الرياض - العرب اليوم
يُنتظر أن تسهم الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في المحافظة على وتيرة النمو الاقتصادي، وتجنيب آثاره من الإصلاحات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، بدخول القيمة المضافة حيز التنفيذ مع بداية العام الحالي، إضافة إلى تعديل أسعار الطاقة.
وتضمنت الأوامر الملكية صرف بدل غلاء معيشة شهري قدره 1000 ريال (267 دولارًا) للمواطنين من الموظفين المدنيين والعسكريين لمدة سنة تعويضًا عن زيادة تكاليف المعيشة، وذلك بعد رفع أسعار البنزين وفرض ضريبة القيمة المضافة، مما سيخفف الأثر على مستوى المعيشة عند المواطنين، في الوقت الذي بدأت فيه عدد من شركات القطاع الخاص بإصدار قرارات مشابهة للقرارات الحكومية، وذلك بصرف بدل غلاء للموظفين، الأمر الذي سيعزز بشكل كبير من استمرار القوة الشرائية والطلب الداخلي، وهما العاملان اللذان يعتبران من مميزات الاقتصاد السعودي وأحد وسائل الجذب الاستثماري.
ويأتي ذلك بعد دعوات وجهها مسؤولون حكوميون في السعودية للقطاع الخاص للسير على خطى الحكومة، حيث قال الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار أمس إن "القطاع الخاص يتفاعل مع الأوامر الملكية... وكلي يقين بأنه سيكون له مبادرات ومساهمات من خلال الغرف التجارية تسهم في تخفيف الأعباء على المواطنين"، وذلك من خلال تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
إلى ذلك، قال الدكتور عواد العواد، وزير الثقافة والإعلام السعودي، إن الدولة عنيت بمراعاة الجانب المالي لحياة المواطنين، فذللت الصعوبات أمام الأعباء المالية المترتبة بسبب ضريبة القيمة المضافة، فتحملت عن المواطن هذه القيمة عند شرائه مسكنًا لأول مرة، عندما لا يزيد سعر المسكن عن 850 ألف ريال (267 ألف دولار)، والمسكن يعد من أساسيات الحياة.
وأكد العواد على أن تحمل الدولة ضريبة القيمة المضافة عن المواطنين المستفيدين من الخدمات الصحية والتعليمية في القطاع الأهلي، يوضح أن اهتمام القيادة ينصب على المستقبل، فالصحة والتعليم يعتبران أساسيين نحو بناء أجيال صحية وواعية، دون تحمّل أعباء مالية إضافية، موضحا أن تخصيص 50 مليار ريال (13 مليار دولار) لهذا الأمر، يدلل على حرص القيادة على رفاهية الشعب وسلاسة حياته المعيشية، دون منغصات. كما أنه سيساهم في ازدهار الاقتصاد ونمو حركته، معتبرًا أن هذا من المحفزات التي ستساعد أيضًا رجال الأعمال في التحرك نحو مشاريع تنموية كبيرة للوطن تعود عليه بالنفع في قادم الأيام.
وجدد الوزير امتنانه للقيادة الرشيدة إثر ضخها نحو 30 مليار ريال في حساب المواطن، الذي سيستمر في دعم المستفيدين منه، فيصبح إجمالي دعم الدولة المقدم بعد الأوامر الملكية يقارب 80 مليار ريال، وهو ما يجسد الحرص الكبير لولاة الأمر على كل ما من شأنه أن يلبي احتياجات المواطن ويحقق تطلعاته، وأشار إلى أن "ما صدر من أوامر ملكية شملت الجميع عسكريين ومدنيين ومتقاعدين وطلابًا، عكست اهتمام وتقدير القيادة الكريمة لجميع أفراد المجتمع، كما أولت عناية خاصة بجنودنا البواسل على الحد الجنوبي الذين وهبوا أرواحهم فداءً للوطن، كما أولت عناية خاصة بالمواطنين الأقل دخلًا من مستفيدي الضمان الاجتماعي والمتقاعدين، جنبًا إلى جنب مع شرائح المجتمع الأخرى".
من جهته، قال الدكتور إحسان بوحليقة، رئيس مركز "جواثا الاستشاري"، إن الرهان في الوقت الحالي هو تحقيق مستوى إيجابي من النمو الاقتصادي يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة بمقدار أعلى مما قد يقضمه التضخم من دخل المستهلكين، حيث في حال كان دخل الفرد 4 آلاف ريال (1066 دولارًا)، وارتفع التضخم بمعدل 5 في المائة، فيما ارتفع الفرد بمعدل 7 في المائة، فإن الهدف من الحفاظ على مستوى المعيشة قد تحقق إلى حد بعيد، والعكس بالعكس.
وأضاف بوحليقة: "مع الإقرار أن تحديد مقدار الدعم والضرائب هو شأن سيادي للحكومة - كما هو الأمر في سائر البلدان - إلا أن تزامن العديد من عوامل رفع الأسعار، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة، يؤدي بطبيعة الحال إلى رفع تكلفة المعيشة، وبالتالي زيادة الضغوط التضخمية، ومن ثمة رفع مؤشر الأسعار، في توجه معاكس لما كان عليه الحال في العام 2017، عندما شهد مؤشر الأسعار هبوطًا للمنطقة السالبة لعشرة أشهر".
وتابع في تعليق على الأوامر الملكية السبت: "ثمة فرق جوهري بين العامين؛ فالعام الماضي 2017 كان عام ركود، حيثانكمش بنحو 0.5 في المائة، بالأسعار الثابتة، أما العام 2018، وعلى النقيض من العام الذي سبقه، فإن التوقعات الحكومية تقول إن الاقتصاد سيشهد نموًا - بالأسعار الثابتة - في حدود 2.7 في المائة في العام 2018، وهو ما يفيد توجب أن يتغلب النمو على التضخم بنتيجة صافية قدرها 2.7 في المائة، أي أن يتحسن مستوى الدخل بما معدله 2.7 في المائة".
وشدد رئيس مركز "جواثا الاستشاري" على أهمية أن تتحرك عجلة الإنفاق دون إبطاء لتسبق "التضخم" إلى الأسواق، مما يجعل تأثير "الأوامر الملكية" إبقاء المبادرة الاقتصادية بيد سياسات النمو، وبيَّن أن أثر ارتفاع أسعار الطاقة، واستحداث ضريبة قيمة مضافة، تضخمي، إذ أخذت أسعار السلع والخدمات ترتفع مباشرة، ومن جهة أخرى، أثرت التكاليف المتصاعدة، وعدم وجود تحسن متزامن في الأفق القريب في الدخل، على معنويات المستهلك، فأخذ يحجم عن الإنفاق، لاسيما أنه مر بتجربة صعبة في العام الماضي 2017 تجسدت في تراجع الطلب الكلي وكساد الأسواق إجمالًا.
وأكد أنه في حال استمرار ذلك سيكون هناك ارتفاع الأسعار من جهة وعزوف المستهلك عن الإنفاق من جهة أخرى، فكان من شأن ذلك أن يضع الاقتصاد السعودي وجهًا لوجه أمام "ركود تضخمي"، وفي المقابل فإن إصلاح ذلك جاء عبر فتح قنوات ضخ نقدي ضخمة للأسواق، تؤدي لإنعاش معنويات المستهلك بدفعه للإنفاق، وبالتالي زيادة الطلب، مما يحرك الأسواق وينعشها، ويؤدي لنمو الاقتصاد المحلي.
وشدد الدكتور إحسان بوحليقة على أنه على المدى القريب - خلال الأشهر الثلاثة المقبلة - تتجسد المبادرات الاقتصادية الحكومية التي سيعلن عن تفاصيلها في برامج "رؤية المملكة 2030" التسعة المتبقية، وهي برامج تنويع اقتصادي بامتياز، بحسب وصفه. وأكد أن تأثير "الأوامر الملكية" مباشر، ويدعم جيب الفرد مباشرة، مما يعني ارتفاع الإنفاق الخاص (استهلاك الأسر)، ليصل للأسواق بسرعة وبوتيرة شهرية مع صرف كل معاش، وكذلك سيصل الإنفاق الأكبر للأسواق لاحقًا مما أعلن في ميزانية العام 2018، التي يصل إجمالي إنفاقها إلى 1.110 ترليون ريال (296 مليار دولار)، منها 338 مليار ريال (90 مليار دولار) إنفاق رأسمالي واستثماري. وعما يتعلق بتجاوز وتيرة النمو وتيرة التضخم، قال إن بقاء مستوى الأجور في القطاع الخاص على ما هو عليه حاليًا لم يعد خيارًا، وإنما من المُجدي أن تنتج الأموال نموًا يسوق لزيادة الطلب على الموارد البشرية السعودية، ليفتح فرصًا وظيفية جديدة، ويُحسن الأجور إجمالًا، ويولد فرصًا للمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وبالتالي إذا كانت "الأوامر الملكية" مصلًا لوقاية الأسواق من شبح الركود التضخمي، فإنه ينتظر من القطاع الخاص المشاركة لدعم وتيرة النمو وتغلبها على التضخم.