر بعد "رعود المزن"، في خطوة تجدها جهة الإنتاج ضرورية بداعي منح القدرات المتنوعة فرصاً متفاوتة .

وفاء بكر تحاول وفق طرحها شق خطٍ جديد في النهج البدوي الدرامي المستوحى من نصوص عالمية معروفة كما "روميو وجولييت" عند كتابتها "رعود المزن" و"عطيل" في "حنايا الغيث"، مع تأكيدها غير مرة تقديم أحداث ذات تفاصيل مغايرة تتناسب مع البيئة الصحراوية وفق سياق يعتبره القائمون على التجربتين يستحق المواصلة .

أعلن الممثل الكويتي شهاب جوهر صراحة أن أحد أسباب اتجاهه إلى أول بطولة بدوية في "عين الهقاوي" عقب محطات اجتماعية تراثية ومعاصرة، هي رغبته في فتح الباب أمام وجوه جديدة بعدما ظلت هذه الدراما مقتصرة على "أسماء مُحنّطة" على حد وصفه .

يؤكد جوهر" لا أرى في ذلك مغامرة غير محسوبة أو تحوّل المسلسلات البدوية إلى حقل تجارب بالمعنى السلبي، لكنني في المقابل مع التجربة الأولى طالما كانت القدرات والإمكانات مؤهلة لذلك وإلاّ بقينا رهن دائرة مغلقة تضيق على أصحابها .

وتعتقد من تتقاسمه البطولة الرئيسية في المسلسل الأردنية أميرة سمير أن ظهورها في دور نعتته بأنه "محوري" في عمل "الوعد" العام الماضي، منحها التقدم لأول مرة إلى تصدّر الشخصيات النسائية الشابة في "عين الهقاوي" المُنجز تصويره مؤخراً جنوب المملكة .

أميرة تؤكد إدراكها أن البطولة المطلقة في مسلسل بدوي بالذات بمثابة "سلاح ذو حدين" بسبب اقتران هذا النوع من الدراما بحضور أردني لافت على الشاشات العربية، مقابل خروج من يخفق سريعاً من حسابات صفوف المقدمة غالبا، وتستدرك بأنها في الحالتين تعتزم المواصلة وعدم الالتفات كثيرا إلى من أطلقت عليهم "مجموعة مثبّطين" . وتساءلت: ألا تستحق الوجوه الصاعدة فرصاً للتجربة قبل الحُكم عليها؟

من جهته يرى المؤلف مصطفى صالح المقترن بأعمال بدوية عدة بينها "أخوة الدم" و"نمر بن عدوان" و"عيون عليا" والمسلسل الجديد "وعد الغريب" وجوب التفريق بين خوض أصحاب موهبة حقيقية أو خبرة متفوقة تجربة أولى في الدراما البدوية، وبين اقتحامها من باب "ركوب الموجة"، ووضع أسماء في غير محلها على صعيد النص والإخراج والبطولة وحتى الإنتاج بهدف كسب ربح مادي في المقام الأول أو الاستناد إلى علاقات شخصية في التوافق على الأمر .

يتابع صالح" إن نجاح مسلسلات بدوية سابقة على الشاشات العربية دفع بعض المحسوبين على المجال إلى تقديم نصوص سطحية واختيار فريق العمل بأقل التكاليف على حساب جودة النتيجة، وتحويل الأمر إلى تجارة بشعة تفتح الباب أمام "حقول تجارب" ليس بهدف فرز الأفضل وإنما ذهابا للحل الأسهل توقاً إلى المال قبل كل شيء .