إسبانيا ستكون أول من يطلب المساعدة في 2013
بروكسل ـ سمير اليحياوي
نقف مشدوهين إذا ما قارنا بين العام 2012 وبين العام المقبل بالنسبة إلى منطقة اليورو الأوروبية، حيث إن المنطقة ستدرك في العام المقبل الفرق بين مجرد الإصابة بلدغة الثعبان السامة وبين الاختناق نتيجة التفافه حول الجسد، ويمكن القول بأن منطقة اليور قد نجت خلال العام الماضي من احتمالات الموت المفاجئ، المتمثل
في خروج اليونان من العملة الموحدة، لتواجه نوعًا من الاختناق البطيء خلال العام 2013 بسبب الركود الاقتصادي.
فالمنطقة تعيش حالة مرضية، وكل بلد يواجه محنة، الأمر الذي لن يساعد أنصار الاتحاد الأوروبي في بريطانيا في دعم قضيتهم بحلول الذكري الأربعين لانضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي، والتي تحل العام 2013، وهي الذكري التي تتزامن مع الجدل الدائر بشأن مستقبلها. وسوف يقوم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بوضع إستراتيجيته للاتحاد الأوروبي في وقت لاحق، خلال كانون الثاني/ يناير المقبل، وسط انقسامات عميقة بين حزبه والائتلاف الحكومي الحالي.
وما زالت المسألة الأوروبية مصدر دائم للاختلاف والانقسام منذ اللحظة التي قام فيها السير إدوارد هيث بالتوقيع على المعاهدة الأوروبية، في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير العام 1973، واللحظة التي أعقبها قيام امرأة بإلقاء الحبر عليه، احتجاجًا على توقيعه على تلك المعاهدة.
وعلى الرغم من تراجع فرص تفكك منطقة اليورو خلال العام 2012 إلا أنها مع ذلك ما زالت تعاني من عيوب خطيرة في أساسها، ومن اختلالات عدة في هيكلها، بالإضافة إلى حالة الركود الاقتصادي، واحتمالات سقوط دول جنوب أوروبا في هاوية الركود الاقتصادي لفترة طويلة ممتدة.
إن الازمة الاقصادية الطاحنة سوف تكون مصحوبة دائمًا بالخطر الدائم، المتمثل في نشوب أزمة متكاملة الأركان، نتيجة الواقع السياسي والاقتصادي المزعج المضطرب، الذي سوف يمارس ضغوطه المتكررة على بلدان المنطقة، على مدار العام.
ويقول الخبراء إن أكبر ثلاثة اقتصادات أوروبية خارج نطاق ألمانيا سوف تواجه عبء تمويل يقدر بقرابة 780 مليار يورو خلال السنة عندما تتحقق نبوءة أزمة الركود.
وسوف تتطلع كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا التي تعاني من ارتفاع تكاليف الاستدانة إلى الوفاء بوعود توفير السيولة اللازمة، وقيام البنك المركزي الأوروبي بشراء السندات الحكومية.
وكلما كانت خطط الإنقاذ المالية وإجراءات شراء السندات مقنعة في تلك البلدان، قويت حجتهم أمام بلدان مثل ألمانيا وفنلندا والنمسا وهولندا.
ويقول خبراء الاقتصاد إن إسبانيا التي تعاني من صراعات اجتماعية، ومخاطر التفكك على يد الحركات الانفصالية في إقليمي كتالونيا والباسك، سوف تكون أول دولة تطلب المساعدة مع مطلع العام 2013.
ومن شأن تقديم المساعدة لأسبانيا أو أي دولة أخرى، أن يثير جدلاً واسع النطاق في البلدان الدائنة في أوروبا الشمالية مثل ألمانيا، التي تستعد للانتخابات العامة خلال شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.
ولا بد من التصويت على مثل تلك المساعدات في برلمانات كل من ألمانيا وفنلندا والنمسا وهولندا، وسط حالة من الجدل والتوتر السياسي، بسبب تزايد التحويلات النقدية الضخمة من دول الشمال إلى دول الجنوب.
وكانت أنغيلا ميركل قد فقدت في البوندستاغ الألماني الغالبية التي كانت تتمتع بها بشأن خطط إنقاذ منطقة اليورو، مما يعني حاجتها إلى دعم المعارضة خلال انتخابات العام المقبل. وفي حال تنامي البطالة في ألمانيا، وسط تكهنات تقول بأن اقتصادها الأقوى سوف يعاني من حالة تباطؤ، الأمر الذي قد يؤثر على قرار ميركل تقديم مليارات من العملة الأوروبية إلى إسبانيا، في وقت تتعرض فيه الرفاهية الألمانية إلى ضغوط.
أما الانتخابات الإيطالية في شباط/ فبراير المقبل فقد تدفع منطقة اليورو إلى أزمة متكاملة الأركان، وسط حالة من الغموض السياسي بسبب عودة رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكوني إلى الساحة السياسية الإيطالية، وهو الذي سبق وأن وضع إيطاليا على حافة الهاوية. ولا يزال رئيس الوزراء الإيطالي الحالي ماريو مونتي في حيرة من أمره بشأن إمكان استمراره في تولي رئاسية الحكومة الإيطالية، وهو الذي تمكنت إيطاليا خلال فترة حكمه التكنوقراطي من استعادة ثقة الأسواق. وفي ظل تردد مونتي وانقسامات اليسار الإيطالي، تزداد فرص عودة بيرلسكوني لرئاسة الحكومة الإيطالية، الأمر الذي سوف يتسبب في إحداث اضطرابات في الأسواق المالية، والعودة بمنطقة اليورو إلى حافة الهاوية.
ومع زيادة التباطؤ الاقتصادي عبر أوروبا التي تعاني من صراعات اجتماعية وبرامج تقشف، تتزايد فرص الاضطرابات السياسية في القارة الأوروبية.
كما أن التوتر بين ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سوف يعوق قدرة منطقة اليورو على التصرف، في وقت يحاول فيه هولاند الحد من الاقتراض، وتبني سياسات اقتصادية لا تحظى بشعبية، وسط فرار المستثمرين في فرنسا من الضرائب المرتفعة.
ومن المنتظر أن يشهد الاقتصاد اليوناني زيادة في معدلات الانكماش الاقتصادي بنسبة 4 في المائة إضافية، في بلد تتزايد فيه حدة الغضب بسبب سياسات التقشف التي يفرضها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على البلاد، على نحو يهدد الاستقرار فيها.
وفي حالة عدم تحقق تنبؤات الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي بحدوث نمو اقتصادي في اليونان مع انطلاقة العام 2013 فإن ذلك من شأنه أن يقضي على إستراتيجية البقاء لمنطقة اليورو.
وقد توصل المحلل الاقتصادي رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في مركز أوروبا المفتوحة راؤول روباريل إلى نتيجة مفادها أن الكثير من البلدان الأوروبية سوف تعاني من وباء تتمثل ملامحه في الركود الاقتصادي، والغموض السياسي، وانخفاض معدلات النمو، وارتفاع نسبة البطالة، وأن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، وإنما سوف تتطور في شكل صراعات في ما بين تلك البلدان الأوروبية.
وفي حال خروج ميركل منتصرة في انتخابات الخريف المقبل في ألمانيا فإنها سوف تعود للصراع من أجل فكرة الوحد الأوروبية السياسية، وبالتالي وضع تغيير المعاهدة الأوروبية على قائمة أولوياتها. الأمر الذي سوف يضطر ديفيد كاميرون إلى السير على حبل مشدود مع وعد بالتفاوض من جديد، لتجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفي ظل الجدل الدائر داخل حزب "المحافظين"، والأصوات المناهضة للاتحاد الأوروبي، وما يتطلبه الائتلاف الحكومي مع الليبراليين الديموقراطيين، يلوح في الأفق فكرة إجراء استفتاء بشأن الاتحاد الأوروبي خلال العام المقبل، الذي يحمل معه ذكرى مرور 40 عامًا على انضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي.
كما يشهد العام المقبل الذكرى العشرين لتنفيذ معاهدة ماستريخت التي أسفرت عن العملة الأوروبية الموحدة ومفهوم المواطن الأوروبي.
وسيحتفل الاتحاد الأوروبي بالعام الأوروبي للمواطنة ولكنها احتفالات لن تحظى بكثير من البهجة، في ظل التواترات السياسية المتزايدة، وارتفاع معدلات البطالة، التي تقترب من 30 مليون عاطل في أنحاء أوروبا كافة.