تونس ـ تونس اليوم
تصاعدت تحذيرات خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال في تونس في السنوات الأخيرة من زحف المنتجات التركية إلى الأسواق المحلية دون أن تكون هناك حاجة ملحة للكثير منها، مع ما يعنيه ذلك من ضرب للاقتصاد الوطني وإضرار بمصالح الصناعيين والفلاحين والتجار، وتبدو المعاملات التجارية بين تونس وتركيا مبنية على عدم التوازن ومحكومة بالعلاقات السياسية خاصة صعود حركة النهضة للحكم، وأوضح الخبير المتخصص في الاقتصاد وتنمية الموارد، حسين الرحيلي، أن "العلاقة بين تونس وتركيا على المستوى التجاري هي علاقة محكومة بمن في السلطة في البلدين ويغلب عليها الطابع الأيديولوجي، ولا تضبطها المصالح الاقتصادية المشتركة والتوازن في العلاقات التجارية، بل العلاقات الأيديولوجية والشخصية للحاكمين والمهيمنين على السلطة".
وأضاف أنه منذ سنة 2012 "اتضح جليا أنها علاقة مركبة أضرت كثيرا بالاقتصاد التونسي الذي بدأ ينزف واشتدت نسبة العجز في الميزان التجاري مع تركيا، كما تأثر النسيج الاقتصادي المحلي بفعل ما أسماه بالغزو غير المشروط وغير المسبوق للبضائع التركية"، الرحيلي أكد أن أغلب ما تستورده تونس من تركيا هي سلع تنتجها الأيادي والمصانع التونسية بل كانت "بلادنا معروفة بتميّزها في هذه المجالات خاصة بالنسبة للنسيج والملابس الجاهزة، "ولكنها السياسة والسياسيين عندما يحولون البلاد إلى غنيمة.. إنها ثمرة العلاقة بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا وحركة النهضة في تونس".
يذكر أن بداية العلاقات التجارية التونسية التركية تعود إلى تاريخ 25 نوفمبر 2004 عندما وقّع البلدين اتفاقية التجارة الحرة.
وبحلول سنة 2005، أصبحت جميع المنتجات الصناعية معفاة بالكامل من الرسوم الجمركية، كما نصت الاتفاقية على أن عددا من المنتوجات الفلاحية معفاة إلى حدود سقف معين مثلا بالنسبة للتمور التونسية معفاة إلى حدود 5000 طن، ونصت أيضا اتفاقية التبادل التجاري الحر على أنه يمكن لكل طرف الترفيع تدريجيا في المعاليم الجمركية لتعديل الميزان التجاري وحماية اقتصاده وبعض الصناعات المحلية والمنتوجات الوطنية. وفعليا ومنذ عام 2006 بدأت المبادلات التجارية التونسية التركية في مجالات محدودة.
ويؤكد الرحيلي أنه "قبل سنة 2011 لم نكن نرى في أسواقنا التفاح التركي و"القليبات"، وهي بذور عباد الشمس البيضاء، ولم يسبق أن شهدنا هذا الفيضان في النسيج والملابس الجاهزة والمستعملة التركية لأنه في تلك السنوات كانت المبادلات التجارية بين البلدين متوازنة وكان جهاز الجمارك يقوم بوظيفته التعديلية وتلجأ السلطات إلى تنفيذ الإجراءات الحمائية كلّما تتطلب الأمر واختل التوازن بشكل يضر بالاقتصاد الوطني وهو ما تم فقدانه مع وصول حركة النهضة حليفة تركيا للحكم في السنوات الأخيرة".
وتستورد تونس من تركيا حوالي 90 مادة من بينها نباتات الزينة وآلات الموسيقى والمواد المكتبية ومختلف المواد الغذائية من بسكويت وشكلاطة ومياه معلبة وحليب ومواد البناء والخشب والأثاث.
في المقابل بقيت صادرات تونس نحو تركيا محدودة وتتمثل في الفسفاط والتمور تحديدا دقلة النور التونسية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن عجز الميزان التجاري مع تركيا بلغ في الفترة بين 2013 و2017 بين 1500 و1700 مليون دينار وارتفع سنة 2019 ليفوق 2.3 مليار دينار، وهو رقم ضخم بالنسبة للاقتصاد التونسي الذي يعاني ارتفاعا كبيرا للدين الخارجي وانهيارا في قيمة الدينار في ظل عدم نجاح جهود إعادة دفع الاستثمار وتحقيق التنمية وخلق مواطن الشغل.
هذا ولم تتجاوز قيمة الصادرات التونسية إلى أنقرة 332 مليون دينار.
ويقدر خبراء أنه منذ عام 2013، تتضررت سنويا مئات الشركات والمصانع التونسية إما بتراجع إنتاجها أو أنها تغلق نهائيا ومن بينها خاصة المؤسسات الصغرى والمتوسطة العاملة في مجال النسيج والصناعات المعملية مما تسبب في بطالة الآلاف من الشباب.
ولا يتجاوز عدد الشركات التركية التي تعمل في تونس 75 مؤسسة بقيمة استثمارات تقدر بـ 2,3 مليار دينار ولا تشغل سوى 1600 يد عاملة تونسية وفق أرقام تعود لسنة 2017.
وحمل الرحيلي المسؤولية الكاملة في ما تسجله تونس من خسائر كبرى في علاقتها التجارية مع تركيا إلى وزراء حركة النهضة ونوابها في البرلمان الذين استماتوا دائما في الدفاع عن مصالح تركيا ومزيد تغوّلها الاقتصادي.
وأفاد أنه كان لا بد في العشر سنوات الماضية إيقاف العمل بعديد الاتفاقيات "حتى ندعم الاقتصاد الوطني ليصبح أكثر تنافسية ونتمكن من خلق مواطن شغل وتحقيق التنمية"، مشددا على أن مواصلة العمل باتفاقية التبادل الحر مع تركيا بشكلها الحالي دون رقابة أو تعديل هو دليل واضح على أن من يحكمون البلاد اليوم هم فاسدون.
يذكر أنه خلال شهر أبريل الماضي تقدمت الحكومة إلى مجلس نواب الشعب بمشروعي قانونين يتعلقان بالتبادل التجاري والاستثمار المشترك بين تونس وكل من تركيا وقطر، مما أثار جدلا سياسيا كبيرا حيث اعتبرها عدد من النواب أنها اتفاقيات ترسخ "التبعية" وتستهدف السيادة التونسية وقد تم تأجيل النظر فيهما.
وكانت رئيس كتلة الحزب الدستوري الحر عبير موسي توجّهت برسالة إلى رئيس الحكومة دعته فيها إلى "سحب المشروعين بصفة نهائية وطالبت بالتدقيق في كافة الاتفاقيات المبرمة من قبل الحكومات السابقة وعدم تمرير أي اتفاقية لا تتلاءم مع المصلحة العليا للوطن".
وأكدت أن الاتفاقيين "من شأنها المس من سيادة تونس وضرب المنظومة الاقتصادية الوطنية".
من جانبه، قال أصلان بالرجب، عضو المكتب التنفيذي لكنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية "كونكت تونس": "نحن في كونكت ندرك جيدا أن العلاقة الاقتصادية بين تونس وتركيا فيها الكثير من السياسة".
وأوضح أن سبب العجز الكبير في الميزان التجاري التونسي التركي هو "أننا أصبحنا نستورد بشكل عشوائي ومنتظم مواد تصنعها المعامل التونسية وتنتجها الشركات الوطنية مثل المواد الكهربائية والكهرومنزلية والملابس والمنتوجات الفلاحية والمواد الغذائية، وأصبحنا نجد في المغازات الكبرى المنتوجات ذات الرمز الشريطي التركي جنبا إلى جنب مع المنتوجات التونسية في منافسة غير متكافئة من حيث السعر والجودة".
وتثبت أرقام أصدرتها وزارة التجارة تعود لسنة 2016 أن أكبر حجم للواردات التركية سجل في القطنيات ب 319 مليون دينار وارتفع في سنة 2017 إلى 340 مليون دينار، تليها واردات الحديد والصلب وكانت في عام 2016 بحجم 207 مليون دينار فيما ازدادت في عام 2017 لتبلغ 333 مليون دينار.
أما المراجل وآلات البناء والميكانيك فقد بلغ حجمها 196 مليون دينار في العام 2016 و260 مليون دينار في العام 2017؛
أما فيما يتعلق بالصادرات التونسية نحو تركيا فقد بلغ حجمها الإجمالي في 2016 نحو 356.3 مليون دينار، وفي 2017 بلغت 415 مليون دينار. وتعد الأسمدة الكيميائية الأكثر تصديرا تليها الآلات الإلكترونية والأجهزة العلمية.
وطالبت "كونكت تونس" مرارا بضرورة الاقتصار على توريد المواد الأولية التي تحتاجها المصانع التونسية وهي مواد ذات قيمة مضافة ونادت أيضا بتسهيل الإجراءات لتشجيع رؤوس الأموال الأتراك للاستثمار في تونس.
كما تسعى كونكت بالتعاون مع البنك المركزي التونسي إلى إبرام اتفاقية مقايضة مع تركيا كتلك التي أمضتها تونس مع الصين وبموجبها أصبح الدينار التونسي معادلا لليوان الصيني في كل عمليات التبادل التجاري بين البلدين، ممّا يجنب مخاطر الصرف وبالتالي تصبح الليرة التركية معادلة للدينار التونسي وهي من الحلول التي تشجع المستورد التركي للإقبال على الصادرات التونسية وتخفض من عجز الميزان التجاري.
وفي محاولة لمواجهة سياسة إغراق البلاد بالسلع التركية، أطلقت المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك في السنة الفارطة حملة "استهلك تونسي 619" لتوعية المواطنين بأهمية استهلاك المنتوجات المحلية والتصدي للتوريد العشوائي للبضائع المعفاة من الرسوم الجمركية أمام صمت الحكومة التي تقوم بالاقتراض بالعملة الصعبة لتمويل واردات السلع بدل استثمارها في تنمية الجهات الداخلية وخلق مواطن شغل.
ويعد القطاع الفلاحي والفلاحين أكبر المتضررين من عمليات التوريد لكل أنواع السلع وصولا إلى المنتوجات الفلاحية، وتذّمر رئيس النقابة التونسية للفلاحين فوزي الزياني بشدّة "مما وصل إليه الوضع في علاقة باتفاقية التبادل التجاري مع تركيا، ذلك أن "المنظومة الفلاحية في تونس تعاني مشاكل كبرى متراكمة منذ سنوات ويشتكي الفلاحون من صعوبات عديدة أهمها عدم توفر التمويلات ونقص الترويج لمنتجاتهم، ويجدون اليوم أنفسهم أمام منافسة غير شريفة مع السلع التركية"، وفق تقديره، مما يضطر الفلاح للتفريط في محصوله بأسعار لا تتناسب مع كلفة الإنتاج ويتكبّد خسائر شديدة.
كما تساءل عما إذا كانت كل المواد الغذائية التركية تخضع إلى رقابة صحية وبيئية قبل دخولها البيوت التونسية.
ونبه الزياني إلى أن عدد الفلاحين الذين هجروا المهنة وأهملوا أراضيهم في تزايد، قائلا إن الدولة وحكومات ما بعد 2011 تخلّت على الفلاّح وعوض أن تدعمه وتفتح له أسواقا جديدة جلبت له من ينافسه في قوته، في إشارة للمنتجات التركية.
وحذّر الزياتي من انتفاضة السواعد السمر وثورة الفلاحين الذين تكبدوا خسائر كبيرة لعدة مواسم أمام صمت الحكومة وعدم إصغائها لمطالبهم.
قد يهمك ايضا
رئيس الحكومة التونسية يؤكد أن هيبة الدولة هو أن تحترم مواطنيها
البرلمان التونسي يبدأ التحقيق في واقعة احتفال "الدستوري الحر" بذكرى اعتلاء بن علي الحكم